رغم محاولات التهدئة من قبل الجهات الرسمية الكويتية والعراقية في أعقاب الخلاف الذي نشب بين البلدين أخيراً بسبب قضية quot;ميناء مبارك الكبيرquot;، فإن المتابع لوسائل الإعلام ولبعض التصريحات من قبل شخصيات برلمانية ومسؤولة في البلدين، يلحظ بوضوح حالة من الاحتقان المتصاعد، الذي يُنبئ بما هو أخطر إن استمر من دون حلول جذرية للخلاف الحدودي بين الجارين، اللذين اكتويا بنيران غزو quot;صدامquot; للكويت قبل أكثر من 20 عاماً.


الكويت: الواقع الجديد في عراق ما بعد صدام حسين، كان له أكبر الأثر في تحسن العلاقات نسبياً بين البلدين، وإن كانت الريبة تحكم تلك العلاقات في بعض المراحل، إلا أن ما أعقب إعلان الكويت عزمها الاستمرار في بناء ميناء quot;مبارك الكبيرquot;، ورد الأخيرة بطلب وقف البناء، فجّر خلافاً هو الأعمق من نوعه بين الجارين منذ الإطاحة بنظام الرئيس السابق صدام حسين العام 2003.

فقد قدّم العراق طلباً رسمياً للكويت بوقف العمل في مشروع بناء ميناء مبارك إلى حين التأكد من أن حقوق العراق في المياه المشتركة لن تتأثر، وهي دعوة سارعت الكويت إلى رفضها، مؤكدة أن أعمال البناء ستستمر quot;وفق البرامج المعتمدةquot;.

اللغة التي استخدمها الناطق باسم الحكومة العراقية علي الدباغ في الطلب السالف الذكر لم تكن معهودة من حكّام العراق الجدد، وبالتالي الرد الكويتي جاء سريعاً وواضحاً وصريحاً، إذ نقلت وكالة الأنباء الكويتية عن مصدر رسمي قوله إن طلب العراق quot;لا يستند إلى أي أساس قانوني أو اعتبار منطقي، حيث إن الميناء يقام على أراض كويتية وفق سيادتها على أراضيها ومياههاquot;.

المصدر شدد أيضاً على أن الكويت quot;تؤكد على استمرار أعمال البناء في ميناء مبارك الكبير في جزيرة بوبيان وفق البرامج المعتمدةquot;، مبدياً استغرابه من طلب العراق وقف العمل في الميناء.

مع ذلك، أكد المصدر quot;استعداد الكويت مجددًا لاستقبال أي وفد فني عراقي لإطلاعه على المعلومات الفنية اللازمة، التي تؤكد على انسيابية وسلامة الملاحة البحرية في خور عبداللهquot;، وذلك quot;حرصًا من دولة الكويت على الحفاظ على علاقات الأخوة وحسن الجوار مع الأشقاء في العراقquot;.

وفي الوقت الذي ينتظر الجميع رد الحكومة العراقية على الموقف الكويتي خلال اجتماعها يوم الثلاثاء، فإن بعض وسائل الإعلام العراقية الرسمية وغير الرسمية سارعت إلى انتقاد الموقف الكويتي بحدّة، دفعت رئيس تحرير جريدة quot;الصباحquot; عبد الستار البيضاني، للذهاب بعيداً في انتقاداته، الأمر الذي دفع هيئة الأمناء في شبكة الإعلام العراقي لإقالته لنشره مواد صحافية وصفت بأنها quot;تسيء إلى العلاقات العراقية الكويتيةquot;.

بالتوازي مع التصعيد الإعلامي، خرجت مظاهرة في العاصمة العراقية بغداد رفعت شعارات منددة ببناء الكويت لميناء مبارك، مطالبة بقطع العلاقات مع الجارة، وفقًا لما ذكرت صحيفة الرأي العام الكويتية، التي أكدت أن ضغوطاً كبيرة تًُمارسها أوساط شعبية وسياسية عراقية على حكومة بلادها، لدفعها باتجاه العمل على اتخاذ موقف quot;صارمquot; من قضية بناء الميناء.

هذه الضغوط وما يرافقها من انتقادات لاذعة توجّه منذ أسابيع صوب حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي، بسبب ما اعتبر quot;موقفها المهادنquot; من قضية ميناء quot;مبارك الكبيرquot; الذي يرى فيه العراقيون بأنه quot;سيضيّق الخناقquot; على الممر المائي الذي يمتلكونه على الخليج العربي، تجلت أمس في مطالب متظاهرين تجمعوا في ساحة التحرير في وسط بغداد، دعوا فيها حكومتهم إلى اتخاذ خطوات من شأنها تسوية الأزمة القائمة مع الكويت.

ودعا المتظاهرون في شعارات رفعوها ورددوها، حكومتهم إلى quot;قطع العلاقات الثنائية مع الكويت إذا لم تستجب الأخيرة إلى مطالب الحكومة العراقية التي دعتها إلى إيقاف العمل في مينائهاquot;.

إلى جانب هذه الدعوات الشعبية quot;التصعيديةquot;، تعالت أصوات نيابية عراقية تأرجحت بين المطالبة بوساطة إقليمية أو أممية لتسوية الخلاف مع الكويت، من خلال إشراك منظمات الجامعة العربية والأمم المتحدة، وبين التلويح باللجوء إلى المحاكم الدولية لحل الأزمة التي quot;أخذت تتفاقم شيئاً فشيئاًquot;.

والى أبعد من ذلك، دعت النائبة عالية نصيف عن كتلة quot;العراقية البيضاءquot; حكومة بلادها إلى الإسراع في تدويل القضية من خلال طرح الملف على طاولة مجلس الأمن الدولي، مطالبة الإدارة الأميركية بموقف واضح وجلي من هذه الأزمة.

وأكدت في بيان مكتوب، ضرورة أن تفي الولايات المتحدة الأميركية بالتزاماتها تجاه العراق باعتباره دولة محتلة من قبلها، مشددة على ضرورة أن تتوقف واشنطن عن quot;محاباة ابنتها المدللة الكويت على حساب المصلحة العراقيةquot;.

في المقابل، لم تغب هذه الأزمة عن بعض نواب مجلس الأمة الكويتي، إذ انتقد بعضهم العراق بشدة بسبب اعتراضه على بناء ميناء مبارك الكبير، وطالبوا حكومة بلادهم بموقف حازم، بينما دعا كاتب كويتي الى quot;الرد على تهديدات العراقيين بتهديد أقوىquot;.

وقال الكاتب عبد الله النجار في مقال له في صحيفة quot;الوطنquot; إنه يستغرب سكوت المسؤولين في الحكومة الكويتية تجاه تهديدات النظام العراقي للكويت بسبب بناء ميناء مبارك الكبير quot;ولا اعرف ما الذي يخوّف أي وزير مختص من الرد وبقوة على أي مسؤول عراقي يهدد بلدنا، العراق الذي وبقوته أيام الراحل صدام حسين لم يستطع جيشه السيطرة على خلايا المقاومة الكويتية عندما غزا الكويت في عام 1990quot;.

ومضى يقول quot;العراق بقسوته في تلك الفترة كان جيشه مهلهلاً ووحداته لا يوجد بينها تنسيق، وأكثر جنوده كان يتم شراؤهم بسندويتشات ومرطبات ليفتحوا نقاط التفتيش (السيطرة) بلهجتهم ولتعبئة السيارات التي لم تغير لوحاتها بالبنزين والمخابرات العراقية، وكانت تعتمد كلية على التعذيب والقسوة وبدون أن تكون لديها أية دراية بأعمال التحقيق والتحريات، وحتى غزوهم لنا كان عن طريق الخداع، والجيش الكويتي لم يكن في حالة تأهب بعدما طمأن الرئيس حسني مبارك القيادة الكويتية إلى عدم وجود أي نية للغزو، هذا جيش العراق السابق، فما بالكم يا حكومة الكويت بالوضع الحالي للجيش العراقي المنقسم إلى ميليشيات سنية وشيعية وكردية وتركمانية ويزيديةquot;.

وختم مقاله المشحون بالقول quot;يا جماعة ردوا بقوة على أي مسؤول عراقي يهدد الكويت وشعبها مع قرب ذكرى الغزو في 8/2!quot;.