سكان لندن يشكلون مجموعات دفاع ذاتي في شوارع العاصمة
مدينة مانشتسر تشهد اسوأ اعمال عنف منذ 30 عاماً
لليوم الرابع على التوالي... بريطانيا تعيش على وقع الشغب والنهب

لندن: بعد أربع ليال من العنف والحرائق وأعمال النهب التي تركت مناطق من لندن تبدو وكأنها ساحة حرب، يواجه رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون سؤالا من مواطنيه يلح عليه بتقديم إجابة، وهو مَنْ يسيطر على الشارع في بريطانيا؟

وبدا طيلة ليل الاثنين والساعات المبكرة من يوم الثلاثاء ان الجواب عن هذا السؤال هو ان الغوغاء هم الذين يسيطرون.

واياً تكن دقة هذه الإجابة فالمؤكد ان السيطرة لم تكن للشرطة أو السياسيين أو القادة المحليين الذين شلهم حجم العنف غير المسبوق وسرعة تصاعده وامتداده كالنار في الهشيم، اولا من منطقة في شمال لندن ثم الى اخرى وربما كان من المحتم ان تنتقل العدوى الى مدن اخرى بينها بريستول في الجنوب وبرمنغهام في الوسط وليفربول ومانشستر في الشمال.

ولاحظ معلقون انه إذا لم يتمكن كاميرون من تقديم إجابة عن السؤال تطمئن مواطنيه الى ان الوزارات المختصة وقوات الشرطة تمسك زمام السيطرة فان عواقب ذلك على قيادته قد تكون بالغة الأثر وحتى وخيمة في نهاية المطاف.

ويُشار هنا الى ان حكم المرأة الحديدية مارغريت ثاتشر انتهى لأسباب منها اضطرابات أقل عنفا اندلعت ضد محاولتها فرض ضريبة بلدية جديدة في عام 1990. وكما قالت دايان ابوت عضو مجلس العموم عن منطقة هاكني التي كانت من اشد المناطق تضررا بأعمال الشغب في شمال لندن لمجلة تايم فان من وظائف الدولة الأساسية اليوم quot;الحفاظ على النظام العام وإذا لم يتمكن كاميرون من استعادة السيطرة خلال الساعات الأربع والعشرين المقبلة فانه سيكون في مأزق سياسي خطيرquot;.

وبخلاف الاضطرابات التي وقعت في زمن ثاتشر، لا توجد قضية سياسية محدَّدة تدفع الاضطرابات الحالية. ولكن النائبة ابوت لفتت الى ان آثار التخفيضات الحادة في الإنفاق العام والخدمات الاجتماعية المحلية بسبب الركود الاقتصادي لم تظهر بعد في العديد من المناطق والدوائر المحلية.

وحين تبدأ هذه الآثار بالظهور فان الوضع سيكون حتى أسوأ منه الآن. ولكن ابوت مثلها مثل غالبية السياسيين من سائر الأحزاب الاخرى، تميز بين العنف الناجم عن احتقانات اجتماعية والإجرام المحض.

وقالت ابوت في حديثها لمجلة تايم إن العنف بدأ بمقتل رجل على يد الشرطة في توتنهام يوم السبت، كما هي الحال عادة، ولكن ما حدث بعد ذلك كان نهبا من أجل النهب والعبث، quot;والمشكلة الكبرى كانت السماح للعصابات بنهب الأسواق طيلة ساعات دون ان تتدخل الشرطة فانتشرت الرسالة القائلة ان بامكان المرء ان يمارس النهب دون ان يتعرض للاعتقالquot;.

وإذ تستعد لندن لاستضافة دورة الالعاب الاولمبية في صيف 2012 فان صور المباني المحترقة والمتاجر المنهوبة والاشتباكات الدموية بين قوات مكافحة الشغب وعصابات من الشبان الملثمين هي أسوأ دعاية ممكنة لقدرة مدينة على تنظيم فعالية هائلة كالاولمبياد بعدما كانت اصلا تواجه تساؤلات عن مستوى الأمن العام فيها.

وكان رئيس الوزراء البريطاني قطع اجازته في ايطاليا وعادة الى لندن في محاولة لتأكيد سيطرته على الأزمة. ودعا لجنة الطوارئ الى الاجتماع مع قادة الشرطة والوزراء المعنيين ثم أعلن نشر اعداد كبيرة من قوات الشرطة في شوارع لندن، من 6000 شرطي يوم الاثنين الى 16 الفا ليل الثلاثاء.

كما دعا البرلمان إلى قطع عطلته الصيفية والاجتماع يوم الخميس للاستماع منه عن مستجدات الوضع. وإذا فشل في إخماد الاضطرابات يوم يلتئم مجلس العموم فانه سيواجه تحديات جدية بشأن كفاءته، بحسب مجلة تايم.

ويعرف كاميرون ان الكثير يتوقف على تعاطيه مع الأزمة التي ضبطته للمرة الثانية في ظرف اسابيع وكأنه يلهث وراء الأحداث مضطرا الى دعوة البرلمان للاجتماع. وكانت المرة الأولى فضيحة التنصت على الهواتف التي شهدت زعيم المعارضة العمالية ايد ميليباند يأخذ زمام المبادرة وكاميرون يحاول اللحاق. وفي الاسبوع الماضي واجه رئيس الوزراء انتقادات من المعارضة لبقائه في الإجازة فيما كانت منطقة اليورو تمضي نحو الأزمة.

هذه المرة قطع كاميرون وميليباند وعمدة لندن بوريس جونسون اجازاتهم الصيفية وعادوا الى بريطانيا في مواجهة ازمة متفاقمة ومطالب متزايدة بتحرك فاعل من قادة البلد، بما في ذلك دعوات الى استخدام خراطيم الماء وانزال قوات الجيش الى الشوارع وفرض حظر التجوال في المناطق المستهدفة. ولكن رئيس الوزراء رفض جميع هذه الخيارات مركزا على تعزيز قوات الشرطة والنشاط الاستخباراتي. وتعهد كاميرون بأن يعيد الأمن الى شوارع بريطانيا.

ولا ريب في ان مخاوف نشأت من أن يؤدي مشهد السياسيين وهم يتسابقون على العودة من الإجازة الى تكريس الإحساس بأن البلد يعيش أزمة حقيقية.

وفي النهاية لم تكن هناك حاجة الى السياسيين لترسيخ هذا الإحساس بل تكفل باشاعته مثيرو الشغب دون مساعدة بمشاهد الدمار والعنف التي قال مراقبون ان لندن لم تعرف مثيلها منذ الحرائق التي اشعلها قصف الطائرات الالمانية للمدينة خلال الحرب العالمية الثانية. وما اثار سخط الكثير من السكان واصحاب المتاجر غياب الشرطة فيما كانت شوارعهم تُحرق وتُنهب.

والآن لدى كاميرون حتى يوم الخميس ليثبت قدرته على التصدي لهذه الموجة التي لم يُعهد لها نظير من اعمال العنف. وحتى إذا نجح في مسعاه يبقى هناك سؤال يتطلب إجابة، وهو السؤال نفسه الذي طُرح خلال اضطرابات مماثلة شهدتها بريطانيا في عقد الثمانينات وما اقترن به ايضا من بطالة وركود: ما الذي يدفع أعدادا غفيرة من الشباب الى الشعور بالاغتراب والانفصام عن مجتمعهم وبيئتهم بحيث يلجئون الى العنف، حتى العنف العبثي بلا هدف، على هذا النطاق الواسع؟