تعيد أعمال الشغب التي اجتاحت منطقة توتنهام شمالي لندن ليلة السبت، صورة المواجهات في شوارع المنطقة نفسها قبل ربع قرن. ويشترك المشهدان بشرارة غضب السكان على الشرطة بعد مقتل مواطنين سود خلال عمليات نفذتها هذه القوات.

الشرطة تدخلت بعد اشتداد حدة اعمال الشغب

لندن: يبدو من الوهلة الأولى ان اعمال الشغب التي اجتاحت منطقة توتنهام شمالي لندن ليلة السبت لا تختلف كثيرا عن المواجهات التي شهدتها شوارع المنطقة نفسها قبل ربع قرن حيث بلغ العنف ذروته بمقتل شرطي.

وفي الحالتين كانت الشرارة غضب السكان على الشرطة بعد مقتل مواطنين سود خلال عمليات نفذتها قوات الشرطة.

ففي عام 1985 سقطت سينثيا غاريت (49 سنة) ارضا وفارقت الحياة إثر مشادة مع اربعة شرطيين خلال تفتيش منزلها. وسرعان ما تصاعد احتجاج خارج مركز شرطة المنطقة في اليوم التالي وبدأ متظاهرون يرمون الحجارة والقناني الحارقة، ويحرقون المباني في احد المجمعات السكنية. وأُصيب بإطلاقات نارية عنصران من الشرطة وصحافيان من البي بي سي.

وقُتل الشرطي كيث بليكلوك حين ابتعد عن رفاقه، على أيدي مهاجمين مجهولين مسلحين بالسكاكين والحراب. وبُرئت ساحة ثلاثة اشخاص سجنوا بتهمة القتل بعد استئناف الحكم وقضاء اربع سنوات في الحبس.

اعمال الشغب التي اندلعت هذه المرة وقعت بعد احتجاج سلمي على مقتل مارك دغان (29 سنة وأب لأربعة اطفال) برصاص الشرطة.

ففي 4 آب/اغسطس أوقف فريق من عناصر الشرطة يحقق في جرائم حيازة اسلحة في منطقة غالبية سكانها من السود سيارة كانت تقل دغان. وافادت تقارير ان احد عناصر الشرطة أُنقذ بعدما دخلت رصاصة جهازه اللاسلكي وقُتل دغان في مكان الحادث.

وفتحت السلطات تحقيقا في مقتل دغان ولكن هذا لم يمنع ظهور روايات مختلفة والخروج بأحكام متسرعة. فان صحيفة الديلي ميل واسعة الانتشار وصفت دغان بأنه احد افراد عصابة كان يحمل السلاح وquot;جانح معروفquot; في منطقته.

وحين تصاعد الاحتجاج السلمي الى وضع متفجر قالت امرأة لصحيفة الغارديان quot;ان الشرطة كذبت عما حدث وقالت انه أشهر مسدسا ولكنه ما كان ليفعل ذلك في مواجهة افراد شرطة مسلحينquot;. واضافت ان رجال الشرطة quot;اطلقوا النار عليه ببشاعة حتى ان أمه لم تتعرف إليهquot;.

المواجهات التي اعقبت ذلك لم توقع قتلى ولكنها أسفرت عن احراق منازل ومتاجر وسيارات وحافلة لنقل الركاب ، وإحداث شرخ عميق. وأصدر نائب توتنهام العمالي الأسود ديفيد لام بيانا دعا فيه الى الهدوء. وقال ان الذين يتذكرون النزاعات المدمرة في السابق عازمون على عدم العودة الى تلك الحقبة. واضاف ان هناك عائلة منكوبة في المنطقة وان استمرار العنف لن يخفف مصابها. وقال النائب العمالي ان العدالة لا تتحقق إلا بعد اجراء تحقيق شامل.

ولكن مراقبين تساءلوا عما إذا كان سكان المنطقة الذين نزلوا الى الشوارع للتعبير عن غضبهم مستعدين للانتظار الى حين ظهور نتائج التحقيق، وعن قوة هذا الغضب. فان مواجهات 1985 في توتنهام كانت حلقة في سلسلة من الاضطرابات خلال فترة التقشف الاقتصادي التي شهدت تفاقم الانقسامات بين الأغنياء والفقراء، وكان هذا يعني في احيان كثيرة بين جماعات من البيض وأخرى من غير البيض، على حد وصف مجلة تايم مشيرة الى ان الاحتقان كان يتفاقم بتأثير العنصرية المعشعشة في اجهزة الشرطة البريطانية.

وعملت شرطة اسكتلند يارد على معالجة هذه المشاكل ولكن البيض ما زالوا يشكلون الأغلبية الساحقة من عناصر الشرطة حيث لا تبلغ نسبة الشرطة السود إلا 9.5 في المئة. وما زالت اسكتلند يارد تواجه اتهامات بالتحيز ضد غير البيض في صفوفها. والأكثر من ذلك ان شرطة لندن حتى الآن بلا رئيس وتتعرض الى انتقادات تتهمها بالتقصير خلال التحقيق في فضيحة التنصت على الهواتف.

في غضون ذلك يرى المجتمع البريطاني ومؤسساته عودة القوى نفسها التي كانت وراء النزاعات السابقة ، متمثلة بضائقة اقتصادية وحكومة مصممة على خفض عجز الميزانية بتقليص الانفاق العام والاحساس بأن وطأة هذه التخفيضات والاجراءات التقشفية ستكون أشد في المناطق المحرومة اصلا. فان مجمع برودووتر فارم السكني في توتنهام حيث انفجرت اعمال الشغب ما زال كئيبا.

وكتب محرر الشؤون الخارجية في صحيفة الاوبزرفر بيتر بومونت يصف الوضع على تويتر قائلا ان كل شيء مهشم والمكان يعط برائحة الدخان. واضاف بومونت الذي يسكن في شمال لندن ان توتنهام لم يكن لديها الكثير وما لديها الآن أقل. ويُخشى ان مناطق اخرى في بريطانيا لديها القليل مما تخسره ستكون ساخطة بما فيه الكافية لخسارة حتى هذا القليل.