الهجمات الانتحارية تثير قلق المراقبين في الجزائر

يقرأ خبراء الشأن الأمني في الجزائر هجوم الجمعة الذي طال أكاديمية عسكرية في شمال البلاد على أنّه ضربة مدروسة، ويشير هؤلاء في تصريحات خاصة بـquot;إيلافquot; إلى أنّ الاعتداء الذي خلّف 38 ضحية بين قتيل وجريح، كشف عن ضعف أمني وهشاشة مثيرة للقلق من ما يخبئه المستقبل.


في مقاربته للهجوم الذي نفذه انتحاريان في وقت متزامن مع موعد الإفطار الجمعة ضد قاعدة عسكرية في الجزائر، يلاحظ الخبير رفيق بحري أنّ آلة الارهاب بضربها مدرسة شرشال العسكرية، فإنّها مسّت هدفًا مهمًا جدًا وحسّاسًا، طالما أنّ المدرسة المذكورة تشكّل القلب النابض للجيش الجزائري الذي ظلّ يتكئ منذ ستينيات القرن الماضي على ما تنتجه أكاديمية شرشال من نخب عسكرية.

ويقول بحري بمرارة quot;إنّ الطريقة quot;السهلةquot; الني نُفّذ بهما الهجوم، تظهر مدى الهشاشة التي تطبع الأداء الأمني، رغم الكلام الكثير الذي قاله مسؤولون حول هذا الجانبquot;. وأضاف: quot;كيف تمكّن الانتحاريان من اقتحام هدف بهذا الحجم من دون أن يعترض سبيلهما أحدquot;.

ومن حيث طبيعة الظرف ونوعية المكان المُستهدف، لا يفصل بحري الهجوم عن الندوة الدولية حول الإرهاب التي ستحتضنها الجزائر يومي السابع والثامن من أيلول/سبتمبر المقبل، وستحضرها وفود من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، حيث قد تستغل دول غربية الواقعة لتبرير تدخلها في الشأن الداخلي تحت غطاء دعم الجزائر في ما يسمّى بـquot;الحرب على الإرهابquot;، وذاك طبعًا ليس بالشيء الإيجابي للجزائر.

من جانبه، يؤكد المتتبع عبد النور بوخمخم أنّ عملية تفجير ثكنة شرشال quot;استعراضيةquot; بامتياز، وتأتي لتدارك سلسة من الإخفاقات التي سجلتها القاعدة في تنفيذ اعتداءات مماثلة، مع الإجراءات الأمنية المشددة التي تعرفها العاصمة، وجعلتها منذ أربع سنوات في منأى عن أي اعتداء ملموس.

يلفت بوخمخم إلى فشل الانتحاريين الذين نفذوا كذا عملية في منطقة القبائل على مستوى ضاحيتي بومرداس وتيزي وزو في تحقيق الاستعراض الإعلامي المرجو منهم، بل في آخر عملية على مدخل مدينة بومرداس الشرقية انفجرت أحزمة الانتحاريين الناسفة في حامليها قبل أن يصل هؤلاء إلى مبتغاهم.

بشأن ما وقع الجمعة، يوقن بوخمخم أنّ الفكرة لا تتطلب عبقرية كبيرة، فاستهداف الأكاديمية قبل موعد الإفطار بعشر دقائق هو الوقت المناسب، وربما الوحيد، الذي يمكن أن تتجمع وتزدحم فيه العشرات من الطلاب والعمال عند عودتهم من جولة روتينية بعد نهاية الدوام لتناول الإفطار في الأكاديمية.

الأمر شبيه إلى حد ما ndash; يضيف بوخمخم - بالاعتداء الذي تعرّض له العشرات من المتقدمين لدخول المدرسة العليا للدرك في منتصف أغسطس/آب 2008، عندما كانوا يتجمعون في الصباح الباكر أمام باب المدرسة للمشاركة في اختبار القبول فيها، يعني أنّ ذلك هو اليوم الأول والأخير خلال العام الذي يمكن أن تجتمع فيه الصدفة، وهذا لا يعني بتقدير بوخمخم أنّ القاعدة فقدت كل قدراتها، لكن من المؤكد أنها تقلصت كثيرًا.

إلى ذلك، يقدّر الخبير الأمني إسماعيل معراف أنّ ما حصل عار من أي تداعيات، ويقوم على بعد واحد وحيد، يكمن في رغبة مقاتلي القاعدة لإبقاء التوتر قائمًا، وتكريس انطباعيعكس قدرة التنظيم على التعفين من خلال الاستعراض.

لا يشاطر معراف نظرة رفيق بحري، قائلاً إنّ الجزائر ستظلّ في منأى عن أي تدخل أجنبي، ومن الطبيعي بحسبه أن تستعين سلطات بلاده بخبرات أجنبية في مواجهة الإرهاب الذي صار ظاهرة عالمية، والجزائر لا يمكنها التحكم وحدها في محاربة الظاهرة، لذا تراهن على التنسيق والشراكة الأمنية.

يتصور معراف أنّ تفجير القاعدة يمثل رسالة من ناشطي القاعدة، بأنّ تنظيمهم لا يزال يشكّل quot;خطرًا دائمًاquot; وأنها quot;تستطيع الضرب بقوة متى شاءت وحيثما شاءتquot;، ويلاحظ معراف أنّ المسلحين باتوا يراهنون على عاملي الاستعراض والهجمات الخاطفة المتكررة، التي لا تكتفي بالضرب في محيط العاصمة ومنطقة القبائل فحسب، بل في باقي محافظات البلاد، كما تعتمد على تنفيذ عمليات متفرقة في المناطق الحساسة تمهيدًا لاختراقات متجددة لعاصمة البلاد، بغرض تحقيق دويّ أكبر من خلال اصطناع quot;صدى إعلاميquot; لعملياتها.

يذهب مراقبون إلى أنّ القاعدة وبعد تراجع مدّها في الجزائر خلال السنوات الثلاثالأخيرة، تريد حربًا ''على الطريقة الإيرلندية'' تعتمد على طول المدى واللامتناهيات، رغم علمها أنّ ذلك لن يعينها لا على إنتاج دولة (إسلامية) ولا على احتواء الجماهير التي يتضاعف كرهها لهذه القاعدة التي جعلت من الترويع والهمجية عنوانًا له.

ويسجل خبراء أمنيون أنّ التنظيم الدموي يسعى إلى تحدي السلطات، التي أعلنت أخيرًا عن انهزام الإرهاب، وأنّها تمتلك نظامًا استعلاماتيًا الكترونيًا قويًا يمكنه صدّ أي عمليات انتحارية كبيرة الحجم في الجزائر، لذا ردّت القاعدة وفق مخطط مدروس يمعن في إدامة ''استراتيجية الخطر الدائم''، على وقع تساؤلات ملحة تثور في الجزائر، عن مدى نجاعة الخطط الأمنية المتبّعة، وحقيقة فعالية الأداء الأمني هناك.

وإذ يرفض د/ محمد لعقاب التعليق عن الهجوم إياه، فإنّه يربط استمرارأعمال كهذهفي الجزائر بثلاثة عوامل، أولها المصالحة الوطنية التي لم تستكمل، ما جعل الأمن العام مبتورًا، ثانيها الاصلاحات السياسية التي لم تتجسد، وثالثها بقايا الإرهاب التي لم يتم القضاء عليها نهائيًا، وستظلّ هذه العوامل بمنظور لعقاب مغذية للعنف الإرهابي.

وبنظرة السياسي المحنّك، يقول موسى تواتي زعيم quot;الجبهة الوطنية الجزائريةquot; (حزب قومي معارض)، إنّ هجوم شرشال بالكيفية التي تمّ بها والظرف الذي جرى اختياره وما يتصل بالمكان المستهدف، لا يمكن اعتباره عاديًا، بل يندرج ضمن ما تمارسه ما تسمّى quot;قاعدة الجهاد في بلاد المغرب الإسلاميquot;.

ويشدّد تواتي على أنّ استهداف ثكنة عسكرية يعني ببساطة استهداف حرمة الدولة، وهي محاولة للرجوع بالبلد إلى تسعينيات القرن الماضي، حينما جرى آنذاك تفجير ثكنة بودواو في شرق الجزائر.