محمود عباس مع الملك السعودي وخالد مشعل

تسعى حركة حماس الفلسطينية إلى ترميم علاقاتها وبناء تحالفات جديدة، بعد اشتعال الشعرة التي تربطها بنظام دمشق، الذي وفَّر لها الحضن الدافئ سياسيًا، وفيما تُبدي الحركة رغبتها غير المعلنة في استعادة العلاقة مع الخليج، إلا أنّ هدمها لعلاقتها مع إيران هو التحدي لاستعادة موقعها.


دبي: بعد احتراق الشعرة الرابطة بين النظام السوري وحركة حماس الفلسطينية، تتجه تطلعات الأخيرة إلى عاصمة المملكة الأردنية لتكون مقرًا جديدًا، بعد اشتعالات الشعب السوري ضد نظامهم الحاكم، وهو ما جعل قيادات حماس تختار لنفسها إصدار تأشيرة الخروج.

لم يكن ذلك فقط، بل أعادت الأحداث في داخل سوريا تركيب وتحالفات الحركة المثيرة، فجعلتها تبادر إلى تقريب علاقاتها مع أنظمة ودول وملفات أخرى، أولها الرضوخ للضغط الإسرائيلي عبر فكّ أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، إضافة إلى تحريك الكراسي تجاه طاولة الحوار مع صديقتها quot;اللدودquot; حركة فتح.

مع كل ذلك الترميم في علاقات حماس مع جيرانها وملفاتها الشائكة نظير عنادها؛ إلا أنها تكابر في صحة مغادرتها لدمشق الحاضنة لها ولزعيمها السياسي خالد مشعل، وبالنظر للواقع، الذي يقول إن عمّان هي المقر، فإن الحلم والهدف في آن معًا هو في نيل الرضا والتقرب من دول الخليج، حيث إن طريق الأردن يمتلئ بأشجار وافرة الظلال نحو الخليج، وتحديدًا نحو السعودية.

فالسعودية لم تر عبر دبلوماسيتها أي منطق في تصديق حماس، خاصة وأن العاهل السعودي كان أشرف على توقيع مصالحة فلسطينية مع حركة فتح، احتضنتها عاصمة المسلمين المقدسة مكة، قبل أن تحرقها حماس بعد مغادرتها للسعودية.

الحركة التي تتجه في منظارها نحو الخليج، لتشكل سندًا لها في عالم تغيرت خلاله خرائط أنظمة دول عربية، كانت تعتقد حماس أنها ستغنيها عن التحالف مع منظومة دول الخليج الناجحة عربيًا حتى الآن، وفيما ترى حماس من داخلها أن انتزاع الرضا الخليجي سهل الوصول عبر دول بعينها، تأتي في مقدمتها قطر ذات الدبلوماسية النشطة في العام الماضي؛ إلا أن السعودية لا تزال تحمل ذكريات سوداء من حماس.

شعرة حماس والنظام السوري

المحلل السياسي السعودي الدكتور علي الخشيبان قال في حديث لـquot;إيلافquot; إن حركة حماس منذ تأسيسها تبنَّت منهج الإخوان المسلمين، على اعتبار أن أعضاءها المؤسسين منتمون إلى تيار الأخوان في مصر، معتبرًا أن هذه نقطة مهمة لفهم آليات وجود حركة حماس على الأرض السورية، مع أن حافظ الأسد العدو اللدود للإخوان في سوريا بعد مذبحة حماه؛ إلا أن سوريا تبنت وجود فرع، بل يمكن تسميتها قيادة حقيقية لحركة حماس على أراضيها بهدف quot;وضع غطاء سياسي لممثل مهم من ممثلي المقاومة على الأرض الفلسطينيةquot;، هذا إضافة إلى استخدامها ورقة توازن مع حركة فتح ذات الاتجاه المعاكس تمامًا في آليات ونمطية تحرير الأرض الفلسطينية.

أردوغان مرحِّبًا بهنية في البرلمان الترك

ويرى أنه منذ أن غادرت قيادات حماس، وتحديدًا خالد مشعل إلى سوريا، فإن موقف الحركة بدا وهو يحاول التنسيق بين أهداف حركة حماس، وبين أهداف حزب البعث السوري، في محاولة جادة للاستفادة من الموقف السوري من القضية الفلسطينية وقضية احتلال الجولان.

ويضيف الخشيبان أن حماس، وبعد هذا التوافق الذي ألصق لفترة محدودة على أبواب حزب البعث، تعود مرة أخرى إلى البحث عن موقع جديد لقياداتها، وخاصة أن هناك الكثير من المؤشرات التي تدل على تململ قيادة الحركة في سوريا.

ويشير إلىأن خالد مشعل حذر القيادة السورية، ولو بشكل غير مباشر، من انتقال شرارة الثورات، مما ساهم في بداية أزمة علاقة ثقة بين الحركة والنظام السوري، وهنا يمكن التأكيد أن مؤشرات الطلاق بين الحركة والنظام في سوريا بدأت تأخذ إجراءاتها السياسية المعتادة.

الرضا الخليجي عن حماس

وعن مبدأ الرضا الخليجي عن قيادة حماس، يقول الخشيبان إن الدول الخليجية هي أكثر الدول الراغبة في تصحيح مسار حركة حماس، بحيث لا تكون حركة متنقلة بين الدول العربية، بحسب المسارات السياسية المتاحة والفرص، حيث دفع تهافت حركة حماس غير الدقيق سياسيًا إلى العمل مع النظام الإيراني، وهو منهجيًا لا يتوافق مع أي من أهداف حركة حماس سوى من خلال مصالحه السياسية.

وأضاف الخشيبانأن دول الخليج تهدف إلى أن تكون حركة حماس في تواز وتعاون مستمر مع حركة فتح، من أجل توحيد الجهود وتركيزها بما يخدم القضية الفلسطينية مع بقائها كجناح سياسي في القضية الفلسطينية مستقل بذاته تنظيميًا، ومندمج مع حركة فتح في المسار السياسي والمقاومة المشروعة، في وقت بذلت دول الخليجكافة مندون استثناء محاولات جادة لحسم الخلاف، وكان أشهرها ذلك اللقاء التاريخي بين حركتي فتح وحماس، تحت جناح العاهل السعودي في مكة، والذي لم تلتزم الأطراف التي تعاهدت ببنوده.

حماس وفك الارتباط مع إيران

يقول الدكتور الخشيبان إن أكبر خطأ استراتيجي سياسي ارتكبته حماس هو علاقتها وزيارة بعض قادتها في الخارج إيران، وهذا الخطأ سببه أن إيران ليست دولة مواجهة أو داعمة للقضية الفلسطينية تاريخيًا؛ فلم تدفع إيران ولم تدخل طوال تاريخها في صراع مع إسرائيل سوى بالوكالة عنها، من خلال حزب الله أو غيره، لأهداف ليس لها علاقة بتحرير الأرض الفلسطينية أو تحرير القدس.

وأشار إلى أن الضغط السوري على حركة حماس كان من المسببات الرئيسة لدفع الحركة نحو إيران، بهدف إجهاضكل محاولات السلام، التي تدفعها الدول العربية والعالم والأطراف الفلسطينية مع إسرائيل.

ورأى أنه منالأفضل للحركة سياسيًا أن تمهّد لقطع علاقتها مع إيران؛ لأن النظام الإيراني يواجه الكثير من المشكلات السياسية والاقتصادية، هذا إضافة إلى أن أمر الرئيس السوري بشار الأسد quot;حُسم من جانب العالم العربي والدوليquot;.

معتبرًا في ختام حديثه أن كل تلك القراءات ستجعل حماس تبادر إلى تصحيح موقفها سياسيًا واقتصاديًا، حتى تهرب بعيدًا عن أي مواجهة حتمية مع الثورات السوريين وقادة المجالس الانتقالية والمتظاهرين.

ورغم أن قادة حماس رفضوا التعليق والتصريح الإعلامي في هذا الخصوص، إلا من خلال زعيمها السياسي خالد مشعل، لكن رحلات إسماعيل هنية، الذي ترأس حكومة بلاده لفترة قصيرة لم تتجاوز العام، والوفاق الذي صنعته الرياض من مكة ردم الخلاف في العام 2007، لكنه عاد بتدخلات عسكرية واحتجاجات، جعلت الرئيس الفلسطيني يصدر أمرًا بإقالة الحكومة التي ترأسها هنية، وكلف فيها نبيل فياض، الذي لا يزال حتى الآن تحت مسمّى حكومة تصريف الأعمال.

اتفاق مكة لم يؤت ثماره

وتواصل حماس سعيهاإلى القرب والنشاط السياسي بعيدًا عن الخطب والتصريحات النارية التي كانت تنطلق من غزة عاصمة الحركة الفعلية، ومقرها المحاصر فعليًا منذ انتخابات العام2006، وذلك عبر انتداب صوتها الأقوى هنية نحو تركيا، التي وصلها للقاء رئيس الوزراء المتطلع إلى رئاسة الجمهورية رجب أردوغان، وكذلك إلى قطر والسودان والبحرين وتونس.

وتعدّ حماس هي الأكثر استفادة من تصاعد الحمم الثورية في العالم العربي، حيث أتاح ذلك لها معرفة أخطاء اقترفتها في علاقاتها وتحالفاتها، مما جعل الحركة أكثر تجليًا في السعي الاقتصادي والسياسي إلى بناء غزة، التي تشكو حياتها الماضية في سنين أربع عجاف، جعلت غزة متوقفة عن التنمية الاقتصادية نتيجة المجازر السياسية والخلافات.

وكان اتفاق مكة المنسي نصّ على اعتماد لغة الحوار كأساس quot;وحيدquot; لحل الخلافات السياسية في الساحة الفلسطينية، وكذلك المضي قدمًا في إجراءات تطوير وإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية.

واشتراط السعوديين والخليجيين فكّ ارتباط حماس عن إيران، سيمكّن الحركة، التي تتخذ من غزة المحاصرة مقرًا للجماعة، من تدفق الدعم السياسي والاقتصادي عليها، بل وسيزيد ذلك من فكّ القيود، التي تفرضها الحكومة الإسرائيلية عليها منذ ما يزيد على الأربع سنوات.