ترتفع وتيرة العنف بين مختلف شرائح المجتمع العراقي بشكل مخيف يفرض اعدادا عالية من الضحايا،لا سيما بين الشباب والعشائر، ويمتد الى المدارس ويطال المرأة،وتنامت هذه الظاهرة بشكل كبير منذ العام 2003 بسبب ما يعرف بـquot;عسكرة المجتمعquot;.


اطفال العراق ونسائه من ابرز ضحايا العنف

بغداد: يقلق الكثير من العراقيين من تنامي ظاهرة العنف المادي واللفظي في الشارع، كما في المؤسسات والدوائر الرسمية، وتتجسد هذه الظاهرة عبر سلوكيات عدائية يقوم بها فرد او مجموعة في محاولة لفرض رأي أو إرادة على آخرين .

وإذا كان الشارع يحظى بالقدر الكبير من أعمال العنف فان الأسرة والجامعة والمدرسة والمتجر، لا تخلو من الظاهرة التي غالبا ما تتسم بأعمال عدائية تنتج عنها أضرار مادية ومعنوية، ويشير كريم احمد (20 سنة) الى اثر طعنة بسكين في كتفه ، بعد شجار في ملعب شعبي في المحمودية ( 15 كلم جنوب بغداد) ، بسبب خلاف حول نتيجة مباراة لكرة القدم تحولت الى مباراة بالسكاكين.

وعلى الرغم من ان اغلب العراقيين يصنفون العنف كسلوكيات غير سوية، الا ان الكثير منهم يمارسه بسبب الثقافة الاجتماعية السائدة . ويعترف احمد انه كان يحمل سكينا أيضا وقت الشجار لكن لم يتح له الظرف استخدامها، و يتوعد الشخص الذي طعنه بثأر في المستقبل القريب.


السكاكين في ايدي المراهقين

أصبح مشهد الشباب والفتيان المراهقين وهم يحملون السكاكين المتوسطة الحجم والمصممة لأغراض قتالية، أمرا مألوفا وغالبا ما يخفي أولئك الشباب السكاكين في جيوبهم.

حيث يرى البعض انها وسيلة للدفاع عن النفس ، كما يقول فاهم العبيدي (18) سنة ويعمل في حقل البناء، ويؤكد انه يحمل سكينة ( ام الياي) لكنه لا يستخدمها، ويهدد: quot;سأضطر الى تحذير من يحاول النيل مني باني احمل سكينا.quot;

وبحسب الباحث الاجتماعي كريم سالم من جامعة كربلاء(108 كم جنوب غربي بغداد)، فان الكثير من أساليب العنف تسود في المجتمع، وهي ظاهرة قديمة تنمو وتضمحل بحسب الظروف الاجتماعية والسياسية.

واوضح ان quot;مظاهر العنف في العراق تنحو منحى خاصا بسبب تأثيرات الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المصاحبة للحروب على النفسية العراقية.quot;

ويشير سالم الى مظاهر العنف اللفظي الذي يستفز الأفراد ، فبمجرد اختلاف شخص مع آخر فان ذلك يصبح quot;مدعاة للسب والشتم لأسباب واهية في غالب الأحيان.quot;


الأسباب المختلفة للعنف

من الاسباب التي تحتل حلقة مهمة في مسلسل العنف اليومي، جرائم الشرف، حيث قُتل مؤخرا سعيد حسن بإطلاق النارعليه بسبب جريمة شرف في الديوانية (193 كلم) جنوبي بغداد.

وخلافات الري ايضا لها ضحاياها، حيث قتل في محافظة بابل (100 كم جنوب بغداد) على طريق ( حلة ndash; ديوانية ) المزارع حاتم علي بطلق ناري بسبب خلاف حول جدول السقي.

ويقول ابن القتيل احمد إنه لم يكن متوقعا ان يتطور نزاعا بسيطا الى هذا الحد، الا ان quot;اشتباك بالأيدي بين عائلتي وأهل القاتل افضى الى اطلاق الرصاص على والدي.quot;.

والشرطة ايضا لها نصيب في العنف، وفي هذا السياق يصف الملازم احمد اشتباكا كاد ان يتحول الى نزاع مسلح بين افراد مدنيين في منطقة الصالحية في بغداد والشرطة عام 2010 بسبب ما ادعوا انه quot;استفزازا من قبل الشرطة للمواطنين.quot;

ويلفت الباحث الاجتماعي في وزارة الداخلية حسين الملا ، الى ان المجتمع في المدن العراقية كان الاقل عنفا قبل عام 2003، حيث كان العنف يتركز في القرى والأرياف متجسدا في نزاعات عشائرية وخلافات عائلية.

ويضيف ان quot;هذه النزاعات زادت وتيرتها في المدينة بشكل واسع بعد عام 2003 بسبب ضعف الامن وغياب القانون وسيادة منطق القوة.quot;

ويوضح الخبير ان اغلب العراقيين يشعرون ان هيبة (الشرطة ) كانت قبل عام 2003 تمثل
الخط الأحمر الذي يحول دون تزايد العنف.

ويرجع حسين بعض من أسباب العنف الى المظاهر المسلحة التي سادت المجتمع طيلة عقود من الحروب لاسيما ظاهرة quot;عسكرة المجتمعquot; التي برزت ملامحها اكثر بعد عام 2003 .


أشكال العنف

وتشير إحصائيات مديريات حماية الأسرة في وزارة الداخلية العراقية الى ان العنف الأسري ازداد في المجتمع في عام 2011 بحسب سجلات محاكم الأحوال الشخصية والجنائية، غير ان الوزارة لا توفر إحصائيات دقيقة بالأرقام عن حجم انتشار الظاهرة.

ويكشف ضابط الشرطة كريم حسين عن استقبال مراكز الشرطة في العراق للكثير من ضحايا العنف، شارحا quot;غالبا ما يكون العنف بشكل تشابك بالأيدي أو العصي أو السكاكين، وبدرجة اقل بالأسلحة النارية إضافة إلى استعمال الكلمات النابية بين الأطراف المتنازعة.quot;

ويروي حسين احدى تجاربه في هذا الاطار، حيث أدى اشتباك بالعصي بين أربعة أشخاص حول ملكية سيارة في مدينة كربلاء الى إصابات بليغة، كما اشار الى اشتباكات تقع على مستوى الآسرة بين الاب وابنه على سبيل المثال.

الا انه يعتبر ان اخطر حوادث العنف هي تلك التيquot; تحدث بين العشائر، وتؤدي الى سقوط الكثير من الضحايا.quot; ففي مدينة الرفاعي ( 90 كم شمال الناصرية ) قتل وجرح 23 شخصا في نزاع مسلح بين عشائر محافظتي ذي قار وواسط ، كما قتل نحو 15 شخصا في منطقة جرف الصخر في محافظة بابل في نزاع بين العشائر مطلع 2012.


العنف في المدارس

في هذا الاطار يوضح قاسم سلطان مدير مدرسة في الصالحية في بغداد ان ظاهرة العنف في المدارس هي احد أوجه سيادة منطق استخدام القوة لفض النزاعات، حيث أصبحت ظاهرة في المجتمع سواء داخل المدرسة او الجامعة او خارجها.

ويدعو الى توفير بيئة تربوية آمنة لإيقاف عنف الطلبة مع بعضهم او ضد المعلمين.

كم جهته، يؤكد الطالب في المرحلة المتوسطة سليم احمد ان الكثير من الطلبة يحملون سكينا يخفونه بين ثنايا ملابسهم، لافتا الى الكثير من الحوادث التي يعتدي فيها الطلاب على بعضهم او على الاستاذ.

ولحوادث العنف المدرسي نتائج موجعة، اذ قتل الفتى رحيم سعيد في منطقة الصالحية في بغداد لدى خروجه من المدرسة حيث طعنه احدهم بسكين، كما قتل طالب جامعي في منطقة بغداد الجديدة العام 2010.


والمرأة ايضا ضحية

وتعتبر الباحثة الاجتماعية سهام البياتي ان المرأة العراقية مازالت الحلقة الأضعف في دائرة العنف ، حيث تتعرض الى العنف المادي واللفظي من قبل الرجل لاسيما بسبب التقاليد العشائرية الموروثة.

وترى البياتي ان ثمة تشريعات لا تلحظ المساواة الجندرية وهي ايضا مازالت تشجع على العنف ضد المرأة ، فقد أتاحت، المادة 41 من قانون العقوبات، للزوج بضرب زوجته لتأديبها.

كما تنص المادة 377 من قانون العقوبات على ان الزوج اذا ما زنا في مكان آخر غير منزل الزوجية لا يعد جانياً أو مرتكباً لجريمة الزنا، في حين ان الزوجة اينما زنت تعد quot;زانيةquot; .

وتدعو البياتي الى قانون لحماية المرأة من العنف الأسري، مشيرة الى quot;ان الاستبداد اصبح إحدى العقد في نفسية الفرد العراقي، لاسيما اتجاه المرأة.quot;