يؤمن العديد من العراقيين بالسحر والشعوذة وتأثير الأمور الغيبية على مستقبلهم، وحتى المسؤولين ليسوا في منأى عن تلك المعتقدات، حيث يرتدي بعضهم محابس تحتوي على حجر كريم يؤثر في المصائر والأقدار بحسب تقديرهم.
العديد من العراقيين بمن فيهم سياسيون يؤمنون بتأثير السحر على مصائرهم |
بغداد: يؤمن مدير مدرسة عراقية كثيرًا بالسحر، ويعتقد أنه لولا السحر لما حصل على منصبه كمدير مدرسة، بين مجموعة من المنافسين له، لكنه يربط الأمر أيضًا بالتوفيق والدعاء الذي سهّل له تحقيق طموحه.
ويلجأ الكثير من العراقيين إلى السحر كوسيلة للحصول على وظيفة أو مركز مهمّ في الدولة، لا سيما بعد الفوضى الأمنية والإدارية التي سادت بعد عام 2003، حين غاب نسق الدولة، وارتقى سلم الوظائف أشخاص غير جديرين بها.
ويقول الباحث الاجتماعي ليث حسن إن هناك جيلاً عراقيًا جديدًا، يؤمن بالسحر والشعوذة وتأثير الأمور الغيبية على مستقبله، فهو يحمل معه (الخرز)، والتعاويذ أينما حلّ.
حجر يؤثر في المصائر
ويشير حسن إلى أن quot;الكثير من المسؤولين اليوم يؤمنون بذلك، والبعض منهم يرتدي محابس تحتوي على حجر كريم، يؤثر في المصائر والأقدار، بحسب تقديرهمquot;.
يرتدي كريم حسين، موظف في البنك، محبسًا اشتراه من سوريا منذ نحو خمسة أعوام، حيث يعترف بأن حياته تغيرت بعد ارتدائه المحبس، وانفتح الكثير من السبل أمامه. ويؤمن حسين، شأنه شأن كثيرين، بأن بعض الأحجار الكريمة لها تأثيرات كبيرة على مسيرة حياة الفرد في الحياة.
يرجع بعض العراقيين تأثير تلك الأحجار إلى اعتقادات دينية، ذلك إن قراءة الدعاء عليها، وتطويعها عبر أخذها إلى الأماكن المقدسة يجعلها تكتسب مواصفات خاصة مؤثرة.
ففي مدينة الديوانية (193 كلم جنوب بغداد) اشتهرت أم عصام بقدرتها على قراءة الطالع، يزورها أناس بسطاء وموظفون ومسؤولون.
وتروي أم عصام أن جمهورها في السابق كان في الغالب من عامّة المجتمع. أما اليوم فيقصدها ساسة ومسؤولون وشخصيات مؤثرة. وتقول إن quot;بعض الشخصيات المهمّةتبعث بسياراتها إلى بيتي لاصطحابي إلى حيث يعيشون، لأقرأ لهم الطالع وخفايا المستقبلquot;.
ليس سحرًا
تؤكد أم عصام أنها لم تُخطئ يومًا في تنبؤاتها، لأنها ليست كالآخرين، تعتمد على الدجل، بل إن رؤاها تستمدها من زيارة أناس صالحين وأئمة لها في المنام.
وتتابع: quot;أستعين بالقرآن الكريم، وكلام (أهل بيت النبوة) في تفسير الظواهر للناسquot;.
ترفض أم عصام أن تسمّي ذلك سحرًا، حيث تعتبره نوعًا من الحدس والقراءة الناتجة من الإيمان. وتقول: quot;الروحاني يختلف عن الساحر، فالساحر يعتمد على الظواهر، ولا يهمّه الخير من الشر. أما الروحاني فيخوض في روح الإنسان بموجب ضوابط اعتقاديةquot;.
وفيغالبية مدن العراق، يشتهر عرافون وسحرة ومنجّمون يقصدهم الناس لمختلف الأغراض، ففي مدينة بابل (100 كم جنوب بغداد) اشتهرت أم عباس بقدراتها في إرجاع الزوج إلى زوجته، والتنبؤ بالأحداث وتقديم النصائح لحل المشاكل الاجتماعية العالقة.
العرافة والسياسيون
تقول أم عباس إنها ترجع في نسبها إلى بيت النبوة، وإن قراءة الطالع والتنبؤ بالمستقبل وتقديم النصح للناس، أمر قديم تمارسه أسرتها منذ زمن بعيد.
وتؤكد أم عباس أنها تنبأت لسياسي عراقي، بتبوئه منصبًا كبيرًا، وقد تحقق له ذلك، وما زال إلى الآن يتردد عليها، وبصحبة بعض النخب من زملائه.
ويقول أمين الساعدي من كربلاء (108 كم جنوب غرب بغداد) إنه بإمكان بعض المنجمين مساعدتك في الحصول على وظيفة مقابل مبلغ جيد من المال يتعدى الألف دولار في بعض الحالات.
وتسود في العراق اليوم الثقافة الغيبية بشكل كبير، ليس بين الناس البسطاء فحسب، بل بين النخب أيضًا، مقابل انحسار كبير للمظاهر العلمانية، التي لا تؤمن بالأمور الغيبية.
وفي مدينة النجف، يزدحم بيت أم هانئ بالزوار، من مريدي (العلوية) التي تستعين بالقرآن الكريم والأدعية، في التأثير على الجان، ومتابعة مسارات الخير والشر للأشخاص.
ترفض أم هانئ استخدام السحر (الأسود)، موضحة أنها تستخدم حروف القرآن الكريم فقط.
وفي مدينة النجف، يلقى القبض بين الحين والآخر في مقبرة السلام المترامية الأطراف، على مشعوذين ينبشون القبور لأغراض عمل السحر.
وبحسب أبو رحيم (تاجر)، الذي زار أم هانئ، فإنه لم يلمس أي تأثير لسحرها في العثور على ابنه المفقود منذ خمس سنوات.
مصير الابن المفقود
يقول أبو رحيم: quot;أخبرتني أم هانئ بأنني سأعرف مصير ابني خلال أربعة شهور، والآن مضى من الزمن نحو السنة من دون معلومة تدلني على مصير ابنيquot;، متابعاً: quot;في زيارتي الثانية، أخبرتني بأن الجن أوضح لها أن الخبر في (الطريق) وأن عليه التحلي بالصبرquot;.
ويوضح أبو رحيم أنه ذبح طيرًا، ورمى برأسه في الصحراء، بناءً على تعليماتها. ثم زار مقبرة السلام في النجف الأشرف، ورسم خطوطًا تتقاطع على مداخلها بناءً على توصية أم هانئ. بعدها رشّ الطرق المؤدية إلى بيته بالماء. ويقول إن ثمن ذلك كله نحو مائتي دولار، أهداها إلى أم هانئ.
وغالبًا ما تسمّى المبالغ التي تمنح للهجمات والساحرات بالهدية، وليس العطوة. ويؤمن سعد الشريفي بالاستخارة، وليس بالسحر. ويتابع quot;رغم أنني أحمل رسالة الدكتوراه في الأدب، إلا أنني أؤمن بذلك، ولا أذهب إلى مكان أو مهمة إلا بعمل الاستخارةquot;.
الاستخارة
تروج الاستخارة بشكل واسع بينغالبية العراقيين، الذين يجدون فيها أسلوبًا للحصول على راحة نفسية في المهام التي يخوضونها أو المسؤوليات التي توكل إليهم.
لجأ مكي الجنابي، عضو مجلي بلدي في بابل إلى العرافة قبل الانتخابات، حيث بيّنت (الاستخارة)، بضرورة الاستمرار لأنه سيفوز.
ورغم أن الجنابي لا يعزو أمر نجاحه إلى العرافة، إلا أنه يرى أن ما فعله كان نوعًا من البحث عن الراحة النفسية، وقتل القلق الذي بداخله.
إسقاط الخصوم بالسحر
يؤكد الخفاجي أن بعض السياسيين في العراق يلجأون إلى أشخاص يمتازون بقدرتهم على استحضار قوى غير مرئية للتسبب في خسارة خصومهم السياسيين وإزاحتهم من طريقهم.
لا يؤمن كريم الشامي (مدرس) بالسحر بقدر إيمانه بكرامات الصالحين، حيث يؤكد أن هذا هو الأسلوب الصحيح للحصول على نفس راضية مطمئنة.
يدعو الشامي المواطنين إلى اللجوء إلى الأولياء الصالحين، وعدم تصديق السحرة والدجالين، وإلى زيارة المراقد الدينية، لأنها الوحيدة التي توفر الراحة النفسية، وتفتح آفاق المستقبل.
ويشير إلى أنه: quot;تقع على عاتق رجال الدين، مهمة توعية الناس بتجنب الاعتقادات الوهمية، التي تستغل المواطنين السذج، حيث يلجأ السحرة إلى ربطها عن قصد بالدينquot;.
التعليقات