مظاهرة للإسلاميين في مصر

سقط النظام وصعد الإسلاميون في مصر، فزاعة الغرب القديمة تقترب من السلطة حاملة تاريخا من العداء المفترض له، الا انها تؤكد اليوم استعدادها للحوار واحترام المعاهدات الدولية بما فيها quot;كامب دايفيدquot; والملاحظ السلوك التصالحي والغزل بين هذه الأطراف جميعها وما كان مستحيلا اصبح حقيقة.


القاهرة: بات من المؤكد أن الإسلاميين في دول الربيع العربي هم من سيمسكون بزمام السلطة، ولكن على غير المتوقع بدا واضحاً أن هناك تحولا في الخطاب السياسي والإعلامي من جانبهم فيما يخص التعاطي مع الغرب وإسرائيل، منتقلين من التصادم والحدة إلي التوافق واللين، ما طرح العديد من التساؤلات حول طبيعة المرحلة المقبلة، وهل بدأت مرحلة من الربيع في العلاقات بين الإسلاميين من جهة والغرب وإسرائيل من جهة أخرى؟ أم أنها لغة المصالح التي تتلاقى أحياناً وتتنافر أحياناً أخرى؟


سقوط الفزاعة

إستخدمت الديكتاتوريات المنهارة في تونس ومصر وليبيا، وفي تلك التي مازالت تناضل ضد الإنهيار في اليمن وسوريا، الإسلاميين كفزاعة للغرب الذي لم يستطع التجاوب معها طويلاً، إذ كانت أمواج الثورات الشعبية أعلى وأعتى من أية ضغوط سياسية.

بدأ الغرب في محاولة ترويض الإسلاميين وإحتوائهم تارة بالزيارات الرسمية إلي مقراتهم في تونس ومصر، وتارة من خلال لقاءات بالخارج أو من خلال وسيط ثالث.

ورويداً رويداً تحولت لغة الخطاب السياسي للإسلاميين الصاعدين والطامحين بالسلطة إلى الترحيب بالتعاون مع الغرب، والتأكيد على إحترام الإتفاقات الدولية، في إشارة واضحة إلي إتفاقية السلام مع إسرائيل، وإحترام حقوق الإنسان والأقليات، وضمان إستمرار تدفق النفط إلي الأسواق الغربية، والتخلى عن العنف في المواجهة.


قبلة المسؤوليين الغربيين

في مصر تحول مقر حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين إلي قبلة للسفراء وكبار المسؤوليين الغربيين، منذ تأسيسه في منتصف أذار/مارس الماضي، بعد الإطاحة بنظام الرئيس السابق حسني مبارك.

وكان أبرزهم سفراء فرنسا، روسيا، الدنمارك وبريطانيا، ومن الجانب الأميركي كل من: السفيرة الأميركية بالقاهرة آن باترسون، وبريم كومار مدير قسم مصر في الأمن القومي الأميركي، و إيمي ثيا كاثرين سكرتير أول في السفارة الأميركية، وتوجت بزيارة جون كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس.


جون كيري في مقر حزب quot;الحرية والعدالةquot;

إحترام متبادل ومصالح للوطن

ووفقاً للدكتور سعد الكتاتني الأمين العام لحزب الحرية والعدالة، فإن الغرب لديه قلق مشروع من صعود الإسلاميين في دول الربيع العربي، لاسيما في ظل الصورة المشوهة التي تكونت لديه عنهم طوال العقود الماضية، مشيراً إلي أن الأنظمة الإستبدادية المنهارة كانت تستخدمهم فزاعة للغرب، بل وللداخل أيضاً.

وكشف لـquot;إيلافquot; إن الحزب أستقبل عشرات المسؤولين الغربيين من فيهم الأميركيين، نافياً أن تكون قد أجرت إتصالات سابقة حسبما روجت بعض وسائل الإعلام.

وأوضح أن الإخوان لا يمانعون الحوار مع أي طرف خارجي، لكنه إشترط أن يكون ذلك الحوار قائماً على الإحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وعدم إستخدام قضايا حقوق الإنسان سياسياً، وتحقيق المصلحة الوطنية لمصر والمصلحة العربية القومية، بالإضافة الى التوقف عن الدعم الأعمى لإسرائيل ضد الحقوق الفلسطينية.

ولفت الكتاتني إلى أن الغرب ولاسيما أميركا كان لديه العديد من الإستفسارات حول طريقة التعاطي quot;الإخوانيquot; مع ملفات داخلية وخارجية، ومنها الإتفاقات الدولية، لاسيما إتفاقية السلام مع إسرائيل، وحقوق المرأة والأقباط والحريات العامة.

ولذا أكد أن الحزب طمأن الغرب بشأن تلك القضايا، لافتاً إلي أن الإخوان في مصر لديهم خبرات سياسية طويلة يصل عمرها إلى أكثر من 80 عاماً، quot;فهم ليسوا مراهقين سياسياً، وأنهم يضعون مصالح مصر الوطنية والمصالح العربية والإسلامية في أولوياتهم ويعملون وفقاً لها.quot;

وحول اللقاء الذي جمع السيناتور الأميركي جون كيري بقيادات حزب الحرية والعدالة الفائز بالأغلبية البرلمانية، قال الدكتور محمد مرسي رئيس الحزب إن مصر دولة كبيرة ولها تاريخ عريق وتلعب دورا هاما في القضايا العربية والإسلامية والدولية، مؤكداً أنها تحترم التفاقيات والمواثيق التي تم توقيعها، ودعا الإدارة الأمريكية إلي أن تستمع من الشعوب لا أن تسمع عنها، والعبارة الأخيرة تعتبر شعار الإخوان ضد محاولات التشويه المستمرة منذ عهد النظام السابق quot;إسمع منا.. ولا تسمع عناquot;.


السلفيون...يلينون

ورغم أن السلفيين يعتبر الفصيل الأكثر تشدداً في التيار الإسلامي المصري، فيما يخص الحياة السياسية والإجتماعية والإقتصادية، وكانوا على رأس المطالبين بإلغاء إتفاقية السلام مع إسرائيل، وتحرير فلسطين، إلا أن العالم فوجيء بتغير في لغة الخطاب مؤخراً.

بل وصل الأمر إلي إدلاء بعض قياديتهم بأحاديث صحافية إلي وسائل إعلام إسرائيلية، والإعلان عن إحترام الإتفاقات الدولية، في إشارة أيضاً إلي إتفاقية السلام التي وقعها الرئيس المصري أنور السادات في 1977.

تلك التصريحات منحت تل أبيب بعض الطمأنينة وشجعتها على الدعوة إلي التحاور مع الإسلاميين، وفي المقابل رحب حزب النور السلفي بالدعوة، مشترطاً أن تتم عبر وزارة الخارجية، وهو الأمر نفسه الذي أشترطته تل أبيب، حتى تتجنب غضب المجلس العسكري الممسك بزمام السلطة في مصر حالياً.


ترحيب بالحوار بإستثناء إسرائيل

أما الدكتور عماد عبد الغفور رئيس حزب النور السلفي، فيرى أن الغرب هو من يسعى حاليا ً لفتح قنوات إتصال مع الإسلاميين من أجل الإطمئنان على مصالحه في المنطقة، في ظل حصولهم على الإغلبية في البرلمانية بما يسمح لهم بأن يكونوا في موضع إتخاذ القرار.

وأضاف لـquot;إيلافquot; أن حزب النور السلفي يرحب بأي حوار مع أية جهة غربية، بما فيها الولايات المتحدة الأميركية، بإستثناء إسرائيل.

كما أشار إلى أن الحزب يحترم إتفاقات ومعاهدات مصر الخارجية، بما فيها quot;إتفاقية السلام مع إسرائيل، مادامت تحترمها، وتلتزم ببنودها،quot; ونبه في الوقت نفسه إلي أن تلك الإتفاقية quot;ليست مقدسة، بل يمكن تعديلها إذا رأى البرلمان المقبل أن هناك حاجة لذلك.quot;

وشدد على ضرورة أن يضمن الحوار مع الغرب المصلحة الوطنية والإسلامية، ولا يغلب المصالح الحزبية أو الشخصية الضيقة.

ودافع عبد الغفور عن الإتهامات quot;بتغيير مواقف الإسلاميين ولاسيما السلفيين مع إقتراب وصولهم للسلطة،quot; معتبراً ان مواقف السلفيين من جميع القضايا والملفات سواء الخارجية أو الداخلية ثابتة، مشيراً إلى أنهم كحزب سياسي لهم الحق في الحوار مع أية جهة، وفي النور وبعيداً عن تلقي أموال أو العمل ضد مصلحة البلاد.


الدعاية الإنتخابية لحزب quot;الحرية والعدالةquot;

التفرقة بين العمل السياسي والدعوي

الجماعة الإسلامية تعتبر فصيلاً قوياً بالتيار الإسلامي في مصر، ويرى قياديوها أن هناك فرق بين العمل السياسي والعمل الدعوي.

وفي هذا الإطار أوضح الدكتور ناجح إبراهيم رئيس مجلس شورى الجماعة لـquot;إيلافquot; أن القائم بالعمل السياسي مسؤول عن شؤون ومصالح عموم الناس، وبالتالي يجب أن يراعي مصالحهم، أما القائمون بالعمل الدعوي فهم مسؤولون عن أنفسهم.

ولفتً إلى أن إدارة أمور الدولة تقتضي الحوار مع كافة الجهات الخارجية والداخلية لتحقيق المصلحة العامة، منبها إلى فشل النموذج الأفغاني ممثلاً في حركة طالبان، بسبب الخلط ما بين الدعوة والسياسية، فقطعت الحركة علاقات الدولة مع جميع الجهات الخارجية بإستثناء ثلاثة أو أربعة دول إسلامية، ودمرت الإقتصاد وهدمت مؤسسات الدولة فكان الفشل نتيجة طبيعية.

وشدد على أن الإسلاميين في مصر ليسوا كذلك، فهم يدركون جيداً طبيعة مصر كدولة عريقة، لديها إلترزمات دولية ينبغي الوفاء بها.


لا تصادم بين الغرب والإسلاميين

وفي السياق ذاته، يتوقع الدكتور محمد عبد السلام الخبير في شؤون جماعات الإسلام السياسي، ألا يحدث تصادم بين الغرب والإسلاميين في حال الوصول للسلطة.

وصرح لـquot;إيلافquot; أن إنتقال الإسلاميين من صفوف المعارضة إلي سدة الحكم يفرض عليهم النزول من علياء التفوق الأخلاقي إلي العمل على الأرضية السياسية والتحاور مع كافة الأطراف الداخلية و الخارجية بمن فيها إسرائيل، مشيراً إلى أن إدارة الدولة تحتاج إلي حنكة سياسية وليس الى العمل الأخلاقي الديني.

وأوضح عبد السلام أن السياسيات الخارجية للدول تبني على أساس المصالح وليس الإيديولوجيات، فإيران رغم أنها لديها عداوات علنية مع أميركا إلا أنها تقيم علاقات معها، وتتعاون في بعض الملفات. ولفت عبد السلام إلي أن الغرب وعي الدرس جيداً، وبدأ في التعامل مع كافة القوى الإسلامية، لاسيما بعد تفوقها في الإنتخابات البرلمانية في مصر وتونس والمغرب، ولا يستبعد فتح قنوات إتصال مع حماس في المستقبل القريب، وأوضح أن الهدف من هذه الإتصالات الحفاظ على أمن إسرائيل والمصالح الأميركية في المنطقة، وترويض الإسلاميين وإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط في صورة جديدة بعد الربيع العربي.