وسط اعتداءات السلفيين والملتحين على صحافيين وحقوقيين، وهتافات وشعارات تطالب بتطبيق الخلافة، أجّلت محكمة تونس البتّ في قضية قناة نسمة الخاصة التي تحاكم على خلفية بثها فيلم (برسيبوليس) الذي يتضمن ما قيل إنه تجسيد للذات الالهية.

مدير عام قناة نسمة نبيل القروي غداة وصوله إلى المحكمة

تونس: قررت المحكمة الابتدائية في تونس العاصمة تأجيل البت في القضية المتعلقة بالقناة التلفزيونية الخاصة quot;نسمة تي فيquot; على خلفية بثها الفيلم الإيراني (برسيبوليس) أو quot;بلاد فارسquot; الذي أثار جدلا وتسبب بأعمال عنف خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي لتضمنه مشاهد اعتبرها كثيرون quot;تجسيدا للذات الإلهية.quot;

وحددت هيئة المحكمة يوم 19 إبريل- نيسان المقبل لاستئناف النظر في القضية، وذلك تلبية لطلب تقدم به محامي الجهة المدعية إلى القضاء.

ويلاحق نبيل القروي وصحافيون من قناة نسمة بتهم quot;المشاركة في النيل من الشعائر الدينيةquot; وquot;عرض شريط أجنبي على العموم من شأنه تعكير صفو النظام العام والنيل من الأخلاق الحميدةquot;، في القضية التي تسببت بأعمال عنف واستنكار خصوصا من لقطة في الفيلم تجسد الذات الإلهية الامر الذي يعتبره كثيرون محرّما في الاسلام.

وكانت المحكمة الابتدائية في تونس العاصمة استأنفت النظر في القضية، حيث حضر إلى قاعة المحكمة نبيل القروي مدير قناة quot;نسمة تي فيquot; مصحوباً بعدد من الشخصيات السياسية ومن المجتمع المدني، يتقدمهم رئيس الحكومة التونسية السابق الباجي قائد السبسي.

ويواجه مدير قناة quot;نسمة تي في quot; التونسي بهذه القضية عدة تهم منها، quot;المشاركة في النيل من الشعائر الدينيةquot;، وquot;عرض شريط أجنبي على العموم من شأنه تعكير صفو النظام العام والنيل من الأخلاق الحميدةquot;.

إلى ذلك، منعت الشرطة التونسية الإعلاميين من تغطية المحاكمة، واكتفت بمتابعة اعتداءات السلفيين دون ان تتدخّل أو تعتقل أيا منهم.

وتجمّع أمام المحكمة العشرات من الملتحين رفعوا الأعلام السوداء التي تدعو إلى الخلافة الإسلامية، وهتفوا بشعارات تنادي بوقف بث القناة التلفزيونية quot;نسمة تي فيquot;، منها quot;الشعب مسلم ولا يستسلمquot;، وquot;الشعب يريد إغلاق القناةquot;.

ووصف المشاركون في الوقفة الاحتجاجية قناة quot;نسمة تي في quot; بأنها quot;مأجورة وصهيونيةquot;، واعتدى بعضهم على بعض الإعلاميين، منهم رئيس تحرير صحيفة quot;المغربquot; زياد كريشانquot;، والناشط الحقوقي حمادي الرديسي، كما اظهرت مقاطع فيديو نشرت عبر فايسبوك.

وحضر العشرات من انصار قناة نسمة، وهتفوا بدورهم من اجل حرية التعبير.

يذكر أن النيابة العامة في العاصمة قررت في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي فتح تحقيق قضائي حول إقدام القناة التلفزيونية quot;نسمة تي فيquot; على بث الفيلم الإيراني المثير للجدل quot;بلاد فارسquot; الذي تسبب الأحد باندلاع أعمال عنف في تونس العاصمة وضواحيها.

وجاء هذا القرار إثر شكاوى تلقتها النيابة العامة من عدد من المحامين والمواطنين بخصوص المسألة المذكورة، اعتبروا فيها أن في بث قناة quot;نسمة تي فيquot;التلفزيونية الفيلم الإيراني quot;إزدراء بالمقدسات الإسلاميةquot;، باعتبار أن الفيلم المذكور تضمن quot;تجسيدا للذات الإلهيةquot;، كما حملوها مسؤولية أعمال الشغب والعنف التي شهدتها تونس العاصمة.

وكانت القناة التلفزيونية الخاصة quot;نسمة تي فيquot; بثت قبل انتخابات أكتوبر الماضي الفيلم الكرتوني الإيراني المثير للجدل الذي يحمل إسم quot;بلاد فارسquot;، وتمت دبلجته باللهجة العامية التونسية.

ويروي الفيلم للمؤلفة والمخرجة الإيرانية مارجان ساترابي، قصة فتاة إيرانية من أسرة متحررة تعيش أجواء الثورة الإسلامية في إيران التي قادها الإمام الخميني، والتي أطاحت بنظام الشاه محمد رضا بهلوي في العام 1979.

وأثار بث الفيلم ردود فعل غاضبة في الشارع التونسي، حيث عمد عدد من السلفيين إلى محاولة اقتحام مقر القناة التلفزيونية المذكورة بهدف حرقه، ما دفع قوات الأمن إلى التدخل باستخدام القنابل المسيلة للدموع لتفريقهم.

الملتحون من أمام المحكمة: نسمة صهيونية ! نريد الخلافة الاسلامية !

وفي تعليق على المحاكمة، قال أيمن الرزقي عضو المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين لـ(إيلاف): بقطع النظر عن الموقف من الفيلم quot;برسيبوليسquot;، فإنّ النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، تؤكّد موقفها المبدئي المنتصر لحرية الصحافة والرأي والتعبير والابداع، دون قيد غير أخلاقيات وقيم المهنة وضوابطها المهنيةquot;.

ويرى ايمن الرزقي وهو رئيس تحرير قناة quot;الحوار التونسيquot; الفضائية إنه كان quot;من الاجدر أن تتم مناقشة الفيلم الكرتوني في منتديات ثقافية وفكرية وفي نوادي سينما وعدم الزج بالقضاء ونصب محاكم تفتيش تعمل على فرض رؤية متعصبة للدين وتسرع لمقاضاة كل من يقدم رؤى مغايرة ولو من منطلق فني سينمائيquot;.

وبخصوص الاعتداءات التي نفذها ملتحون ومتعصبون ضدّ اعلاميين وحقوقيين، يقول الرزقي: ما حصل اليوم امام المحكمة من اعتداءات جسدية ورفع شعارات تكفيرية استهدفت عددا من الاعلاميين والمفكرين من قبل مجموعات متعصبة تطالب بإغلاق القناة، هو تأكيد على رفض هذه المجموعات لثقافة الحوار وحق الاختلاف وحرية التعبير ومحاولة فرض دكتاتورية جديدة. وهذا يحدث امام صمت محيّر للحكومة وتشجيع بالسكوت على انتشار مظاهر التعصب و التطرفquot;.

قناة نسمة الفضائية التي تحظى بمتابعة جيدة في تونس، لها معارضوها فمالك القناة شخصية مقربة من الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وسبق أن وصفه بـ(أبونا الحنين) في مقطع يتم تداوله بكثافة عبر الشبكات الاجتماعية لتذكير القروي مالك القناة ببرامجه التي ظلت تساند نظام بن علي إلى آخر لحظة خلال ثورة 14 يناير 2011 التي انتهت برحيل بن علي الى السعودية.

ويرفض كثيرون في تونس فكرة تحوّل قناة مساندة لنظام يقمع حرية التعبير، إلى قناة ترمز إلى محنة قمع التعبير الحرّ، محملين مسؤولية ذلك، الى المتعصّبين وعشرات المحامين الذين جعلوا من قناة نسمة (رمزا) لحرية التعبير والحال أنها ظلت تُعتم وتزيّف الاخبار طوال سنوات عملها تحت حكم زين العابدين.

وفي هذا السياق، يقول الدكتور طارق الكحلاوي الاستاذ في جامعة روتغرز الأميركية لـ(إيلاف): افضل خدمة تقدم لقناة غير مهنية ونموذج لإعلام بن علي، ان تمنحها فرصة الظهور كقناة الدفاع عن quot;حرية التعبيرquot;.

ويتابع: القضية أيضا منحت لقطاع من بيروقراطية الاستبداد لم يكن لهم اي سيرة حقوقية او تقاليد في الدفاع عن حرية التعبير بدءا من الوزير الاول السابق الباجي قائد السبسي، بناء رأسمالي سياسي عليها، المحامون الذين رفعوا القضية يعكسون وعيا سياسيا هزيلا، فقناة نسمة قبل كل شيء هي فاعل سياسي من بقايا النظام السابق، وليست مجرد وسيلة اعلامية، ومواجهتها بشكل ناجع هو ان ترفع عليها قضية تؤكد وتفضح عبوديتها لنظام الاستبداد ثم القيام بحملة لمقاطعتها مدنيا، وايضا التخفيض من عدد مشاهديها وافضل طريقة لذلك انشاء قنوات تلفزيونية نموذجية منافسةquot;.

وبخصوص التهم الموجهة الى القناة ومالكها يقول الكحلاوي: تهمة quot;التجديفquot; او ازدراء الذات الالهية ومبدأ حرية التعبير المكفول دستورا، من الخاطئ اعتبار هذه القضية خط الدفاع الاخير عن الديمقراطية، إذ إنّ القانون نفسه يوجد في دول ديمقراطية عديدة ويتم تفعيله، هذا القانون هو أمر مثير للجدال من جهة لأنه يضع حدودا على حرية التعبير وهو مبدأ مكفول في دساتير دول ديمقراطية، لكن من جهة اخرى هذا القانون لا يلغي ديمقراطية الدولة، وفي المقابل بالتأكيد لا يمكن ان يتلاءم مع علمانية الدولة، اذ حتى في السياق الغربي الديمقراطي توجد كثير من التجارب التي تتميز بعلمانية محدودة وتتسق اكثر مع سياقها الثقافي التقليديquot;.