يستعدّ المجلس الوطني التأسيسي في تونس الى عقد جلسة عامة لطرح قانون اقصاء نشطاء حزب الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي من ممارسة السياسة والترشح للانتخابات. ويثير القانون الذي تقدم به حزب مشارك في الحكم جدلا واسعا اذ اتهمه البعض بمحاولة الانتقام والحلول محلّ القضاء.


تونس: عاد موضوع إقصاء نشطاء حزب التجمع المنحلّ وهو حزب الرئيس المخلوع بن علي، إلى سطح الأحداث السياسية في تونس من جديد بعد أن تمت المصادقة من طرف لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية بالمجلس الوطني التأسيسي على مشروع قانون إقصاء التجمعيين من الترشح للاستحقاقات الانتخابية القادمـة.

quot; إقصاء التجمعيينquot; من الحياة السياسية أثار جدلا واسعا وتجاذبات بين مختلف الأحزاب والجمعيات المدنية، فكان تنديد البعض بهذا quot;الإقصاء التعسفي والعقابيquot;، فيما رحّب به البعض الآخر quot;لآعتبارات وقائية خوفا من عودة من قامت بسببهم الثورةquot;.

المرسوم 15

مشروع قانون عزل كوادر حزب التجمع المنحلّ سيعرض قريبا على المجلس التأسيسي في تونس

ينص مشروع القانون المقترح من طرف كتلة حزب المؤتمر من أجل الجمهورية في المجلس التأسيسي منذ أبريل/ نيسان الماضي على تنقيح الفصل السابع من المرسوم 15 بإضافة فقرة هذا نصها:quot; كل أعضاء الحكومات في الفترة الممتدة من 7 نوفمبر 1987 إلى 14 جانفي 2011 وكذلك كل من تحمل المسؤوليات التالية في التجمع الدستوري الديمقراطي: أمين عام، أو أمين عام مساعد، أو عضو ديوان سياسي، أو عضو لجنة مركزية، أو كاتب عام لجنة تنسيق، أو كاتب عام جامعة، أو رئيس شعبة، مقصيّون من الحياة السياسية، وذلك لمدة 5 سنوات من صدور هذا القانون.quot;

وسيعرض المشروع للتصويت في جلسة عامة في المجلس التأسيسي خلال الأيام القادمة.

ليس إقصائيا .. بل وقائيا

أوضح عضو المجلس الوطني التأسيسي عن حزب المؤتمر من أجل الجمهورية ومستشار رئيس الجمهورية سمير بن عمر في تصريح لـquot;إيلافquot; أنّ المشروع الذي تقدمت به كتلة حزب المؤتمر ويهدف إلى إقصاء التجمعيين من الحياة السياسية quot;ليس تعسّفيا أو عقابياquot; بل هو quot;وقائيquot;.

وأكد بن عمر على أنّ الوقاية تعني quot;ضمان عدم عودة الديكتاتورية من جديد إلى نظام الحكم، الديكتاتورية التي قامت بسببها الثورة التونسية والأشخاص الذين يمثلونها وأشرفوا عليها لسنوات وساهموا فيها لأنه من غير المعقول أن نقبل بعودة مسؤولي حزب التجمع المنحلّ من جديد، على حدّ تعبيره.

وأضاف سمير بن عمر أنّ التجمعيين ليسوا بتلك المصداقية في صفوف الشعب التونسي حتى نفصّل قانونا لإبعادهم من الحياة السياسية خوفا من فوزهم في الإنتخابات، مشددا على أنّ quot;هؤلاء لا يمثلون خصوما حقيقيين لنا لأن حجمهم لا قيمة له في المجتمع التونسي، وبالتالي نحن مقتنعون أنّ الشعب التونسي الواعي والعارف بمن نهب خيراته واستبدّ في الحكم وبطش بخصومه السياسيين، ليبقى وحيدا على الساحة، لن يوافق على عودة هؤلاء من جديد إلى السلطةquot;.

وأشار إلى أنّ البعض يتهم حزب المؤتمر والموافقين على قانون quot;إقصاء التجمعيين quot; بأنهم يقصدون بهذا quot;العقابquot; حزب نداء تونس الذي أسسه الوزير الأول السابق الباجي قائد السبسي، ويؤكد أن quot;لا مجال لربط مشروع حزب المؤتمر بحزب نداء تونس اعتبارا إلى أنّ هذا المشروع تم تقديمه إلى المجلس الوطني التأسيسي في 07 أبريل الماضي أي قبل أن يتأسس هذا الحزبquot;.

وأكد بن عمر أن إقصاء التجمعيين مطلب شعبي، فالشعب التونسي رفع شعار quot;إرحلquot; منذ بداية الثورة في وجه التجمعيين فكان حلّ حزب التجمع، وبالتالي لا بد من منع هؤلاء من التشكل من جديد داخل أحزاب ومن الترشح للانتخابات القادمة للعودة من جديد والانتقام من غيرهم.

وأوضح مستشار رئيس الجمهورية أنّ اتهام حزب المؤتمر بأنه من خطط لهذا القانون خدمة لمصالح حركة النهضة في الانتخابات القادمة لا أساس منطقيا له، فحركة النهضة ليست في حاجة إلى حزب المؤتمر للتقدم بهذا المشروع وكان بإمكانها أن تتقدم كتلتها بهذا القانون، مبرزا في ذات الوقت أنّ مشروع القانون الذي تقدم به المؤتمر لا يصل إلى مستوى ما تم تقديمه وحصل في دول أخرى وقعت بها ثورات كما في ليبيا.

شعارات قديمة جديدة

من جانبه، أوضح الناطق الرسمي باسم حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات محمد بنور في إفادة لـquot;إيلافquot; أنّ حزبه لم يطالب بإقصاء أحد، ولكنه مع ذلك كان دائما ضد عودة التجمعيين إلى النشاط السياسي، فالتجمعيون لم يخرجوا أبدا منذ بداية الثورة إلى الشعب التونسي معتذرين ومعترفين بالأخطاء السياسية التي ارتكبوها في حق الشعب التونسي والنشطاء السياسيين.

وأضاف أنّ التجمعيين وبعد حلّ حزبهم في شهر مارس من العام 2011، وبعد فترة من الغياب والتأمل خرجوا علينا من جديد وتحت مسميات جديدة، مستعملين شعارات جديدة قديمة ومن بينها شعار البورقيبية، وهو شعار يسيئون استعماله لأنهم يوظفونه مثلما يريدون لاستمالة الشعب التونسي وquot;الدستوريينquot; بصفة خاصة.

وشدد بالنورعلى أن الشعب التونسي لن تنطلي عليه هذه الألاعيب والشعارات الكاذبة وهو يدرك جيدا أن الثورة التونسية قامت أساسا بسبب فساد واستبداد هؤلاء، و بالتالي لا حظ لهم في العودة في غياب المصداقية، وهم يخطئون فعلا ويتوهمون بأنّ الشعب سيمنحهم صوته ويعيدهم ليواصلوا فسادهم في البلاد، على حدّ تعبيره.

فضيحة كبرى

يقول عضو الهيئة التأسيسية لحركة نداء تونس بوجمعة الرميلي لـquot;إيلافquot; إنّ عملية إقصاء التجمعيين لا يمكن أن تتم إلا من طرف من قام بهذه الثورة من الشباب التونسي، وليس لغيرهم الحق في ذلك حتى لا تحيد الثورة عن مبادئها وأهدافها الحقيقية.

وأضاف الرميلي:quot; لا تحصين إلا بتطبيق الديمقراطية من أعداء الثورة التونسية، ومن هم أعداء الثورة في الحقيقة؟ أليسو هم الذين لا يريدون مساواة الرجل بالمرأة في حقوقها، أليسوا من يعطلون العدالة الانتقالية لأغراض خاصة؟ فهؤلاء هم في الواقع أعداء الثورة ولكنهم يوهمون الناس بأعداء آخرينquot;.

وشدّد الرميلي على أن quot;لا أحد يحق له تحصين الثورة و حرمان شق كبير من الشعب التونسي من دخول الانتخابات القادمة ولا يمكن أن يقوم بذلك إلا القضاءquot;.

وأوضح عضو الهيئة التأسيسية لحركة نداء تونس أنّ الحديث عن إقصاء التجمعيين مسألة خطيرة جدا فهي تعسفية وفيها انتقام من التجمعيين والدستوريين وهذا فيه تمييز بين المواطنين سواء في الحق العام أو حق النشاط السياسي.

وأشار إلى أنّ quot;هذا الانتقامquot; يأتي أساسا لحرمان حركة quot;نداء تونسquot; من الدخول في المحطات الانتخابية القادمة، وهو ما ينجزه المؤتمر من أجل الجمهورية لفائدة أحزاب أخرى.

يشار إلى أنّ اتهامات كثيرة توجّه إلى حزب حركة نداء تونس الذي أسسه الوزير الاول السابق الباجي قائد السبسي بخصوص استقطابه لعدد كبير من كوادر حزب التجمع المنحل، ويذهب كثيرون الى اعتبار quot;نداء تونسquot; هو ذاته حزب التجمع في حلة جديدة، وهو ما ينفيه قياديو هذا الحزب الناشئ الذي ضمّ كذلك عددا من معارضي بن علي.

وشدد الرميلي على أن الحكومة الحالية ترتكب خطأ فادحا وفضيحة كبرى لا على المستوى الداخلي فقط بل كذلك عالميا، لأن هذا القانون يحرم مواطنين تونسيين من حقّهم في النشاط السياسي، مؤكدا أنّ حركة نداء تونس لا تضم تجمعيين وإن كان في صفوفها فاسدون، فعلى من يدّعي ذلك أن يتقدم إلى القضاء فهو الوحيد القادر على الجزم في مثل هذه الاتهامات.

القضاء هو الحكم

ويؤكد عضو quot;حركة الشعبquot; القومية أنيس الهمامي في إفادة لـquot;إيلافquot; أنّ محاسبة الفاسدين لا يمكن أن تتم إلا في quot;إطار قضائيquot;، مشيرا إلى أنّ حركة النهضة أحد أطراف الائتلاف الحاكم تتعامل مع التجمعيين على أساس الفساد والإجرام لكل من يقف ضدها، ولكنها في ذات الوقت نراها تستفيد من خبرات التجمعيين وتعيّنهم في مراكز ومواقع هامة وهذا لا يعقل، فسياسة المكيالين تثير كثيرا من الخوف وعدم الشفافية في التعامل مع نشطاء الحزب المنحلّ.

وأضاف الهمامي أنّ إقصاء كل التجمعيين من الحياة السياسية وبالتالي حرمانهم من الانتخابات هو خطأ كبير فلا يعقل أن يعاقب مليونا تجمّعي اعتبارا إلى تورطهم في فساد وتعذيب و نهب واستبداد، ولكن من يؤكد تورطهم في ذلك؟

وأبرز الهمامي أنّ الجميع يعرف جيدا أن حزب التجمع المنحلّ ليس بذلك الحزب الذي يحمل أفكارا وعقيدة للمنتسبين إليه، ويقول: quot;نحن متأكدون أنّ عملية الانتماء إلى التجمع المنحلّ تحكمها المصالح التي يتحصل عليها المنتسبون إلى هذا الحزب الذي حكم منفردا طيلة ستين عاماquot;.

وشدد على أنّه بالرغم من فساد أغلب التجمعيين فإنّه quot;لا أحد عليه أن يقوم بدور القضاء وبالتالي نحن نطالب بالمحاسبة التي لا تمنح المجرمين والفاسدين فرصة الهروب من العقاب، و لكن علينا أن نوفر الضمانات من أجل محاكمات عادلة وشفافة من طرف جهاز قضائي مستقل بعيدا عن أي تجاذبات أو تأثيرات، وبالتالي بعيدا عن الانتقام والإقصاء التعسفيquot;.