فيما يبحث رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في موسكو اليوم الأربعاء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأزمة السورية والتعاون العسكري والاقتصادي، فقد أعلن من جهته عن استئناف تشغيل الخط الجوي بين موسكو وبغداد ومنح الشركات الروسية استثمارات في حقول العراق النفطية الجنوبية بقيمة 300 مليون دولار، فيما سيناقش في براغ غدًا شراء العراق لطائرات مقاتلة تشيكية.


المالكي خلال اجتماعه في موسكو مع رجال الأعمال الروس

أسامة مهدي: ستكون الأزمة السورية وتداعياتها على دول المنطقة، والموقفان الروسي والعراقي المتقاربان منها، محور محادثات المالكي وبوتين اليوم، اضافة الى توسيع التعاون العسكري والاقتصادي بين البلدين، وذلك عشية الإعلان في موسكو عن اتفاق لشراء العراق من روسيا مروحيات عسكرية وانظمة صواريخ أرض جو لمكافحة الإرهاب وحماية الحدود بقيمة 4.2 مليارات دولار.

وقالت الدائرة الإعلامية للرئاسة الروسية إن بوتين سيلتقي مع المالكي لبحث quot;آفاق تطوير التعاون في المجال السياسي والاقتصادي والتجاري والانساني بين البلدين، اضافة الى امكانية توسيع التعاون الاستثماري بين البلدين، ومشاركة الشركات الروسية في تنفيذ المشاريع العراقية الضخمة، خاصة في مجال الطاقةquot;.

وأشارت إلى أن المسؤولين العراقي والروسي سيتبادلان الآراء حول القضايا الاقليمية والدولية، خاصة الاحداث الجارية في الشرق الاوسط والوضع القائم في سوريا.

وكان المالكي قال لدى وصوله الى موسكو الاثنين إن بلاده تبحث مع روسيا حاليًا عن مخرج للازمة السورية، مشددًا على ضرورة العمل لانهائها بالطرق السلمية، مؤكدًا أن العراق لا يؤيد المعارضة ولا السلطة في هذه الازمة هناك، وقال إن العراق لن يكون جزءًا من النار المشتعلة على مقربة من حدوده مع سوريا. وحذر من أن هذه الازمة المستمرة قد تنعكس على الدول الاخرى في منطقة الشرق الاوسط، مشددًا على أن العراق يعارض الإطاحة بالأنظمة باستخدام القوة.

يذكر أن العراق يدعو الى حل الازمة السورية عبر الحوار، وسبق وأن طرح مبادرة تقوم على اجراء انتخابات جديدة وتشكيل حكومة انتقالية. وترفض بغداد تسليح طرفي النزاع في سوريا، حيث يدور صراع دامٍ منذ منتصف اذار (مارس) عام 2011 بين السلطة والمعارضة، التي تعرضت للقمع اثر مطالبتها باسقاط النظام قبل أن تتحول الى حركة مسلحة.

كما ترفض موسكو تسليح المعارضة السورية، وقد استخدمت حق النقض (الفيتو) لمنع صدور قرارات عبر مجلس الامن الدولي تدين استخدام نظام الرئيس السوري بشار الاسد للعنف.

على صعيد العلاقات بين البلدين ايضًا، فقد اختتمت المباحثات بين وزيري الخارجية الروسي سيرغي لافروف والعراقي هوشيار زيباري بتوقيع بروتوكول للتعاون بين وزارتي الخارجية في البلدين. فقد عقد الوزيران اجتماعًا في احد مباني وزارة الخارجية الروسية.

وكان المالكي التقى امس مع نظيره الروسي دميتري مدفيديف، ودعاه إلى زيارة بغداد، مؤكدًا اهتمام العراق بتوطيد العلاقات مع روسيا. وأعرب المالكي عن اعتقاده بأن زيارة مدفيديف المرتقبة لبغداد ستعطي دافعًا قويًا لتطوير العلاقات الثنائية بين روسيا والعراق.

إعادة الخط الجوي بين موسكو وبغداد واتفاق نفطي بقيمة 300 مليون دولار
خلال اجتماعه مع عدد من رجال الاعمال الروس، ضمن طاولة مستديرة أقامتها الشركات العراقية والروسية في موسكو الليلة الماضية، قال المالكي: quot;إننا نلتقي اليوم في فرصة أخرى من فرص التعاون بين العراق وروسيا، بعد توقف دام سنوات، بسبب تعرّض العراق لعقوبات وحصار اقتصادي خانق وحروب دمّرت كل شيء، مما أدى الى توقف المشاريع وتدمير البنى التحتيةquot;.
واضاف أن زيارته الحالية الى روسيا، التي بدأها الاثنين الماضي، تأتي في ظل وجود بيئة مناسبة للعمل والتعاون، وقال إن حضور اكثر من 30 شركة عراقية الى موسكو هو دليل على أن فرصة العمل بين الجانبين قد حانت.

واعتبر المالكي أن اتفاق البلدين خلال هذه الزيارة على جملة من القرارات المهمة، لاسيما في مسألة تفعيل عمل الهيئة المشتركة بين البلدين واستئناف الخط الجوي بين بغداد وموسكو، إضافة الى ابرام مذكرات تفاهم في مجالات التجارة والنفط والطاقة، سيعطي دفعة اكبر لفتح آفاق للتعاون، ليس على المستوى الحكومي فحسب، بل حتى مع القطاع الخاص والعام.

مبينًا أن الشركات الروسية امامها فرصة كبيرة للعمل، خصوصًا أنها معروفة في العراق، ولديها خبرة في مجال الإعمار والبناء والصناعات النفطية، وفي ظل التعاون الموجود فإن الباب سيكون مفتوحًا امام الشركات النفطية الروسية لتطوير صناعات العراق النفطية.

واضاف المالكي أن العراق يتطلع quot;إلى أن تكون لأصدقائنا في روسيا وقفة بهذا الخصوص، وبموجب هذه الإرادة فإننا سنكون قادرين على تجاوز كل التحديات التي قد تواجه الشركات في المستقبلquot;.

عقب الاجتماع قالت شركة quot;لوك اويلquot; النفطية الروسية إن الحكومة العراقية وافقت على عقد للتنقيب الجيولوجي واستخراج النفط في البلوك رقم 10 الواقع في محافظتي ذي قار والمثنى في جنوب البلاد بكلفة 300 مليون دولار.

واشارت في بيان الى أنها حصلت وشركة quot;إينبكسquot; اليابانية في حزيران (يونيو) الماضي على الحق في العمل في البلوك المذكور، الذي تبلغ مساحته 5.5 آلاف كيلومتر مربع. وتعود إلى شركة quot;لوك اويل اوفرسيزquot;، وهي الشركة الروسية التي تدير المشروع، حصة 60% فيه، وللشركة اليابانية 40%. والمشارك في العقد عن الجانب العراقي هو شركة نفط الجنوب العراقية. ومن المتوقع أن يتم توقيع العقد في بداية الشهر المقبل.

ستستغرق اعمال التنقيب بين 5 و7 سنوات، حيث تتمتع الحكومة العراقية، وفقًا لشروط المناقصة بحق تأجيل بدء الانتاج في حال اكتشاف احتياطيات تجارية من النفط، وهذا الامر متعلق بالقيود الناجمة من التزامات العراق امام منظمة quot;اوبكquot;.

وفي حال لم تجد الحكومة جدوى في بدء استخراج النفط في الحقول التي يشملها البلوك سيتم التعويض عن نفقات الكونسورتيوم على اعمال التنقيب.

وكانت الحكومة الروسية اعلنت امس أنها وقعت صفقات سلاح بقيمة 4.2 مليارات دولار مع العراق، لتصبح اكبر مورد سلاح له بعد الولايات المتحدة. وتعطي الصفقات التي كشف النقاب عنها في وثيقة للحكومة الروسية خلال اجتماع بين المالكي ونظيره الروسي ديمتري ميدفيديف روسيا دفعة قوية، في وقت يحيط فيه الغموض بمبيعاتها المستقبلية من السلاح لليبيا وسوريا. وكان العراق منطقة مغلقة أمام صناعة الدفاع الروسية بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة على العراق عام 2003 وأطاح بالرئيس السابق صدام حسين احد أكبر مشتري السلاح الروسي.

وقال رسلان بوخوف مدير مركز كاست للدراسات الأمنية والدفاعية الروسي quot;بعد سقوط صدام حسين بدا أننا فقدنا البلد إلى الأبدquot; كمشترٍ للسلاح الروسي.

وأضاف أن هذه العقود ستساعد روسيا على الحفاظ على مكانتها كثاني أكبر بائع للسلاح في العالم بعد الولايات المتحدة. واشار الى أن الاتفاق العراقي يظهر أن حكومة العراق quot;مستعدة لتبني سياسة خارجية ودفاعية مستقلةquot;، لكن ربما أيدتهم الولايات المتحدة ضمنًا لاسترضاء روسيا، التي ألغت اتفاقًا لبيع أنظمة دفاع جوي لإيران، محتجة بعقوبات الأمم المتحدة بشأن برنامج ايران النووي.

واشارت الوثيقة الى أن العقود وقعت خلال زيارات لروسيا قام بها وزير الدفاع العراقي وكالة سعدون الدليمي عبر الاشهر الماضية نيسان (ابريل) وتموز (يوليو) وآب (اغسطس).

وكانت صحيفة فيدوموستي الروسية قد ذكرت في أواخر الشهر الماضي أنه يجري الاتفاق على عقود قيمتها 4.3 مليارات دولار قبل زيارة المالكي. وقالت إنها تشمل 30 طائرة هليكوبتر قتالية من طراز ام.آي-28إن.إي و42 منصة متحركة لاطلاق الصواريخ من طراز بانتسير-إس1 .

المالكي خلال لقائه نظيره الروسي مدفيديف في موسكو

تمثل هذه العقود بحسب مصادر روسية ثالث أكبر صفقة لبيع سلاح روسي منذ انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 بعد صفقة قيمتها 7.5 مليارات دولار مع الجزائر عام 2006 وأخرى بقيمة ستة مليارات دولار مع فنزويلا في 2009.

وقال مسؤولون روس إن روسيا خسرت اتفاقات لبيع اسلحة بقيمة حوالي أربعة مليارات دولار مع ليبيا بسبب سقوط الزعيم الراحل معمر القذافي، كما إن مستقبل مبيعات السلاح الروسية لسوريا بات غامضًا بسبب الصراع هناك.

المالكي يزور براغ الخميس وشراء أسلحة ضمن مباحثاته
من جهتها، اعلنت الحكومة التشيكية أن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، الذي يزور موسكو حاليًا، سيصل غدًا الخميس الى براغ للقاء نظيره بيتر نيكاس ومسؤولين تشيكيين آخرين.

واضافت الحكومة في بيان أن محادثات المالكي في العاصمة التشيكية ستتمحور حول quot;تطوير العلاقات الاقتصادية والثقافيةquot; وquot;تعزيز التعاون في مجال الدفاع والامنquot;. وسيرافق المالكي في الزيارة وزراء الخارجية والدفاع والتجارة ووفد كبير من رجال الاعمال. وسيلتقي وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري نظيره التشيكي كاريل شوارزنبرغ، كما اعلنت وزارة الخارجية في براغ.

تتصدر قضايا بيع العراق 36 طائرة عسكرية هجومية والمساهمة في إعمار البنية التحتية لهذا البلد مباحثات المالكي مع كبار المسؤولين التشيك. وخلال هذه الزيارة، ستعرض تشيكيا على العراق بيعه 36 طائرة هجومية وعددًا من طائرات الهليكوبتر الحديثة.

وكان العراق وتشيكيا وقعا في بغداد في 21 مايو (ايار) عام 2011 على مذكرات تفاهم دفاعية وأمنية وصناعية ونفطية، حيث اكد رئيسا وزراء البلدين نوري المالكي وبيتر نيتشاس خلال مؤتمر صحافي الاتفاق على تعزيز العلاقات الامنية والعسكرية والصناعية ومساهمة براغ في اعادة بناء البنى التحتية في العراق، وخاصة في مجالات النفط والصناعات البتروكيميائية.

وقال المالكي إن تشيكيا وقفت الى جانب العراق، وألغت 80 في المئة من ديونها عليه، مؤكدا أن الشركات التشيكية ستكون شريكة فعلية في حملة البناء والتعمير واعادة بناء البنى التحتية في العراق. واوضح أن مذكرات التفاهم هذه تضمنت وضع أسس لتعاون عسكري ونفطي وصناعي وبناء معمل للجرارات الزراعية التشيكية في العراق وتدريب الكوادر العراقية ومنح الطلبة العراقيين زمالات للدراسة في تشيكيا.

وحول مذكرة التفاهم العسكرية التي وقعت اشار المالكي الى أنها تتضمن تزويد العراق بطائرات تدريب عسكرية واسلحة أخرى سيتم التفاهم عليها في مباحثات لاحقة.

من جانبه اشار نيتشاس الى أن علاقات بلاده مع العراق تمتد الى 77 عاماً، وهي مستعدة للمشاركة بشكل فاعل في عمليات اعادة بناء البنية التحتية للعراق وتوسيع التعاون الامني والصناعي وتزويده بطائرات عسكرية.

وكانت بغداد اعلنت في مطلع عام 2011 أنها تجري مفاوضات كثيفة مع براغ لتزويد العراق بعشرات من طائرات ل-159 أل ث أ التشيكية المقاتلة. وقد صنعت شركة ايرو فودوشودي التشيكية حتى الان 72 طائرة من هذا النوع للجيش التشيكي تنطبق عليها معايير الحلف الاطلسي.

ولدى جمهورية التشيك، التي شاركت ضمن قوات التحالف في الحرب الأخيرة على العراق عام 2003 التي أسقطت نظام صدام حسين، سفارة في بغداد، وبعض الشركات التي تهتم بترميم الآثار وصيانة المنشآت النفطية وغيرها في مختلف أنحاء العراق وخاصة إقليم كردستان.