المخدرات منتشرة في الكويت، يساهم بعض رجال الأمن في تهريبها فيلقون جزاءهم، لكن الحدود والسجن المركزي بحاجة ماسة لتعزيز إجراءات الرقابة، للحد من ظاهرة المخدرات التي تفشت، حتى بلغ عدد المتعاطين نحو 50 ألفًا.
بعد الكشف عن وجود 50 ألف مدمن في الكويت، هل أصبحت الكويت محطة ترانزيت لمافيا المخدرات الإقليمية؟ وهل تشير الإحصائيات الرسمية، التي تؤكد أن 15 في المئة فقط من كمية المخدرات التي تدخل البلاد يتم ضبطها، إلى أن الكويت وقعت تحت تأثير المخدرات؟ وهل صحيح تورط بعض العناصر الأمنية في تسهيل تهريب المخدرات إلى داخل البلاد؟ وأن الصفقات تتم داخل السجن المركزي الكويتي؟ أسئلة كثيرة تحاول السطور القادمة أن تبحث عن إجابات لها، من خلال سبر أغوار هذه المسألة الخطيرة التي تهدد أمن الكويت الاجتماعي.
حملنا كل أسئلتنا وذهبنا إلى رئيس قسم الطب النفسي في مركز الكويت للصحة النفسية، ورئيس كلية الطب النفسي الدكتور سليمان الخضاري، الذي فسر طبيعة مشكلة الإدمان في الكويت، ووصفها بالمشكلة المعقدة التي تتشابك فيها الجوانب النفسية والطبية والاجتماعية.
الإدمان وراثة!
يقول الدكتور سليمان الخضاري لـ quot;إيلافquot;: quot;ثمة أسباب طبية تدفع بالأشخاص نحو الإدمان، إذ تشير الأبحاث الحديثة إلى إمكانية أن يكون الميل الإدماني جينيًا، أو متصلًا ببعض الاضطرابات في كيمياء وكهرباء الدماغ، كما تشير الأبحاث أيضًا إلى أن العوامل الوراثية تلعب دورًا في استمرار الإدمان في العائلةquot;، بمعنى لو كان احد أفراد العائلة مدمناً على تعاطي المخدرات، فإن فرص الإدمان تزيد بالنسبة لأي فرد من العائلة.
ولتفسير الجانب الاجتماعي في الميل نحو الإدمان يقول الدكتور الخضاري: quot;في بعض الناس صفات معادية للمجتمع، وبالتالي يلجأون إلى المخدرات كأحد وسائل العداء للمجتمعquot;. وهؤلاء يميلون إلى العنف وخرق القانون بشكل عام، والتمسك بالصداقات السيئة، وافتقار القدوة، والتحريض على تعاطي المخدرات.
كل هذه عوامل تؤدي إلى تضخم المشكلة، بحسب الخضاري، الذي يضيف أن عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي في المجتمع يزيد من حالات الإدمان.
تكاتف الجميع
ويعترف الخضاري بحالة quot;خواء وظيفي واجتماعي يعيشها معظم الشباب الكويتي، الأمر الذي يؤكد فشل الدولة في استيعابهم، وانشغال الحكومة بأمور ليس من بينها تنمية الإنسان الكويتيquot;.
وحول تجربته كمسؤول في مركز الكويت لعلاج الإدمان، وهو المركز الوحيد من نوعه في الكويت، يقول الخضاري: quot;في الوقت الحالي، لدينا مئات المرضى المدمنين بحاجة للدخول الى المركز لكن لا يوجد مكان لهم، وفي ظل عدم توفر الإمكانات الكافية سواء من ناحية الكادر الطبي وتوفير الحماية الكافية لهم، تزداد القضية تعقيدًا ولا بد من تكاتف الجميع، لأن الحكومة لن تستطيع حل المشكلة بمفردهاquot;.
وفي الوقت الذي انتقد فيه الدكتور الخضاري مراكز الاستشارات النفسية الخاصة التي تقدم العلاج للمدمنين بدون غطاء رقابي من الدولة، شدد على أهمية تكامل علم النفس الإكلينيكي، وتكامل دور المختصين النفسيين والاجتماعيين مع الأطباء، لأن دورهم مهم جدًا في التصدي لهذه المشكلة.
ولفت إلى أن الحكومة اوقفت منح تراخيص مزاولة نشاط هذه المراكز الخاصة، لحين البحث عن صيغة قانونية لممارسة نشاطها في تقديم الخدمات والعلاجات للمدمنين والمرضى النفسيين.
الأمن جزء من المشكلة والحل
كشف مصدر أمني كويتي مطلع لـ quot;إيلافquot; عن أنواع مخدرات تستهدف المجتمع الكويتي الاستهلاكي ومصدرها، مؤكدًا أن ارتفاع المداخيل الفردية يتيح شراء أفضل الأنواع وأثمنها، لذا تتوافر في الكويت.
-الكوكايين، مخدر يعتبر الأغلى سعرًا ولا يقدم على تعاطيه إلا الفئة الأكثر ثراءً، مصدره المكسيك.
-الهيروين، هو المخدر الأكثر رواجاً، مصدره أفغانستان وباكستان وإيران.
-الحشيش، وهو الأكثر تداولًا لانخفاض سعره، مصدره لبنان وإيران.
-الأفيون، وهو معروف أيضًا باسم الترياق، مصدره إيران.
-حبوب الهلوسة، وهي أنواع كحبوب كيبتاغون وحبوب روش وأل أس دي وفئة ترامادول التي يسمونها فراولة، مصدرها سوريا سابقًا وإيران ومصر.
وتطرق المصدر الأمني نفسه إلى الشكوك حول تورط عناصر أمنية في صفقات تهريب المخدرات، سواء على الحدود الكويتية، أو من داخل السجن المركزي، فقال: quot;تورط بعض الأشخاص في عمليات تهريب المخدرات ليس مبررًا لأننا نتهم كل الأجهزة المعنية بذلك، لكن من يثبت تورطه يتم التعامل معه بحزم، ويحال إلى جهات التحقيق، ولن يشفع له كونه عسكرياً بل ربما تشدد العقوبة عليه لأنه مكلف بحماية الدولة من خطر هذه الحرب الشرسة التي تستهدف المجتمع الكويتيquot;.
أضاف: quot;لا تدخر الأجهزة المعنية أي جهد في مراقبة مفاصل السجن المركزي، لكن بعض التجار النافذين يستطيعون خرق القانون من خلال تهريب بعض شرائح الهاتف المحمول بطرق خبيئة. الرقابة مستمرة ومن تسول له نفسه بخرق القانون يتم التعامل معه بكل حزم، والأمر يحتاج إلى المزيد من تكثيف عمليات المراقبة سواء من جهة القوة البشرية أو أجهزة المراقبة المنتشرة في كل أنحاء السجن المركزيquot;.
مرتين إسبوعيًا
تقول الإحصائيات إنه يتم ضبط 15 في المئة فقط من المخدرات التي تدخل البلاد، فتعدم. يقول عادل الأثري، مراقب معالجة النفايات الطبية والمتابعة والتدريب في وزارة الصحة: quot;هناك تعاون مع وزارة الداخلية بشأن حرق المخدرات والممنوعات، حيث يتم حرق المخدرات المضبوطة مرتين كل أسبوعquot;.
ويضيف: quot;يقتصر دورنا في وزارة الصحة على تجهيز المحرقة وإخلاء المكان، وتسليمه إلى لجنة مختصة من وزارة الداخلية تتولى عملية الحرقquot;. ويشير الأثري إلى آلية حرق المخدرات تختلف بحسب أنواعها المتنوعة، إذ تختلف درجة حرارة المحرقة في حرق الكوكايين والهيروين، عن الحرارة المطلوبة لحرق الحشيش والحبوب.
تزيده رجولة
لم يفكر المواطن الكويتي خ. م. أن يتقدم من مركز علاج الإدمان في يوم من الأيام، فهو يرى أن الإدمان على المخدرات quot;لم يسبب لي أي إزعاج في حياتي، اللهم إلا من جهة المبالغ الكبيرة التي أدفعها لتأمين مزاجي كل شهرquot; كما يقول. هذا الأمر يكشف أن الإحصائيات المعلنة عن عدد المدمنين في الكويت غير صحيحة، لأن الآلاف من أمثال خ. م. لا يريدون كشف أمرهم، ويرون سعادتهم في الاستمرار بتعاطي المخدرات. فمنهم من يرى أن المخدرات تزين له طقوس الكتابة والفن وتزيده رجولة في ممارسة الجنس، بعكس ما تحذر منه الأبحاث والدراسات العلمية والطبية.
يقول خ. م. إنه نشأ في أسرة متوسطة الحال، أخ لسبعة من الأشقاء الذكور والبنات. توفي والده وهو في بداية تعليمه الابتدائي، فربته أمه التي وزعت اهتمامها على ثمانية أطفال. يقول: quot;لم أجد من يعرفني الصح من الخطأquot;. لكن أم الكوارث حلت عندما ضبطه أخوه الأكبر يدخن سيجارة، إذ أنذرته المدرسة بتغيّب خ. م. منذ أسبوع. وكان الولد الشقي يصطحب أصدقاءه لتدخين السجائر خلف محول الكهرباء.
فشلت كل محاولات العائلة معه لاستكمال تعليمه ومع مرور الوقت تقدم للعمل في إحدى وزارات الدولة وتم تعيينه بالفعل. وفي الوظيفة، تعرف على أصدقاء يشاركهم بين الحين والآخر ثمن زجاجة خمر ليتنادموا. ثم تطور أمرهم إلى تجربة الحشيش. يقول خ. م.: quot;أعرف أن المخدرات ممنوعة، وأعرف أن عقوبتها كبيرة، وقد أخسر حياتي وبيتي وأولادي، لكني إنسان مسالم، وأتوخى الحذر في شراء زادي الشهري من الحشيش، ومعاشي التقاعدي يسمح لي بتدبير المخدر من دون تأثير على ميزانية الأسرةquot;.
التعليقات