قوبلت المسودة الأولى للدستور المصري الجديد برفض من جانب بعض فئات المجتمع، لا سيما من ممثلي جمعيات العناية بالمرأة والطفل والعمال، إلى جانب أعضاء المحكمة الدستورية العليا، متهمين القائمين على صياغة الدستور بالإنتقاص من مكتسباتهم وحقوقهم الأساسية، وتعمد التشدد ضد المرأة وغيرها من الفئات، وتهميش دورها.


صبري عبد الحفيظ من القاهرة: انتقد نشطاء سياسيون إصرار الجمعية التأسيسية، التي يسيطر عليها التيار الإسلامي، على رفض دمج الإتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان في الدستور.

كما انتقدت منظمة هيومان رايتس ووتش مسودة الدستور، معتبرة أنها تقمع حريات الطفل والمرأة. وقالت في تقرير لها إن quot;بعض المواد الخاصة بالطفل والمرأة تبعث على القلق، بسبب تجاهلها لزواج القاصرات في مصرquot;، مشيرةً إلى أن الصياغة السابقة للدستور، في المادة المتعلقة بالاتجار بالبشر تحديدًا، كانت تنص على quot;حظر الرق والاتجار بالنساء والأطفالquot;، إلا أنه تم تغيير صياغتها لتنص على quot;حظر الرق وانتهاك حقوق المرأة والطفلquot;.

واعتبرت أن كلمة quot;انتهاكquot; في التعديل في الصياغة الجديدة quot;فضفاضة وعامة، ولا تعبّر نصيًا عن الجريمة الفعلية في القانون الدولي، وهي الاتجار بالبشرquot;.

وانتقدت المنظمة تقييد حقوق المرأة بأحكام الشريعة الإسلامية، لا سيما في ما يخص المساواة مع الرجل. وأشارت المنظمة إلى أن مسودة الدستور لم تنص على منع التعذيب بوضوح، quot;على الرغم من أن تعذيب الشرطة للمواطنين كان أحد العوامل المساعدة على الثورة ضد نظام حسني مباركquot;، على حد قول المنظمة الدولية.

وقال نديم حوري، نائب مدير هيومن رايتس ووتش في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إن المسودة تحتوي على كثير من الثغرات، التي ربما تسمح للسلطات بقمع وتقييد الحقوق والحريات الأساسية، ودعا الجمعية التأسيسية إلى تسكين هذه المخاوف قبل التصويت على الدستور.

رفض المواثيق الدولية
هاجم تحالف المنظمات النسوية في مصر رفض دمج مواد الاتفاقيات الدولية فى الدستور، وقال التحالف في بيان له تلقت quot;إيلافquot; نسخة منه إن معظم التصريحات quot;شملت هجومًا شديدًا على اتفاقية إلغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة، الأمر الذي أثار قلقنا، خصوصًا أن هذه الاتفاقيات التى وقعت عليها مصر منذ عقود، تعدّ أحد أعمدة البنية التشريعية للقانون المصري، لجأ إليها كثير من المحامين والمحاميات وجمعيات ومنظمات المجتمع المدني للحفاظ على حقوق المواطنين والمواطناتquot;.

وأضاف التحالف أن التيارات التي تتولى كتابة الدستور quot;تستخدم خطاب مبارك نفسه في الهجوم على المجتمع المدني والاتفاقيات الدولية، مثيرين بذلك رد فعل المواطنين العاديين في الشارع ضد هذه الاتفاقيات، ومستخدمين أسلوب النظام السابق نفسه في اتهام الاتفاقيات بما ليس فيها، من تشجيع على زواج المثليين وغيرها من ادعاءاتهم الباطلة، ونحن نتحدى أن يثبت هؤلاء المتقولون ادعاءاتهمquot;.

وطالب التحالف اللجنة التأسيسية للدستورية بالتوقف عن العبث بحقوق المواطنين والمواطنات الاقتصادية والاجتماعية، وحقوقهم المدنية والسياسية والثقافية، وبحقوق النساء فى المساواة الكاملة وعدم التمييز ضدهن، وبحقوق الأطفال التي نصت عليها مواثيق حقوق الطفل، وبحقوق العمال والعاملات، وغيرهم من فئات الشعب.

انتقاص من حقوق المرأة
قالت الدكتورة هدى بدران، رئيسة رابطة المرأة العربية، إن هناك إصرارًا واضحًا من قبل التيار الإسلامي المسيطر على الجمعية التأسيسية على الإنتقاص من حقوق المرأة، مشيرةً إلى أن هذا واضح في عدم الإعتراف بالمواثيق والمعاهدات الدولية، في ما يخصّ المساواة بين الرجل والمرأة، وتجريم زواج القاصرات.

وقالت بدران لـquot;إيلافquot; إن المنظمات النسائية المصرية سوف تتصدى لأية محاولات للإنتقاص من حقوق ومكتسبات المرأة التي ناضلت من أجل الحصول عليها لعشرات السنين، لافتةً إلى أن هذه التيارات تتناسى دور المرأة المحوري في الدعوة والمشاركة في ثورة 25 يناير، التي أتت بهم إلى السلطة.

ونوهت بدران بأن بعض المواد في مسودة الدستور الجديد تعيد المرأة المصرية إلى العصور الوسطى، وهو الأمر الذي ترفضه بشدة.

العمال غاضبون
العمال أيضاً يرفضون مسودة الدستور الجديد، معتبرين أنها تنتقص من حقوقهم، لا سيما بعد إلغاء نسبة 50 في المئة المخصصة للعمال والفلاحين في المجلس النيابي.

وقال القيادي العمالي والنائب في مجلس الشعب المنحل كمال أبو عيطة لـ quot;إيلافquot; إن إلغاء هذه النسبة من الدستور الجديد إنقضاض على حقوق العمال والفلاحين في مصر، مشيراً إلى أن النظام السابق كان يستخدم هذا الحق لمصلحة رجاله، فكان ضباط الشرطة السابقون ورجال الأعمال وقيادات الجيش السابقة يدخلون البرلمان من خلالها، عبر التلاعب في المستندات.

ولفت ابو عيطة إلى أن هذا ليس مبرراً لإلغائها، بل يجب تفعيلها بما يحمي حقوق العمال والفلاحين. وأعلن أنه سوف يدشّن حملة بين العمال في الشركات والمصانع للتصويت بـ quot;لاquot; في حال طرح الدستور للإستفتاء الشعبي، من دون العودة إلى النسبة مرة أخرى، وصيانة حقوق العمال في الدستور من خلال النص على إلتزام الدولة بتوفير فرص عمل للمواطنين.

المحكمة الدستورية تنتفض
وأعلنت المحكمة الدستورية العليا رفضها لمسودة الدستور الجديد، معتبرة أنها تنتقص من هيبتها كهيئة قضائية مستقلة تحمي الدستور.

وقال المستشار ماهر البحيري، رئيس المحكمة الدستورية العليا، في تصريحات صحافية، إن المحكمة ترفض كل المواد المتعلقة باختصاصاتها وتشكيلها في المسودة النهائية للدستور الجديد، لما يشوبها من عوار وسلب لاختصاصات المحكمة، وتدخل في اختصاصاتها وحقوقها.

وأشار البحيري إلى أن quot;الجمعية العمومية للمحكمة في حالة انعقاد دائم دفاعاً عن حقها، حيث إن استقلال القضاء بصفة عامة، واستقلال المحكمة الدستورية بصفة خاصة يهدفان إلى تحقيق مصلحة المواطنين والشعب المصريquot;.

وأضاف أن quot;النص الخاص بكيفية تعيين أعضاء المحكمة تجاهل ما ناضلت المحكمة من أجله بعد الثورة، وتعديل قانونها بما يقصر سلطة تعيين رئيس وأعضاء المحكمة على الجمعية العمومية، بحيث لا يكون للسلطة التنفيذية أي دور في ذلك ضمانًا لاستقلال رئيس وأعضاء المحكمة، إلا أن النص المقترح الدستوري الجديد أعطى لرئيس الجمهورية سلطة تعيين رئيس المحكمة وأعضائها بما يشكل ردة غير مسبوقة عن مبدأ استقلال المحكمةquot;.

معتبراً أن quot;هناك اتجاهًا عدائيًا داخل الجمعية التأسيسية للانتقام من المحكمة، وتصفية حسابات قديمةquot;، في إشارة إلى إصدار المحكمة الدستورية العليا حكماً ببطلان إنتخابات مجلس الشعب المنحلّ، والتصدي للرئيس محمد مرسي عندما أصدر قراراً بإعادة المجلس، حيث اجتمعت المحكمة وأصدرت قراراً بإلغاء قرار الرئيس، واستمرار حل البرلمان.