اختار المجمع الانتخابي للكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مصر ثلاثة مرشحين لمنصب البطريرك خلفًا للبابا الراحل شنودة الثالث في اقتراع تمهيدي لاختيار البطريرك الجديد أجري بالكاتدرائية المرقسية في القاهرة.

القاهرة: شارك 94% من الناخبين البالغ عددهم 2412 في اختيار ثلاثة مرشحين من أصل خمسة لمنصب بطريرك الأقباط الأرثوذكس في مصر، وسط أجواء اتسمت بالهدوء. وأعلن الأنبا باخوميوس قائم مقام البطريرك الذي يتولى إدارة شؤون الكنيسة منذ وفاة البابا شنودة الثالث أن الثلاثة الذين اختيروا في اقتراع اليوم هم الأنبا رافائيل الأسقف العام لكنائس وسط القاهرة الذي درس الطب والأنبا تاوضروس الأسقف العام لكنائس محافظة البحيرة شمالي القاهرة الذي درس الصيدلة والراهب القمص رافائيل أفا مينا الذي يحمل شهادة في الحقوق.

يدخل الثلاثة الأعلى تصويتًا التصفية النهائية عن طريق القرعة الهيكلية. وقد سميت كذلك لأنها تجري أمام الهيكل المقدس، إذ تكتب أسماء المرشحين الثلاثة في ثلاث ورقات، وتوضع داخل صندوق زجاجي شفاف، ويطلب من أول طفل دون السادسة من عمره، يدخل الكنيسة في يوم 4 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل اختيار ورقة من الثلاث، ويكون الفائز هو البطريرك رقم 118.

يقتصر الحضور على المرشحين والناخبين واللجنة المشرفة على عمليات التصويت، وهي لجنة مكونة من قضاة وأعضاء في النيابة العامة من الأقباط، بما يشبه عمليات الإشراف القضائي على الإنتخابات السياسية، وفقًا لتصريح خاص لـquot;إيلافquot; من النائب في الشعب المنحل مارغريت عازر، عضو اللجنة المشرفة على الإنتخابات الباباوية.

وتفاديًا لإثارة غضب الإعلاميين بسبب منعهم من دخول قاعة التصويت، وضعت الكنيسة شاشات عرض ضخمة، يمكن لأي إنسان متابعة ما يجري داخل القاعة من خلالها. كما نصبت خيمة ضخمة داخل فناء الكاتدرائية للناخبين والضيوف القادمين للتصويت أو المتابعة.

وحضر خمسة ممثلين عن الكنيسة الأثيوبية الإنتخابات للمساهمة في عملية التصويت، كما يشارك 12 كاهنًا وممثلًا عن أبرشية القدس والشرق الأدنى للأقباط الأرثوذكس، من بينهم خمسة رهبان من القدس. وكان مقررًا مشاركة الأنبا أبراهام مطران القدس، إلا أنه قدم إعتذارًا نظرًا إلى مروره بظروف صحية قاسية، وأصدر توكيلًا لأحد نوابه بالتصويت نيابة عنه.

ويأمل مسيحيون كثيرون أن يقودهم البطريرك الذي سيعلن يوم الأحد بأمان وسط قلاقل انتفاضات الربيع العربي بعد رحيل البابا شنودة الثالث في آذار (مارس).
وتحت لافتة ضخمة احتوت صور وسيرة المرشحين الخمسة، قال القمص ماكسيموس ماكسيموس كاهن كنيسة مار جرجس في محافظة سوهاج quot;اثق أن المرشحين الخمسة جميعهم قادرون على قيادة الكنيسةquot;، مضيفًا quot;لكن اهم شيء أن يكون البابا الجديد محبًا ومخلصاً ويعاملنا جميعًا مسيحيين ومسلمين بالحنان والحب والابوةquot;.

أمن وتنظيم
واتخذت قوات الأمن المصرية إحتياطات أمنية مكثفة ومشددة في شارع رمسيس، الذي يقع فيه مقر الكاتدرائية، وإنتشرت قوات الأمن المركزي في محيط الكنيسة، إضافة إلى انتشار كثيف لشرطة المرور، فيما تولت إدارة الكشافة والأمن الخاص بالكنيسة عملية التأمين بالداخل، ومُنع الصحافيون والإعلاميون من ولوج قاعة الإنتخابات.
ونظمت فرق الكشافة سير عملية الاقتراع الكنسي، حيث وقف عشرات من الفتيان والفتيات بملابس بيضاء وسماوية اللون يدلون المصوتين على خطوات عملية التصويت. وقال شاكر طلعت، أحد المتطوعين في فريق الكشافة quot;نحن دوماً ننتخب البابا في اوقات حرجة للوطن، فقد تم انتخاب آخر اثنين من زعمائنا مع بدء ولاية رئيسين للجمهوريةquot;. وتابع شاكر بينما كان ينظم الدخول على بوابة الكاتدرائية quot;لا نريد سمات معينة في البابا... فالرب هو من يختاره لناquot;.

أوقات حرجة
تأتي انتخابات البابا الجديد للاقباط في ظل اجواء من التوتر والقلق التي يعيشها المجتمع القبطي خاصة مع وصول التيار الاسلامي للحكم. وقال القمص بشوي امام خيمة الاقتراع quot;انتخاب البابا يأتي في وقت حرج للأقباط وللوطنquot;.
وتكررت حوادث العنف الطائفي في الفترة التي تلت سقوط الرئيس المصري السابق حسني مبارك في شباط/فبراير 2011، وشهدت تلك الاحداث في غالب الاحيان سقوط قتلى. واصيب خمسة اقباط مساء الاحد في اشتباكات محدودة حدثت في محافظة بني سويف جنوب القاهرة بسبب منع متشددين مسلمين لأقباط من الصلاة في كنيسة قريتهم.
وقال القمص بطرس امساك الذي جاء من كنيسة مار جرجس في السويس للتصويت quot;نريد من البابا الجديد أن يسير على نهج قداسة البابا شنودة الذي كان أسداً امام كل من يخطئ في حق الكنيسة ورعاياهاquot;. واضاف quot;نحن نريد أن نعيش في سلام بلا تفرقة بين المسلمين والمسيحيين... الله محبةquot;.

وقال القمص بقطر نسيم من ابرشية نجع حمادي في الصعيد فور انتهائه من التصويت quot;اي ثورة تعقبها متغيّرات وعدم استقرارquot;، مضيفًا quot;لا بد أن نصبر ونتحمل ونعطي فرصة للحكومة كي تنفذ مشروعهاquot;. ويأتي انتخاب البابا الجديد بعد اشهر من انتخاب محمد مرسي رئيسًا للبلاد ليصبح اول رئيس اسلامي يتولى سدة الرئاسة في تاريخ مصر الحديث.

وقال الاكليركي كورولوس اسطفانوس quot;نتمنى أن يعمل البابا والرئيس معًا من اجل مصلحة البلادquot;، مؤكداً أن quot;حل الاحتقان الطائفي ليس في يد البابا لكن في يد رئيس الجمهورية الذي يجب أن يوحد المصريينquot;. وتحظى عملية انتخاب بابا الاقباط بتغطية اعلامية كبيرة سواء من الاعلام المصري أو الاجنبي، لكن النقل التلفزيوني من قاعة التصويت بقي حصريًا للكنيسة التي تعيد بثه للقنوات التلفزيونية المختلفة.

وقال مصدر كنسي لـquot;إيلافquot; إن عملية التصويت تجري في هدوء وسلاسة، لافتًا إلى أن المؤشرات تؤكد تفوّق القمص روفائيل أفامينا، وهو أكبر المرشحين سنًا وخبرة، ويبلغ من العمر 70 عامًا. يحظى أفامينا بحب واحترام الأقباط من الرعايا وقيادات الكنيسة، ويتوقع أن يحصد أعلى نسبة من الأصوات من بين المرشحين الثلاثة.
أضاف المصدر أن حصول أي مرشح على أعلى الأصوات لا يعني فوزه بمنصب البابا، مشيرًا إلى أن المرشحين الثلاثة الأعلى أصواتًا سوف يدخلون تصفية القرعة الإلهية، التي قد يفوز فيها الأقل حصولًا على الأصوات، كما حدث في إنتخابات العام 1971 عندما فاز الأنبا شنودة بمنصب البابا، على الرغم من أنه لم يحصل على أعلى نسبة من الأصوات بين منافسيه.

تعديل لائحة الإنتخابات
وقال المصدر إن الكنيسة أصدرت تصاريح إعلامية لنحو 45 قناة فضائية أجنبية ومصرية وكنسية، إضافة إلى ثلاثين صحيفة مصرية وأجنبية، لمتابعة الإنتخابات من داخل الكاتدرائية، فضلًا عن آلاف الصحافيين والإعلاميين الذين يتابعون التصويت بشكل غير رسمي.

وقال المصدر إن البابا الجديد ملتزم بتعديل لائحة 57 لانتخاب البابا لتوسعة دائرة الناخبين، مشيرًا إلى أن المرشحين وقعوا على إقرار بالإلتزام بتعديل اللائحة في حالة فوز أي منهم بالمنصب، وذلك لإزالة الحرج عن البابا المقبل، لاسيما أن البابا شنودة الراحل كان يرفض تعديلها، حتى لا يقال إنه يمهد لاختيار خليفة له من المقربين منه. غير أن المصدر أشار إلى أن جميع قيادات الكنيسة مقتنعة تمامًا بأن اللائحة بحاجة إلى التعديل والتطوير.

مراقبة وإشراف
للمرة الأولى في تاريخ الكنيسة القبطية، تراقب مؤسسة حقوقية إنتخابات البابا. فقد وافقت الكنيسة على أن تتابع شبكة quot;مراقبون بلا حدودquot; التابعة لمؤسسة عالم جديد للتنمية وحقوق الانسان الانتخابات الباباوية في مقر الكاتدرائية المرقسية في العباسية.

وأصدرت الشبكة تقريرًا حول أعمال المراقبة، أشادت فيه بالتزام الكنيسة طوال مراحل تنظيم الانتخابات بالشفافية في إعلان بياناتها في مقرات مفتوحة لوسائل الإعلام، وتنقية ومراجعة جداول الناخبين، واستبعاد من لا تطبق عليهم كل الشروط للادلاء بالتصويت، كاتباع الطقوس والتقاليد الدينية كافة في الفترة السابقة على إجراء الانتخابات الباباوية، من صوم وانقطاع المرشحين للكرسي الباباوي وخلودهم للعبادة.

وأضاف التقرير أنه رصد أربعة لقاءات عقدها الناخبون قبل عملية التصويت، لترجيح اختيار ثلاثة من بين خمسة مرشحين في القائمة النهائية. وأشار إلى أنه تم فتح اللجان الانتخابية، وعددها 6 لجان، داخل قاعة واحدة في المقر الباباوي في العباسية أبوابها في الساعة التاسعة صباحًا، ولم يتم تسجيل تأخير في موعد بدء التصويت الذي يستمر لمدة 8 ساعات متصلة.

ونوّه التقرير بأن الانتخابات الباباوية تجري في مناخ هادئ وسلمي وسط حالة روحية ودينية، وتصويت حر يجري بسهولة ويسر. وأضاف التقرير أنه لم ترصد أية عمليات توجيه للناخبين خلال الساعتين الاوليين من التصويت.

غير أن التقرير إنتقد عدم إتاحة الفرصة لمتابعي المؤسسة في الساعتين الاوليين من الدخول إلى قاعة التصويت، وإقتصار متابعتها من خلال شاشة عرض ضخمة. وقد شهد الإقبال على التصويت كثافة واضحة منذ الصباح، من جانب الرهبان والقساوسة الناخبين الذين سعوا إلى التصويت في وقت مبكر قبل بدء العملية الانتخابية.