نجيب جبرائيل |
تكلم الدكتور نجيب جبرائيل، في حديث خاص لـquot;إيلافquot; عن أوضاع الأقباط في مصر في ظل رئاسة محمد مرسي، إضافة الى مواضيع أخرى منها جماعة الاخوان المسيحيين وتأثيرهافي الكنيسة.
القاهرة: هو واحد من الأسماء اللامعة في مجال الدفاع عن حقوق الأقباط في مصر، ويتصدر المشهد السياسي منذ عدة سنوات، ويقف بالمرصاد للتيار الإسلامي، يستمد بعض القوة عن غيره من النشطاء نتيجة لقربه من الكنيسة، باعتباره محامياً لها، ومدافعاً عنها في الكثير من الدعاوى القضائية أمام المحاكم المصرية. زاد دوره بعد الثورة، واتهم في أحداث ماسبيرو بالتحريض على الفتنة الطائفية ومنع من السفر، والتحريض على قتل جنود الشرطة العسكرية، إلا أنه سرعان ما ظهرت براءته، ورفع حظر السفر عنه.
إنه الدكتور نجيب جبرائيل رئيس الإتحاد المصري لحقوق الإنسان، الذي التقته quot;إيلافquot; في القاهرة في مقابلة صحافية، قال فيها إن الأقباط يعيشون أياما سيئة، بل إنها أسوأ من عهد مبارك، لاسيما في ظل صعود التيار الإسلامي ومحاولته السيطرة على السلطة في مصر، مشيراً إلى أن مساندتهم للفريق أحمد شفيق، كانت محاولة لدرء المستقبل الأسوأ عن مصر، وأضاف في الحلقة الأولى من المقابلة أن جماعة الإخوان المسيحيين التي أطلقها بعض النشطاء الأقباط مؤخراً سوف تشق الصف المصري، وتجر على الكنيسة مشاكل كثيرة غير مأمونة العواقب، ويعترف جبرائيل أن الأقباط يمتلكون النصيب الأكبر من الثروة في مصر على قلتهم العديدة، لافتاً إلى أن هذا ليس منحة من الدولة، ولكن نظراً لكفاءتهم، وغياب البيروقراطية في القطاع الخاص، وأكد أن الدولة بحاجة إلى إستثمارات رجال الأعمال الأٌقباط وليس العكس. لكنه يرى في الوقت نفسه أن الأٌقباط يعانون إضطهادا، ولا يحصلون على باقي حقوقهم السياسية بالإضافة إلى حرية العقيدة.
ألقى الأقباط بثقلهم خلف الفريق أحمد شفيق أثناء الإنتخابات الرئاسية، إلا ان منافسه محمد مرسي فاز، وأصبح رئيساً للجمهورية، بما له من خلفية إسلامية يخشون منها على أنفسهم، كيف ترى مستقبل الأقباط في ظل رئاسة مرسي؟
لاشك أن الأقباط عانوا بشكل كبير أثناء النظام السابق، وعندما شاركوا في الثورة كانوا يبغون من ذلك تحقيق الحرية لأنفسهم والشعب المصري كله، ولكن أتت الرياح بما لا تشتهي السفن، لاسيما بعد صعود التيار الإسلامي، وما تلى ذلك من تصريحات وفتاوى تعتبر الأقباط كفاراً، وتدعو إلى فرض الجزية عليهم، ثم تبع ذلك مجموعة من الحوادث الطائفية منها هدم كنائس وقتل مسيحيين ومحاولة إلزام الفتيات المسيحيات ارتداء الحجاب، ومنع وصول المحافظ القبطي إلى عمله في محافظة قنا، كل ذلك حدث في ظل سيطرة الإسلاميين على الأغلبية في البرلمان، ورغم ذلك لم يصدر بيان واحد من الإخوان أو السلفيين يعترض على ذلك، ما أثار قلق الأقباط على مستقبلهم في حالة وصول الإسلاميين للحكم، وقد حدث ما كان الأقباط يخشونه. ورغم وعد الرئيس محمد مرسي بتعيين نائب له قبطي، إلا أنّ هناك نزاعًا بين التيارات الإسلامية حول هذا الأمر، حيث إن البعض يعارضه بشدة، ما يعني أن وعد مرسي لم يكن إلا مغازلة للأقباط من أجل الحصول على أصواتهم فقط. ولا شك أنهم يشعرون بقلق بالغ على مستقبلهم في ظل رئاسة مرسي.
لكن بورصة الترشيحات لا تنقطع حول الأسماء المرشحة لشغل منصب نائب الرئيس، وبالمقابل أصدرت أنت بيانات تحذر من اختيار نائب يكون معادياً للكنيسة ولا يعبر عن جموع الأقباط، لماذا هذا اللغط والإختلاف القبطي حول نائب الرئيس؟
هناك ثلاث مشاكل تعتري هذا الأمر، الأولى تتمثل في معارضة بعض التيارات الإسلامية لتعيين نائب قبطي للرئيس، الثانية تتمثل في أنه حتى لو تم تعيين نائب قبطي، ما هي صلاحياته أم أنه سيكون منصباً شرفياً، والأخرى تتمثل في أنه يمكن تعيين نائب يكون مواليًا لحزب الحرية والعدالة، مثل الدكتور رفيق حبيب نائب رئيس الحزب، أو النائب السابق جمال أسعد أو غيرهما من الشخصيات القبطية التي تنفي وجود مشاكل للأقباط، أو إضطهاد لهم، وحتى الآن الصورة غير واضحة بالنسبة إلى هذا الموضوع.
هل تلقت الكنيسة أو رموز قبطية أية إتصالات من الرئاسة أو حزب الحرية والعدالة بشأن هذه القضية؟
لم يتصل بنا أحد حتى الآن، ونحن بصدد عمل تكتل قبطي يضم 20 منظمة وحركات قبطية، الهدف منه توجيه رسالة مفادها أن الأقباط قوة لا يستهان بها، ليس من منظور طائفي، ولكن من منطلق سياسي، خاصة أن الأقباط صارت لهم قوة سياسية كبرى بعد الثورة، لاسيما في الإنتخابات، واستطاعوا عدم حسم الإنتخابات الرئاسية من الجولة لصالح الدكتور محمد مرسي، وكانوا سببا في تقارب النتائج مع منافسه الفريق أحمد شفيق في جولة الإعادة.
البعض يرى أن هناك تناقضا واضحا في موقف الأقباط من الفريق أحمد شفيق في الإنتخابات الرئاسية أو مباركة ترشيح اللواء عمر سليمان قبل إقصائه من السباق، لاسيما أن الأقباط تعرضوا لمشاكل وأزمات كثيرة في ظل حكم العسكر الممتد لنحو 60 عاماً، ولعل آخرها أحداث ماسبيرو في شهر سبتمبر 2011، التي راح ضحيتها نحو 25 قتيلاً، في حين أنهم لم يجربوا الإسلاميين بعد؟
إذا كان الأقباط عاشوا عهوداً من السوء في ظل حكم العسكر، لاسيما حكم الرئيس السابق حسني مبارك، إلا أنهم الآن يعيشون عصراً أكثر إظلاماً وأكثر سوءا بعد الثورة، في ظل سيطرة الإسلاميين على مقدرات البلاد. الأقباط لم تهدم كنائسهم في عصر مبارك، ولم تقع حوادث قتل كبيرة باستثناء حادث كنيسة القديسين، أما الآن فيتم التعرض لمقدساتهم وحياتهم بشكل سافر، ولم يتم التحرك قانونياَ ضد أولئك الذين هدموا الكنائس أو حرقوها أو قطعوا أذن القبطي أو الذين منعوا المحافظ القبطي من ممارسة عمله. وليس هذا ترحماً أو اشتياقاً لعصر مبارك. ومن هذا المنطلق كان إنتخابنا للفريق أحمد شفيق، إنطلاقاً من الإختيار بين السيئ والأسوأ، فلم نكن لنختار الدولة الدينية، على الأقل الفريق شفيق رأى بعينه ما حصل للرئيس السابق حسني مبارك، واقتلاع أكبر قلعة فساد في الشرق الأوسط، فكان يشعر أن هناك قوة كبيرة تستطيع إقتلاعه من مكانه إذا لم يحكم بالعدل بين الناس، ويقيم الحقوق لأصحابها. ولكن الإخوان ظلوا لأكثر من 80 عاماً بانتظار هذه الفرصة، وكانوا ومازالوا يلعبون بعاطفة الدين على المصريين، ولاسيما في صعيد مصر ومن أجل التكويش على السلطة، وليس من السهل إقتلاعهم من الحكم. وهذا ما يحدث حالياً فهم يحاولون الإستحواذ على السلطة التشريعية والتنفيذية ويهاجمون المجلس العسكري، والقضاء، لم نر في أي عصر من العصور هذه الهيمنة التي يحاول الإخوان المسلمون فرضها على مصر وشعبها ومقدراتها.
بذكر جماعة الإخوان المسلمين يتبادر إلى الذهن جماعة الإخوان المسيحيين التي أنشأت من قبل مجموعة من النشطاء الأقباط مؤخراً، كيف ترى الإجراء في ظل هذه الأجواء؟
جبرائيل يعتبر أن جماعة الإخوان المسيحيين ستجلب المتاعب للكنيسة |
أعتقد أن هذه الجماعة هي ردّ فعل على هيمنة الجماعات الإسلامية وسيطرتها على الأوضاع في مصر، وأعتقد أنها تحمل رسالة لجماعة الإخوان المسلمين مفادها quot;أنتم ونحنquot;، وأنا شخصياً لا أوافق على قيامها، لأنها تشق الصف المصري، رغم أن مصر ما زال بطنها مفتوحا، ولا نريد أن يكون الأقباط عبئا على القوى الوطنية التي صارت شبه موحدة الآن ضد التيار الإسلامي. ما يدعو إلى الدهشة أن أول برقية تلقتها جماعة الإخوان المسيحيين كانت من المتحدث الرسمي باسم الدعوة السلفية، الشيخ خالد سعيد وبعض القيادات السلفية، وكأن لسان حالهم يقول: quot;خيراً ما فعلتم، لأنكم أعطيتمونا الشرعية لنمارس عملنا نحن أيضاًquot;. وأعتقد أن هذه الجماعة يمكن أن تجر الكنيسة إلى ما لا تحمد عقباه، مثل اتهام الكنيسة بأنها تحشد الأسلحة والقول إن لها ذراعا سياسيا وذراعا عسكريا وذراعا يضم ميلشيات، كما أنها تجر أقباط المهجر إلى إتهامات بأنهم مصدر تمويل هذه الجماعة. ولا أتوقع ألا يكون لها وجود قوى على أرض الواقع. لذا أعتقد أن هذه الفكرة جانبها الصواب وأصابتها العجلة، وأرى أنه من المهم أن ينضم الأقباط إلى الأحزاب السياسية، أو يقيموا تكتلا مع المنظمات المدنية.
إستطاعت الثورة إخراج الأقباط من عباءة الكنيسة ووصايتها، وصار لهم وجود سياسي قوي، ألا يتناقض ذلك مع المخاوف التي يطلقها البعض عن مستقبلهم بسبب التيار الإسلامي، لاسيما أن الأقباط وضحت قوتهم للعيان أثناء الإنتخابات الرئاسية؟
لم يكن للأقباط يد لوجودهم تحت عباءة الكنيسة طوال ثلاثة أو أربعة عقود من الزمن، كما أن الكنيسة نفسها لم تسع لذلك quot;لا هذا أخطأ ولا أبواهquot; كما يقول الكتاب المقدس، ولكن هذا الأمر حدث نتيحة لأن الأنظمة السابقة كانت تريد دائماً اختزال الأقباط في شخص رأس الكنيسة وهو البابا فقط، لسهولة الحوار معه، بدلا من التحاور مع جماعات أو رموز قبطية مدنية، وكان هذا سائدا في عهد عبد الناصر والسادات ومبارك، وأرى أن هناك محاولات للسير على النهج نفسه. وعندما شارك الأقباط في الثورة كانوا يهدفون إلى الحصول على الأهداف التي رفعتها الثورة، وهي quot;عيش حرية كرامة إنسانية عدالة إجتماعيةquot;، وخرجوا من أجل تحقيق حلم أن الوطن للجميع. ولا ننكر أن بعض الكهنة ما كانوا يرغبون في ذلك، وكانوا يتمنون أن يظل الأقباط في جعبتهم، ربما نوع من الخوف والقلق، وربما لا يريدون سلطة الكهنوت، وكنا نشعر بذلك عندما نريد عقد اجتماع في الكنيسة، فكانوا يرفضون ويريدون أن يكونوا هم أصحاب الدعوة للإجتماع وأصحاب الرأي المشورة. وكان خروج الأقباط من عباءة الكنيسة جزءا من خروج الشعب كله من عباءات مختلفة سواء الأزهر أو الإخوان.
ما دام الأمر كذلك لم القلق والخوف، إذا كان الجميع ينشد الحرية والعدالة الإجتماعية، لاسيما أن الثورة منحت الأقباط الكثير من الحقوق التي كانت مسلوبة منهم وحررتهم من أسر الكنيسة؟
للأسف الشديد، الثورة منحت الأقباط حقوقاً، ولكنها مثل الصكوك، أو الشيك الذي لا يقابله رصيد في البنك، فهذه الحقوق لا وجود لها على أرض الواقع، فمثلاً رغم مرور أكثر من عام ونصف العام على اندلاع الثورة لم تبن كنيسة واحدة، نعم أعيد بناء كنيسة، ولم نر تعيين محافظ قبطي مثلاً، أعتقد أن الحقوق التي حصل عليها الأقباط من الثورة لم تترجم على أرض الواقع.
تحاول مجموعة من الرموز والتيارات السياسية الليبرالية إنشاء ما يسمونه quot;التيار الثالثquot;، من أجل تحقيق التوازن بين التيار الإسلامي والعسكر في مصر، باعتقادك هل يستطيع هذا التيار تبني مطالب الأقباط؟
دعنا نتفق على أن مطالب الأقباط لن يحصلوا عليها في إطار طائفي، ولا يمكن أن يصلوا إليها عبر أفراد أو جماعات مسيحية فقط، بل مطالب الأقباط داخل منظومة المواطنة، لا يمكن للمواطن القبطي أن يحصل على حقه إلا إذا دعمه فيه المواطن المسلم، والعكس أيضاً، ولا بأس بالتيار الثالث إذا كان سوف يطالب بحقوق الأقباط في إطار منظومة المواطنة، وإذا كان هذا التيار سيعمل من أجل أن تكون مصر لجميع المصريين، فهذا أمر جيد، لكن أن يعمل تيار سياسي معين على الإستحواذ على كل شيء فهذا ما نرفضه مطلقاً. وطالما أن الأحزاب القائمة والتيارات الحالية لم تقدم أي شيء، فلنجرب التيار الثالث.
لكن البعض يرى أن الأقباط على أقليتهم العددية يمتلكون نحو 70% من الثروة في مصر، ويسيطر رجال الأعمال المسيحيون على القطاعات المهمة في البلاد مثل الأدوية والمجوهرات والإتصالات، ما مدى دقة هذا الحديث؟
ليس من العيب أن يستأثر الأقباط أو بعض رجال الأعمال الأقباط على نصيب كبير من السوق المصرية، وهذا ليس منحة من الدولة، وإنما يعكس أن الأقباط لديهم كفاءات، وأن تتجلى تلك الكفاءات في القطاع الخاص، لأنه يخلو من البيروقراطية، وليس هناك عوائق تقف أمام إبداعهم، ولذلك ظهروا في قطاعات عدة مثل قطاع الخدمات الطبية وهناك أقباط يمتلكون مستشفيات، أو الإتصالات مثل المهندس نجيب ساويرس. وأعتقد أن الدولة بحاجة إلى هذه الكفاءات الإقتصادية، فهم لن يخسروا لو سحبوا إستثماراتهم من مصر وذهبوا للخارج، بل سوف تخسر الدولة. ولذلك هي حريصة على استمرارهم. ورغم الإنتعاش الإقتصادي للأقباط، فإنهم يعانون إضطهادا حكوميا، ولا يحصلون على حقوقهم السياسية، فحقوق الإنسان ليست الحقوق الإقتصادية فقط، بل حقوق سياسية وإجتماعية.
التعليقات