لندن: أخذ الصراع على السلطة بين الرئيس المصري والقادة العسكريين يزداد تعقيدًا ليشيع البلبلة بين المصريين عمن يمسك دفة البلاد وما إذا كانت القوانين وقرارات المحكمة الدستورية تسري وسط هذه الفوضى السياسية المستمرة.

وتتمثل القوة الدافعة للصراع بمحاولة الرئيس محمد مرسي اضعاف قبضة العسكر على البلد الذي حكموه طيلة ستة عقود. وابدى مرسي تصميمه على تدشين حقبة من الاسلام السياسي الذي ينظر اليه العسكر على انه تهديد لمكانة مصر الدولية ولمصالحهم الشخصية والتجارية على السواء.

وتدور الجولة الأحدث في هذا الصراع حول البرلمان الذي يسيطر عليه الاسلاميون وقررت المحكمة الدستورية بطلانه الشهر الماضي. وفي ما يبدو انه تحدٍ جريء للعسكر قرر مرسي دعوة البرلمان للانعقاد الثلاثاء. ولكن المجلس العسكري الذي أخذ على عاتقه جميع السلطات التشريعية حذر مرسي من عدم احترام قرار المحكمة الدستورية.

ويشير هذا السيناريو الى أزمة متفاقمة. ولكن في غمرة المناوشات السياسية بدا مرسي ودودا حين جلس بجانب المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، خلال حفل تخريج وجبة جديدة من الكلية العسكرية الفنية بثه التلفزيون المصري على الهواء. وبعد ساعات افادت وسائل اعلام بأن قوى الأمن سمحت للنواب بدخول مبنى البرلمان.

ونقلت صحيفة لوس انجيليس تايمز عن عصام العريان عضو البرلمان ونائب رئيس حزب الحرية والعدالة، الجناح السياسي لجماعة الاخوان المسلمين، quot;ان المؤسسة المنتخبة ستعود للقيام بدورها الدستوري والجيش سيعود الى ثكناتهquot;. وتساءل العريان quot;ايهما افضل، ان يعود البرلمان المنتخب أم يواصل الجيش استخدام سلطات ليست من اختصاصهquot;.

ويرى مراقبون ان هذا قد يثبت كونه تساؤلا جسورا. إذ أكدت المحكمة الدستورية العليا يوم الاثنين ان دعوة مرسي الى انعقاد البرلمان تخطت حدود صلاحياته. وقالت المحكمة إن قراراتها نهائية وملزمة لجميع سلطات الدولة.

ودعت جماعة الاخوان المسلمين الى اجتماع حاشد في ميدان التحرير تأييدا للرئيس مرسي يوم الثلاثاء فيما قال العسكر ان الجيش لم يلجأ ذات يوم الى اجراءات استثنائية خلال عملية الانتقال احتراما منه لإرادة الشعب.

وردد ناشطون ونواب ليبراليون الانتقادات التي وُجهت الى خطوة مرسي معلنين نيتهم في مقاطعة جلسة الثلاثاء. وقال الناشط الحقوقي حافظ ابو سعدة ان القرار الرئاسي يتنكر لدولة القانون وانه ينصح الرئيس مرسي بسحبه لأنه أقسم على احترام القانون والدستور.

ولكن الجبهة الديمقراطية لحركة 6 ابريل الشبابية ايدت مرسي قائلة ان قراره يعني ان المصريين اختاروا رئيسهم في انتخابات حرة ونزيهة. quot;وهذا يعني ان المجلس العسكري لا يمثلنا وعليه ان يغادر الساحة السياسيةquot;.

وليس واضحا كيف سيتمكن مرسي والعسكر من التوصل الى اتفاق يجنب البلاد مزيدا من الفوضى. فان عودة البرلمان الى الانعقاد ومزاولة مهامه سيوفر حليفا للرئيس يساعده في تنفيذ اجندته، وهو احتمال قد لا يجده العسكر مقبولا.

ولكن مشاكل مصر تتعدى الأزمة السياسية. فإن اشهرا من الاضطرابات انهكت اعصاب المصريين وعطلت قطاعات اقتصادية حيوية. إذ امتدت الفوضى الى السوق المالية وتضاءلت السياحة وانحسرت الاستثمارات الأجنبية وارتفعت معدلات البطالة دون ان تلوح في الأفق بوادر تحسن في بلد 40 في المئة من سكانه يعيشون على دولارين او اقل يوميا، بحسب صحيفة لوس انجيليس تايمز.

وسئم المصريون من المكائد السياسية المتواصلة والوعود الكاذبة. ويبدو ان المناورات تمضي في اتجاه ثم تنقلب بعد يوم أو يومين لتسير في اتجاه مغاير. وما هذا بمستغرب. فان مرسي انتُخب بلا دستور وبلا سلطات محددة بوضوح واصلا القصر الرئاسي وكأنه قطعة طارئة على رقعة لعبة ذات قواعد متغيرة.

ولكن الكثير من خيبة الأمل والغضب يرتبط بالصراع بين الاخوان المسلمين والعسكر على من سيكون صوته السياسي هو الأعلى في بلد أسهم في إلهام ثورات الربيع العربي.

وقال محمد قاسم (20 عاما) الطالب في جامعة الاسكندرية إن من المحبط ألا يعرف المرء ما يجري في بلده ويبدو ان مرسي يحاول ان يفرض سلطته. ونقلت صحيفة لوس انجيليس عن قاسم قوله quot;أنا مشوش بكل تأكيد لأنه كان واضحا من البداية ان مرسي كان قابلا بالتفاوض مع العسكر ولكن يبدو الآن انه يتحداهمquot;.

واضاف قاسم quot;ان من المربك ايضا ان نرى العسكر يردون رسميا. فهناك الآن طرفان مسيطران يتصارعان في ما بينهما، هما العسكر والاخوان المسلمون... ونحن الشعب لا نعرف أي طرف هو الأقوى في هذه المرحلةquot;.

وبدا العسكر هم الأقوى لدى تنصيب مرسي قبل اسبوعين. إذ اصدر المجلس العسكري الاعلان الدستوري المكمل الذي يجرّد الرئيس من الكثير من سلطاته وخاصة ما يتعلق بالإشراف على القوات المسلحة وأجهزة الأمن والاستخبارات. كما تحرك المجلس العسكري ليكون له دور في كتابة الدستور.

ويعمل المجلس العسكري والاخوان المسلمون على السواء من اجل إعداد دستور يخدم مصالحهما: الإسلام للاخوان وسلطة أوسع للعسكر. وإذا كان هناك مجال للتوصل الى حل توافقي وسط في القضايا السياسية فهو قد يكون اتفاق الطرفين على انتخاب برلمان جديد بعد اقرار الدستور.

والسؤال هو مدى إفصاح مرسي عن تحركاته لتحدي العسكر والقضايا التي يتحداهم بشأنها. وجاء أحد اختبارات القوة يوم الاثنين عندما اصدرت محكمة عسكرية في السويس أحكاما بالسجن من ستة اشهر الى ثلاث سنوات على ناشطين.

وتعهد مرسي الإفراج عن آلاف المصريين الذين سُجنوا بموجب احكام صادرة عن محاكم عسكرية. وقال ناشطون حقوقيون ان مرسي الذي شكل لجنة للتحقيق في عمل هذه المحاكم فوت على نفسه فرصة لتنفيذ وعده للثوار في وقت سارع الى دعوة البرلمان للانعقاد.

ونقلت صحيفة لوس انجيليس تايمز عن المحامية المختصة بقضايا حقوق الانسان راجية عمران ان من صلاحية الرئيس اصدار عفو عن هؤلاء السجناء وان القانون واضح بشأن هذه الصلاحية. ولاحظت عمران التي تقدر ان 2500 مدني حوكموا امام هذه المحاكم، ان مرسي لا يستطيع التدخل في القضايا التي ما زالت المحاكم تنظر فيها ولكن هؤلاء المدنيين صدرت احكام بحقهم.