وصول شفيق ومرسي الى جولة الإعادة وضعت المصريين أمام مشكلة الاختيار

أطلقت مصر أول انتخابات رئاسية في تاريخ البلاد، بعد الثورة التي أطاحت بنظام الرئيس حسني مبارك، وجاءت النتائج مخيّبة للكثيرين وخاصة الذين أدلوا بأصواتهم للمرشحين الليبراليين، والذين اعتبروها بمثابة كابوس قد يدفعهم الى مقاطعة جولة الإعادة.


القاهرة: لم تقم مصر فحسب بإطلاق أول انتخابات رئاسية ديمقراطية في تاريخ البلاد الأسبوع الماضي، لكنها تمكّنت كذلك من جعلها عملية انتخابية نظيفة نسبياً. وفي حديث له مع الصحافيين في القاهرة قبل بضعة أيام، قال الرئيس الأميركي الأسبق، جيمي كارتر، إن المراقبين الدوليين الذين يعملون لدى مركز كارتر لم يلحظوا سوى خروقات بسيطة أثناء الانتخابات، وأنه لم تكن هناك أشياء خطيرة تؤثرفي النتيجة.

وقد بدا أن الحماسة كانت مرتفعة، فيما تحدثت اللجنة العليا للانتخابات عن نسبة إقبال مرتفعة نسبياً. وفي هذا الصدد، رأت مجلة quot; التايم quot; الأميركية أن المرشحين اللذين حصلا على أعلى نسبة تصويت، وسيخوضان جولة الإعادة يومي الـ 16 والـ 17 من الشهر الجاري، هما الأكثر استقطاباً، سواء مرشح الأخوان المسلمين، دكتور محمد مرسي، أو آخر رئيس وزراء للبلاد في عهد مبارك، الفريق أحمد شفيق.

وفي تصريحات أدلى بها للمجلة، قال عادل السبكي، وهو صاحب سوبر ماركت في القاهرة، والابتسامة تعلو وجهه:quot;إنها مهزلة. وأنا منحت صوتي لحمدين صباحي مرشح القومية العربية. والآن نحن أمام إما النظام القديم أو جماعة الأخوان المسلمينquot;.

ومضت المجلة تشير إلى أن الليبراليين واليساريين ينظرون إلى هذا السيناريو باعتباره كابوساً. فالنتيجة التي تمخضت عن الانتخابات جعلت بعض المصريين يقررون مقاطعة انتخابات جولة الإعادة، في الوقت الذي تساءل فيه البعض الآخر : أين أخطأنا ؟

وأوضح حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، أن لديه نظريتين في هذا الشأن، حيث قال إن العامل الأبرز في نتيجة الانتخابات المصرية قد يكون فشل الإستراتيجيات الخاصة بالوسطيين وأنصارهم الخاسرين. فحمدين صباحي وعبد المنعم أبو الفتوح، الإسلامي المعتدل، كانا خيارين مماثلين لبعضهما البعض بالنسبة إلى أي أحد.
أما النظرية الثانية فتتمثل، على حسب قول نافعة، في غياب التعاون بين تلك القوى التي يطلق عليها القوى الثورية. وأضاف قائلاً: quot;إن كانوا قد نسقوا وصوتوا في اتجاه واحد، بدعمهم إما أبو الفتوح أو صباحي، لكان أحدهم في جولة الإعادة الآنquot;.

ثم مضت المجلة تشدد على أهمية المسألة المتعلقة بـ quot;غياب التنظيمquot;، وأوضحت أن الأرقام تبين مدى حدة المنافسة بين أبو الفتوح وصباحي. في الوقت الذي كان فيه مرسي وشفيق هما الوحيدين اللذين يمتلكان دوائر انتخابية صلبة ndash; وهي الحقيقة التي قلل من شأنها كثير من المحللين السياسيين في ما يتعلق بجدواها في الانتخابات.

فجماعة الإخوان بالنسبة إلى مرسي هي أكثر الآلات السياسية تنظيماً في مصر. ومع أن الإخوان قد يكونون أقلية في الشعب المصري الذي يقدر بـ 85 مليون نسمة، إلا انه وبعد فوزهم بالعديد من المقاعد في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، بدأوا يعلمون كيف يجذبون الناخب لصندوق الاقتراع. وقد قام أنصارهم يوم الانتخابات بحشد المواطنين المترددين وإرشادهم إلى مراكز الاقتراع الخاصة بهم. كما جاء ترشح مرسي ليروق للسلفيين المحافظين، الذين خرج مرشحهم من السباق قبل بدء الانتخابات.

في حين أكد محللون أن شفيق، قائد سلاح الطيران السابق وآخر رئيس وزراء في عهد مبارك، يحظى بقاعدة مؤيدين أوتوماتيكية أيضاً: متمثلةً في المصريين الذين لم يؤيدوا الثورة مطلقاً وكذلك القوات المسلحة القوية. وعاود نافعة ليقول: quot;وقفت كل أجهزة الدولة خلف شفيق. ربما لم يكن هناك تدخل مباشر، لكن ربما حصل كل الذين سبق لهم الالتحاق بالجيش على تعليمات بالتصويت له، وهذا أمر ممنوعquot;.

بيد أن التايم أوضحت أنه ليس هناك من شك في أن شفيق ضرب أيضاً على وتر حساس مع ملايين المصريين الذين يقولون إنهم سئموا من تردي الاقتصاد وتراجع الأمن العام منذ سقوط مبارك. فيما يعول كثير من الفقراء على كفاءة شفيق، وقدرته على إعادة الأمن إلى الشارع. وبالنسبة إلى الأقلية المسيحية، ولكثير من العلمانيين الذين يخشون من فرض الإسلاميين هيمنتهم، فإن شفيق يعتبر الخيار الأمثل لهم.

وأعقبت المجلة بلفتها لحالة الحيرة التي تهيمن الآن على كثيرين قبيل أيام من بدء جولة الإعادة، موضحةً أن كثرا من المصريين الوسطيين في ورطة، فهل يستخدمون أول انتخابات رئاسية ديمقراطية في البلاد لانتخاب رجل مماثل للرئيس الذين أطاحوا به، أو يجازفون باختيار حكومة إسلامية قد تسعى إلى كتابة الدستور المصري الذي سيصاغ عمّا قريب بطريقة أكثر محافظة وبالتالي تتغير معه طريقة حياتهم ؟

وختمت التايم بتكهنها أن الأسبوعين المقبلين من المحتمل أن يكونا محتدمين، في الوقت الذي بدأ يتحضر فيه كلا المرشحين لخوض جولة جديدة من الدعاية الانتخابية، بينما يتناظر المصريون في ما بينهم بشأن ايجابيات وسلبيات كل واحد منهم. وأكدت أن رئيس مصر القادم، أياً كان هو، سيواجه قدراً كبيراً من المعارضة.