أطفال عراقيون يتحدرون من أسر غنية يقودون السيارات للتباهي، وآخرون فقراء ترغمهم ظروفهم المعيشية على قيادة المركبات كجزء من مهام عملهم، وفي الحالتين خرق لقوانين السلامة أولًا وقبل أي قانون آخر.


بغداد: تزداد أعداد السيارات في العراق لا سيما الحديثة منها، ويزداد معها عدد السائقين ممن لا يحملون رخص قيادة، بمن فيهم الاطفال والفتيان، الذين اصبحوا يشكلون بقيادتهم السيارات ظاهرة لافتة للنظر، خصوصًا عندما يرى الانسان اطفالًا في سن 12 و13 عامًا يقودون السيارات في اوقات الازدحام.

بات امرًا اعتياديًا أن تقتني الأسر العراقية السيارة الحديثة، وأن تسمح للأطفال بقيادتها، بل وأن تشجعهم على ذلك. ولم تعد ظاهرة الاطفال والفتيان خلف مقود السيارة تشكل استثناءً، في وقت تعجز فيه السلطات المرورية عن لجم هذه الظاهرة على الرغم من حصول الكثير من حوادث السير. فوزارة التخطيط العراقية أعلنت أخيرًا أن ما يزيد عن ألفي عراقي يقتلون بسبب الحوادث المرورية في كل عام.

موت وعجز دائم

وعلى الرغم من أن حسنين كامل (13 سنة) كان يقود سيارته تحت اشراف ومراقبة ابيه، غير أن ذلك لم يمنع اصابته بإعاقة دائمة بسبب اصابة بالغة في الظهر جراء انقلاب السيارة، فتحول انسانًا عاجزًا.

أما التاجر شاكر فاضل فيشير إلى أن ابنه ( 16 سنة ) راح ضحية حادث مروري مروع جنوب بغداد على الطريق الدولي، حين قاد السيارة من دون علمه مع صديق له ليصطدم بشاحنة، ما ادى الى وفاته في الحال.

يقول ضابط المرور حاتم محمد إن الكثير من الاطفال راحوا ضحية قيادة المركبات من دون رخصة، ويشير الباحث الاجتماعي احمد مطشر الى أن الظاهرة تتركز بشكل خاص بين الأسر الغنية، إذ تتوفر سيارات حديثة وبتقنيات متطورة، ما يشجع الطفل أو الفتى على قيادتها.

أرادته رجلًا فأردته

احد ضحايا هذه الحوادث المرورية الطفل يعقوب حميد ، فقد ارتأت امه أن يتعلم السياقة بسبب الحاجة الماسة الى السيارة في البيت، وهي ترى أن على يعقوب أن يأخذ دوره كرجل في البيت بعد موت ابيه.

تقول ام يعقوب: quot;كنت ارى أن إحدى علامات الرجولة هي سرعة تعلمه للسياقة، لأن هناك حاجة مستمرة للسيارة في البيت. لكن انقضى الأمر ،وراح يعقوب ضحية اعتقاد خاطئquot;.

وبحسب السائق جاسم العيتاوي، الذي قضى نحو ثلاثين سنة في سياقة المركبات، quot;منظر الطفل خلف المقود علامة من علامات الفوضى المرورية في العراقquot;. يضيف: quot;كانت السياقة في يوم من الايام مهنة لها اعتباراتها وقيمها وأصولها، لكنها تحولت اليوم الى سلعة رديئة يتداولها كل من هب ودبquot;.

يرد العيتاوي هذه الفوضى إلى غياب نظام مروري متكامل في العراق، يعيد القطار الى السكة. يقول إن اجراء السائق للفحوصات للتأكد من خلوه من الامراض والعاهات وسلامة قواه العقلية أمر مهم جدًا للحصول على رخصة القيادة. ويتألم العيتاوي لأنه يرى اطفالًا بعمر الزهور يقودون سيارات العائلة، وآخرين يسوقون سيارة العمل.

يقودون الشاحنات

وفي مدينة النجف، يقود الفتى صبري عباس اللوري، وهو عبارة عن شاحنة قديمة لنقل الطابوق، على الرغم من أن عمره لا يتجاوز خمسة عشر عامًا.

يقول عباس: quot;لم ادخل المدرسة، ومنذ صغري أعمل في صناعة ونقل الطابوق، وأتيحت لي الفرصة لتعلم السياقة فأنا اليوم اقود اللوري الذي يحمل الطابوق بكل كفاءةquot;.

اما تقني السيارات عقيل مسلم، فيستعين بأطفال في الثانية عشرة لقيادة السيارات داخل مرآبه وخارجه.

باقر حسن ( 12 سنة ) يقود سيارة نصف نقل (بيك-أب) ناقلًا المنتجات الزراعية إلى السوق، كما يحمل على ظهر المركبة النساء والرجال. ويعترف باقر أن السياقة أصبحت مهنته منذ كان في الحادية عشرة، حين سمح له ابوه بقيادة المركبة ليعينه في عمله. ويؤكد أن نحو عشرة اطفال ممن يعرفهم في القرى المجاورة يقودون المركبات الآلية.

نقص الوعي المروري

يعتقد ضابط الشرطة حسن المياح أن الحد من هذه الظاهرة يتطلب زيادة الوعي المروري ، وفرض اجراءات عقابية صارمة على الآباء الذين يسمحون لأطفالهم بالقيادة، في ظل ارتفاع مخيف لضحايا الحوادث المرورية.

لكن... يبلغ نقص الوعي المروري أو الاهمال المتعمد لقواعد المرور في بعض الآباء إجلاس ابنه في حضنه حين يقود السيارة، لكي يعلمه القيادة ويبث الشجاعة في قلبه. هذه ما يفعله كريم الطائي، الذي نجح في تعليم ابنه قيادة السيارة وهو في سن الحادية عشرة .

يقول الطائي مفتخرًا: quot;مع مرور الزمن، بدأ ابني يقود لوحده، مستعينًا بوسادة عالية يضعها فوق المقعدquot;، مصرًا على أن الامر ايجابي اذا تم تحت اشراف الاهل.

لكن متى يسمح الطائي لابنه بقيادة السيارة لوحده؟ يجيب الطائي: quot;قريبًا بعد التأكد من أنه اتقن فنون القيادة، ولم يعد هناك خطر عليهquot;.

تباهٍ مدرسي

وفي الكثير من مدارس العراق، يمكن ملاحظة انتشار الظاهرة من كثرة اعداد السيارات في الشوارع المحيطة بالمدرسة أو في الساحات القريبة منها.

يحصي المدرس رعد مقصد نحو ثمانين في المئة من السيارات الموجودة قبالة ثانوية بابل، يقول إنها تعود لطلاب لا يمتلكون رخص قيادة وفتيان دون السن القانونية التي تسمح لهم بقيادة المركبات. يقول: quot;يتسابق الطلاب على التباهي بسيارات الأسرة الحديثةquot;.

يقود الشاب هادي حسن (13 سنة ) سيارة العائلة مرتين في الاسبوع، وبعلم والده، ليصحب رفاق المدرسة معه في جولة بشوارع بغداد.