في خضم أتون الحرب الذي يستعر في البلاد، تجري في سوريا حرب بالوكالة تخاض بالـquot;ميغا بايتquot; بدلاً من الأسلحة. فعلى جانب واحد من الجبهة تقدّم إيران إلى نظام الرئيس السوري بشار الأسد quot;أدوات الدكتاتورية الرقميةquot; لتحديد مكان المعارضة ونصب الكمائن لها. أما على الجانب الآخر، فإن الولايات المتحدة تحاول حمايةالمعارضة نفسها من مثل هذه الهجمات وإعداد قنوات بديلة للاتصال.
لميس فرحات: نتائج هذه الحرب بالوكالة تؤثر في حياة العديد من السوريين ومصداقية جهود وزارة الخارجية الأميركية لتعزيز الحرية الرقمية دولياً.
لطالما كان النظام السوري مهتماً بتطوير قدراته على قمع المعارضة عبر الانترنت، وقد أرسل في السنوات الأخيرة الماضية عددًا من البيروقراطيين إلى الخارج لتلقي التدريب التقني في أماكن مثل دبي. لكن جهود الرقابة الالكترونية ظلت خرقاء وغير فعالة حتى في أوقات الانتفاضة الشعبية التي اندلعت ضده في العام الماضي.
بعد الثورة الشعبية، أعاد الأسد فتح وسائل الإعلام الاجتماعية للجمهور من أجل تحسين رصد وسحق المعارضة، واستخدم تقنيات المراقبة التي وفرتها وزارة الاستخبارات الإيرانية والأمن.
الحملة الالكترونية المتطورة، التي اعتمدتها إيران لسحق الثورة الخضراء في العام 2009، يقوم الأسد اليوم بتطبيقها في سوريا، إذ تتسلل مجموعات من الموالين للنظام إلى غرف الدردشة، ويزعمون أنهم من المعارضين للنظام من أجل جذب وتحديد مواقع المعارضة، قبل أن يتم إرسال مسلحين لقتلهم.
على عكس التقارير الأخيرة، التي تفيد بأن النظام السوري فصل البلاد عن الانترنت تماماً، يستخدم الأسد الشبكة العنكبوتية كأداة حيوية لكسب الحرب الأهلية، التي تحول جزء منها إلى ساحة الكترونية افتراضية.
هذه الحال تجعل الوقت مناسباً للولايات المتحدة لإظهار أن دعمها للحرية الرقمية يمكن أن تنقذ الأرواح، فإذا كانت تكنولوجيا الاتصالات هي الطريقة التي يمكن للولايات المتحدة أن تتدخل فيها في الصراع السوري، فلماذا لا تطلق العنان لقدراتها التكنولوجية الكاملة؟.
تتردد الولايات المتحدة في تسليح الثوار خشية من إمكانية أن تنتهي الأسلحة في أيدي الجهاديين والمتطرفين، لكن هل من الممكن اعتبار أن معدات الاتصالات خطرة بالقدر نفسه؟، على عكس الأسلحة، الاتصالات أكثر تنسيقاً وتوفر الأمان للقادة والمقاتلين في الجيش السوري.
يمكن القول إن سياسات الولايات المتحدة تركز على فكرتين تمنعان واشنطن من تأمين اتصالات أكثر أماناً وانتشاراً بين المعارضة السورية. الأولى هي العقوبات الأميركية على سوريا، التي تصعّب على معارضي النظام الحصول على الأدوات الحيوية لتتبع البرمجيات. وفي ظل ندرة الأدوات اللازمة لتفادي الرقابة الحكومية، يصبح نشطاء سوريا أكثر عرضة لفرق الموت التابعة لنظام الأسد.
أما الفكرة الثانية، فهي أن الجهة التابعة لوزارة الخارجية لتوزيع هواتف الأقمار الصناعية، وأجهزة المودم، وغيرها من المعدات للمعارضة السورية من خلال برنامج التدريب، تتمركز في إسطنبول. وتشير التقارير إلى أن هذه المعدات نادراً ما تصل إلى الخطوط الأمامية، ما يؤثر في قدرة المقاتلين وفي النفوذ الأميركي في سوريا المستقبلية.
جعلت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون حرية التواصل - سواء عبر الإنترنت، عن طريق الهاتف، أو في الساحات العامة - هدفًا مركزياً للحكم الأميركي على مدى السنوات الأربع الماضية. وتم تخصيص 30 مليون دولار لتسريع تمويل المشاريع التي تعزز حرية الإنترنت وتتجاوز الرقابة في العام الماضي.
لكن مقابل كل دولار أنفقته الولايات المتحدة على حرية الإنترنت، كانت دول، مثل إيران والصين، تنفق دولارات مقابلة لاتخاذ التدابير المضادة. أنفقت إيران نحو 1 مليار دولار على شبكة الرقابة والتتبع الداخلي للإنترنت.
ومع التخفيضات في الميزانية التي تخيّم على العديد من برامج المساعدات الخارجية الأميركية بسبب الأزمة المالية، فإن الفجوة التمويلية بين طهران وواشنطن حول هذا الموضوع من المرجّح أن تتسع.
ووصف الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي الاستثمار في الرقابة على الإنترنت في بلاده بـ quot;الحرب الناعمةquot; ضد الولايات المتحدة باعتبارها رصيدًا استراتيجيًا لحماية مصالحها الإقليمية.
يمكن أن تستفيد المعارضة السورية كثيراً من المساعدة الأميركية التقنية للتحايل على الرقابة الحكومية. لكن العقوبات على سوريا تجعل من محاولة بيع شركات التكنولوجيا الأميركية هذه البرامج إلى المعارضة السورية عملاً غير قانوني.
أما بالنسبة إلى المبلغ، الذي يقدر بـ 10 ملايين دولار في معدات الاتصالات الذي خصصته وزارة الخارجية لـ quot;مكتب دعم المعارضة السورية،quot; فمن الصعب معرفة تفاصيله، إذ رفض مسؤولو وزارة الخارجية التعليق على هذه المسألة، معتبرين أن المساعدات سرية.
ووفقاَ لتقارير من صحيفة واشنطن بوست والتليغراف، فإن المساعدات تأتي في شكل هواتف تعمل بالأقمار الصناعية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، وغيرها من المعدات التي يتم توزيعها من مكتب في اسطنبول، حيث تم توزيع 900 هاتف، إلى جانب تدريب نحو ألف ناشط على استخدام المعدات. لكن المسافة البعيدة بين إسطنبول والحدود السورية تعني أن المعدات والتدريب ليست في متناول يد الكثير من نشطاء المعارضة والمقاتلين في سوريا.
التعليقات