تعجز المعارضة السورية التي تعمل على إسقاط الرئيس بشار الأسد عن جذب الأقليات المتخوفة من مستقبل البلاد في حال سقوط رئيسها، ما يدفع بهذه الفئة الى التصادم مع الثوار.


بيروت: في الأيام الأخيرة، بدا أن التحدي الأبرز أمام المعارضة السورية في سياق مسيرتها للإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد، يكمن في إيجاد إطار جامع للحركة، يجذب الأقليات العرقية والدينية التي أحياناً تخاف من الثوار اكثر من النظام نفسه.
هذا الحال من عدم الطمأنينة والخوف الذي تشعر به الأقليات في سوريا يؤدي إلى تصادم مع القوى المعارضة في البلاد، وهو ما برز بوضوح في اشتباكات الأسبوع الماضي فى مدينة حلب بين وحدات من الجيش السوري الحر وميليشيا كردية محلية.

الاحتجاجات ضد الثوار التي اندلعت يوم الجمعة الماضي في عدة مدن ذات أغلبية كردية، أتت في أعقاب شائعات (تبين فيما بعد أنها خاطئة) تفيد بأن ثوار الجيش السوري الحر أعدموا نوجين دريك زعيمة ميليشيا قوات الدفاع الشعبي الكردية في حلب، وذلك بعد تسليم جثث لرجال من الجيش الحر قتلوا فى معركة مع مجموعتها.
اندلعت الاشتباكات بين الجيش السوري الحر، وقوات الدفاع الشعبي الكردية في 26 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي فى حي الأشرفية بحلب، وذلك بعد أن دخل نحو 200 مقاتل من الثوار إلى المنطقة التي يهيمن عليها الأكراد، معتبرين انهم سوف يقومون بالسيطرة على البلدة لإحكام قبضتهم على المدينة بأكملها.
لكن الأكراد لم يرحبوا بهذه الخطوة واعترضوا على دخول الجيش السوري الحر إلى مناطقهم التي يصرون على أن تبقى مستقلة عن الثوار السوريين، وتحت سيطرة الأكراد وحدهم.

اعتبر القادة الأكراد أن الثوار انتهكوا اتفاقاً غير مكتوب بينهم وبين الثوار بالبقاء خارج المناطق الكردية. ووفقاً لصالح مسلم من حزب الاتحاد الديمقراطي الذي تنتمى إليه الميليشيا الكردية، فإن سكان الأشرفية نظموا احتجاجاً ضد دخول الثوار وقوبلوا بوابل من الرصاص.
يقول مسلم: quot;عندما أطلقوا النار على المحتجين، لم يترك الثوار للميليشيا الكردية خياراً سوى الانتقام من الجيش السوري الحرquot;، مشيراً إلى ان الاحتجاج تحول إلى اشتباك بين الفريقين، شهد أعمالاً من القتل والأسر والطرد من المنطقة وكانت الحصيلة مقتل 30 شخصاً.
على الرغم من الهجمات وعمليات الخطف الانتقامية التي حدثت بين الفريقين في الأيام التي تلت ذلك، حاول زعماء من الجانبين نزع فتيل التوتر. زفي نهاية الأسبوع الماضي، وافق الجانبان على وقف الأعمال العدائية وتبادل جميع السجناء، بما في ذلك ديريك.

ومع ذلك، يخشى كثيرون من أن التوترات الكامنة بين الثوار والأكراد ويمكن أن تنفجر في قتال جديد، وتعزز الانقسامات الطائفية التي تقوض سلطة الثوار وتؤدي إلى تراجع في جهودهم للسيطرة على حلب، الأمر الذي سيصب في مصلحة نظام الأسد بالبقاء في السلطة.
ويؤكد مسلم أنه حتى لو قام حزب الاتحاد الديمقراطي بتسوية الخلافات مع الثوار، فإن الأكراد سيعملون على تعزيز مكاسبهم بدلاً من الانضمام إلى الهجوم ضد الأسد. ويقول: quot;لقد كنا دائما مع الثورة، لكن لدينا استراتيجيتنا الخاصة. نحن لا نريد أن نكون جزءاً من القتال. نحن ندافع عن شعبنا فقط من القوات الحكومية والجماعات المسلحة الأخرى في المنطقةquot;.

عَزم الأكراد على البقاء على الحياد في الحرب بين الأسد والثوار، يأتي مدفوعاً من أجندة سياسية تحدد المصالح الكردية، وهي منفصلة عن مصالح الثوار، فالأكراد الذين يبلغ عددهم 2 مليون نسمة في سوريا يعلمون انهم لن يجنوا شيئاً من التحالف مع المعارضة العربية التي تتجاهل المطالب الكردية للحكم الذاتي.
ويضيف مسلم: quot;مع من يجب أن أكون لمحاربة النظام؟ مع الجيش السوري الحر الذي تدعمه تركيا التي بدورها تقتل الأكراد، أو مع تنظيم القاعدة الذي يدمر كل شيء في سوريا، أو مجموعات أخرى من الثوار؟quot;
التوفيق بين العرب والأكراد يصبح أكثر صعوبة. المعارضة التي يقودها العرب ما تزال تعارض احتمال الحكم الذاتي الكردي في سوريا ما بعد الأسد. أما الأكراد، فبعد أن ذاقوا طعم الاستقلال الذاتي الجزئي لأول مرة من أجيال، فمن المستبعد أن يتخلوا عنه.