شخصيات تونسية مستقلة، وأعضاء في المجلس التأسيسي منشقون عن أحزابهم، ولفيف من الديمقراطيين والنقابيين، أسسوا quot;التحالف الديمقراطيquot; الذي رأى النور مؤخرا. الشخصيات التي تقود هذا الحزب الجديد تحظى باحترام لدى قطاع من التونسيين الباحثين عن خيار ثالث غير النهضة وفلول النظام السابق.


تونس: لا ينفك المشهد السياسي التونسي يتشكل يوما بعد يوم في أقطاب سياسية تجمع أحزابا سياسية وشخصيات وطنية، فبعد quot;نداء تونسquot; وquot;الجبهة الشعبيةquot;، وُلد الخميس الماضي قطب جديد هو quot;التحالف الديمقراطيquot;.

فإلى أي مدى سيكون هذا القطب الجديد قادرا على تشكيل خيار ثالث أمام التونسيين بعيدا عن الاستقطاب الثنائي المتمثل في حزبي quot;النهضةquot; وquot;نداء تونسquot; بالأساس؟

حراك سياسيّ

أعلنت أحزاب تونسية ونواب في المجلس التأسيسي عن تشكيل تحالف سياسي جديد يحمل اسم quot;حزب التحالف الديمقراطيquot;.

ويتألف التحالف الحزبي الجديد من حزب الإصلاح والتنمية (اسلامي معتدل)، والتيار الإصلاحي (شخصيات انشقت عن الحزب الجمهوري)، وعدد من الشخصيات السياسية، ووزراء سابقين، ومن نواب في المجلس التأسيسي وحقوقيين ونقابيين.

أوضح محمد الحامدي المنسق العام لحزب التحالف الديمقراطي في تصريح لـquot;إيلافquot; أنّ quot;التحالف الديمقراطيquot; يضم مجموعة التيار الإصلاحي للديمقراطي التقدمي وحزب الإصلاح والتنمية إلى جانب مجموعة من الشخصيات الاعتبارية على غرار مختار الجلالي وزير الفلاحة السابق والهادي بن صالح العميد السابق للمهندسين وعميد عدول الإشهاد عماد عميرة، وغيرهم كثير.

وقال الحامدي إنّ quot;الحزب في توجهه ديمقراطي اجتماعي يستند إلى الثقافة العربية الإسلامية ويتبنى أهداف الثورة ويلتزم بالمساهمة في تحقيقها واستكمال تحقيقها ويسعى إلى أن يكون ديناميكية سياسية مفتوحة وتتواجد ضمنها تيارات تشترك في التوجهات العامة وإن اختلفت في بعض التفاصيلquot;.

وأكد أنّ quot;هذه المبادرة مفتوحة وتسعى إلى المساهمة في إعادة تشكيل المشهد السياسي التونسي وتوزيعه quot;.

وأشار المنسق العام للتحالف الديمقراطي محمد الحامدي إلى أنّ quot;العلاقات بين الأحزاب السياسية يشوبها الكثير من التوتر، وبالتالي فنحن نعتقد أن خطابنا الرصين والهادئ يمكن أن نساهم به في تحجيم هذا التوتر ليس من خلال إلغاء التمايزات السياسية والتنافس بين الأحزاب بل نحن نكونّ حزبا من أجل المنافسة الجديةquot;، مؤكدا التفريق بين المنافسة السياسية التي لا تمسّ بالمشتركات بين التونسيين والخلافات التي تكاد تتحول إلى استقطابات ثقافية أو إيديولوجية قد تمسّ بهذه المشتركاتquot;، على حدّ تعبيره.

من جانبه، أوضح الناشط الحقوقي عدنان الحسناوي في تصريح لـquot;إيلافquot; أنّ هذه المبادرة السياسية جاءت في وقتها خاصة وأن جزءا من الشعب التونسي يبدو بعيدا عن التجاذبات بين حركة النهضة وحزب نداء تونس، فالنهضة تمثل حزبا يمكن أن تلتف حوله شرائح عديدة من الشعب التونسي رغم بعض الخلافات، مبرزا أهمية هذا الحزب الذي :quot;جمع بين النظرة التقدمية التي تنخرط في الحداثة لكنها لا تتصادم مع الهوية العربية الإسلامية على عكس نداء تونس وهذا ما سيجعل كثيرا من الشعب التونسي الذي لا يجد مشكلا مع هويته العربية الإسلامية ويقترب أكثر من الحداثة ينخرط في هذا الحزبquot;.

حالة احتراب

يؤكد محمد الحامدي أنّ التحالف الديمقراطي قادر على خلق توازن جديد في الساحة السياسية التونسية، ويقول: quot;نحن نريد أن نقدم خيارا جديدا للتونسيين ضد الإستقطابات الحادة التي تكاد تحول الصراع السياسي إلى صراع غير سياسيquot;.

وأوضح:quot;الرأسان الواضحان للاستقطاب الحالي يمثلهما حركة النهضة ونداء تونس ولكن ثمة خطابات أخرى ومجموعات سياسية تقع في الخطاب الإستقطابي من خلال قاعدة quot;من ليس معي فهو ضديquot; ويكاد يحوّل التنافس السياسي إلى quot;حالة احترابquot;، وهذا ما يمثل خطرا لا على الثورة التونسية فقط وإنما على السلم الاجتماعي في تونس وعلى وحدتها الوطنيةquot;.

تنافس سياسيّ... لا عداء إيديولوجيّ

تحدث الحامدي عن التقارب مع حركة النهضة موضحا أنّه quot;ليس هناك أية علاقة خصوصية مع حركة النهضة ونحن نتعامل معها باعتبارها حزبا تونسيا كما الأحزاب الأخرى، ويحكم هذه العلاقة أننا ننافسها سياسيا ولا نعاديها إيديولوجيا أو ثقافياquot;، نافيا ما يروّجه البعض من أنّ التحالف الديمقراطي قد يكون قريبا من حركة النهضة quot;لأننا أعلنا تموقعنا السياسي ونحن نعارض بطريقة لا تدفع في اتجاه هذا الاستقطاب الحاد الذي قد يهدد مصالح البلد وعلى هذه القاعدة نرسم علاقاتنا مع حركة النهضة وحتى مع نداء تونسquot;.

حول إمكانية التحالف المستقبلي قال الحامدي :quot;في السياسة التحالف أو العمل المشترك يحدد بوقته فليس هناك مجال لموقف مبدئي في هذا الخصوص، فالمسألة ليست عقائدية أو إيديولوجية، وعموما فالتحالفات الانتخابية والجبهوية ممكنة مع من يشتركون معنا في التوجهات العامة ومن نقدّر أن المصلحة تقتضي أن نتحالف معهم، كما أنّ التحالفات إثر الانتخابات لها منطق آخر وفق ما يفرزه الصندوق الذي له منطقه الخاص وفي كل هذا لن نتخلى عن قناعاتنا و ثوابتناquot;.

لحظة الفرز بعد طوفان الأحزاب

ويشير الحقوقي عدنان الحسناوي إلى أنّ كل مبادرة خاصة بعد الموجة التي تجاوزت المائة وأربعين حزبا والتي افتقدنا فاعليتها ونجاعتها في مسار الانتقال الديمقراطي التي لم تكن في مستوى الإنتظارات، لتصبح عملية التجميع في حد ذاتها عملا لإصلاح المسار الانتقالي، لأنها تعطي فرصة أكبر للنجاح وتوسيع دائرة المشاركة السياسيةquot;، مؤكدا أنّ الهدف ليس التنافس من أجل الفوز بمقاعد السلطة بقدر ما هو توسيع دائرة المشاركة في الشأن العام ، وبقدر ما يكون الإستقطاب ثنائيا تكون السيطرة لحزب دون غيره وبالتالي فما يحصل في أوروبا مثلا وعند وجود قطبين لا تتعدى نسبة المشاركة في الانتخابات الخمسين بالمائة ولكن في ظل وجود ثلاثة أو أربعة أقطاب تتجاوز نسبة المشاركة السبعين في المائة، وما نشهده اليوم في تونس شيء إيجابي جدا يعطي الفرصة للمواطنين التونسيين لحرية الاختيار والمشاركة في الحياة السياسيةquot;.

وتسعى الأحزاب التونسية التي تزايد عددها منذ سقوط نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، إلى لملمة صفوفها استعدادا للانتخابات المقبلة، حيث بادر عدد كبير منها إلى الانصهار في حزب واحد، فيما اختار البعض الآخر العمل الجبهوي.

وتعيش تونس منذ مدة على وقع احتقان سياسي بسبب الخلافات والتجاذبات بين الائتلاف الحاكم وأحزاب المعارضة حول جملة من المسائل التي تمس مستقبل البلاد، وخاصة منها تلك المتعلقة بمدنية الدولة، والعلاقة بين الدين والسياسة، وصولا إلى المواضيع المرتبطة بالحريات وحقوق الإنسان .

المسافة نفسها من كل الأحزاب

وحول إمكانية التحالف مع حزب quot;نداء تونسquot; الذي يستقطب التجمعيين ( الناشطين في حزب الرئيس السابق وهو حزب التجمع المنحلّ ) يقول الحامدي :quot;ما قلته بالنسبة إلى حركة النهضة ينسحب على بقية الأحزاب بما فيها حزب نداء تونس، ونحن في المعارضة حاليا نعارض حركة النهضة نظرا لوجودها في الحكم من خلال عديد المواقف التي نتبناها وكذلك لنا نقدنا ومعارضتنا لحزب نداء تونس، ومن حيث المبدأ ليس لنا مواقف عقائدية بقدر ما لنا مواقف سياسية نحددها، وعلى المستوى المنظور على الأقل لن يكون ذلكquot;.

وأضاف الحامدي :quot;بخصوص نداء تونس هناك خلط بين أمرين، جانب قضائي وجانب سياسي، والخلط مأتاه تأخر فتح ملفات العدالة الانتقالية، فلو فتح هذا الملف وتمت المحاسبة ووقع إنصاف المظلومين وصولا إلى المصالحة، فمن أجرم في حق التونسيين وأفسد سياسيا وماليا يجب أن يتحمل مسؤوليته، أما بخصوص الجانب السياسي فنحن نعتقد أن التونسيين لديهم من الذكاء السياسي ما يجعلهم يجازون من يريدون ويعاقبون من لا يحبونquot;.

وشدّد عدنان الحسناوي على أنّ أهمية العملية السياسية والديمقراطية تتمثل في توسيع دائرة المشاركة السياسية، وبالتالي تبدو هذه العملية إيجابية جدا، مؤكدا أنّ حزب التحالف الديمقراطي قادر على أن يكون منافسا وجديته تتمثل في مدى جدية الأطراف التي ستناضل من أجل طرح أفكاره وتبنّيها وبالتالي إنجاح مشروعهم.