في نهاية المطاف فإن laquo;إيكونوميستraquo; مجلة كغيرها تخطئ وتصيب في تحليلاتها. لكن ردة فعل حكومة باريس إزاء تقرير نشرته عن حالة الاقتصاد الفرنسي ومعانيه بالنسبة لأوروبا والعالم تشير بوضوح الى laquo;العصب الحسّاسraquo; الذي مسّته.


لندن: شن صنّاع القرار السياسي الفرنسيون حملة هجوم وُصفت بأنها laquo;حربraquo; على مجلة laquo;إيكونوميستraquo; البريطانية بعدما وصفت بلادهم بأنها laquo;قنبلة موقوتة في قلب اوروباraquo;.

وكانت المجلة قد خرجت في عددها الأسبوعي الأخير بتقرير جعلت منه موضوع غلافها الذي صممته بشكل درامي ملفت للنظر حقا. ويظهر هذا الغلاف سبعة من أرغفة خبز laquo;الباغيتraquo; الفرنسي الشهير ملفوفة معاً بشريط يحمل ألوان العلم الفرنسي - الأزرق والأبيض والأحمر - مع فتيل مشتعل يخرج من منتصفها... بحيث تبدو هذه التركيبة وكأنها أصابع ديناميت على وشك الانفجار، ثم ذيّلتها بعبارة القنبلة الموقوتة تلك.

ويخلص التقرير، الذي أفردت له المجلة هذه المجلة المحترمة على مستوى العالم مساحة من 14 صفحة، الى أن سياسة الرئيس الاشتراكي فرانسوا هولاند في ما يتعلق بخفض حجم الديون الحكومية والإنفاق العام ليست طموحة أو شجاعة بما يكفي. وقالت إن هذه الحقيقة تضيف قدرا هائلا الى المخاطر التي تحف مستقبل عملة اليورو ومنطقته - ومن ثم العالم - من كل جانب.

وتتهم المجلة - التي يبدو جليا أنها تدعم العملة الموحدة - القادة الفرنسيين بأنهم laquo;في تحدّيهم، عديم الفائدة، لقوانين الاقتصاد، ظلوا يؤجلون الإصلاحات الضرورية والعاجلة الى مواقيت صارت غير مقبولة أو ذات أثرraquo;. وأضافت أن كل هذا استحال قنبلة موقوتة مدمرة ستنفجر في وجه منطقة اليورو الأوروبية في وقت لا يتجاوز العام المقبلraquo;.

لكن صحفا بريطانية أوردت أن رئيس الوزراء الفرنسي، جان - مارك ايرو، ازدرى الأمر كله، على أنه استشاط غضبا إزاء صورة الغلاف بشكل خاص. وقال لإحدى القنوات التلفزيونية في بلاده: laquo;نحن هنا بإزاء مجلة يفترض أنها محترمة لكنها تلجأ الى الإثارة من أجل بيع المزيد من نسخها في الأكشاك. بوسعي القول إن فرنسا بأكملها غاضبة لهذا التجاوزraquo;.

ووفقا للصحف البريطانية فقد توجه ايرو، بعد هذا الخطاب المعزوف على أوتار وطنية مشدودة للغاية، الى برلين ليشرح للمستشارة الالمانية، انغيلا ميركل، الظروف التي أدت الى فقدان بلاده laquo;قوتها التنافسيةraquo; على الساحتين التجارية والمالية الدوليتين.

ومن جهته طاف وزير الصناعة الفرنسي، آرنو مونتبورغ، على مختلف الإذاعات الفرنسية للشكوى من laquo;قسوة تقرير المجلة البريطانيةraquo;. ثم أطلق حكمه قائلا: laquo;بصراحة فإن laquo;إيكونوميستraquo; لم تُعرف البتة بأنها معتدلة الآراءraquo;!

ووصل الوزير الى حد القول إن laquo;مزاعم إيكونوميست أجدر بشارلي ايبدوraquo;. وكان يشير بهذا الى المجلة الباريسية السياسية الساخرة التي تعرض مقرها للهجوم بعدما نشرت الشهر قبل الماضي رسوما كاريكاتيرية مسيئة للنبي محمد. وصبّت هذه الرسوم المزيد من الزيت على نار الغضب الذي اجتاح عددا من الدول الإسلامية في أعقاب بث فيلم laquo;براءة المسلمينraquo; على الإنترنت.

كما شنت رئيسة laquo;رابطة الموظِفينraquo; الفرنسية MEDEF، لورانس باريسو، هجوما من جهتها على إيكونوميست قائلة إن ما أتت به laquo;تقرير مبالغ فيه بشكل يتجاوز كل المعقولraquo;. وقالت: laquo;الحقيقة هي أن هذه المجلة عجزت عن اللحاق بما يدور على أرض الواقع لأن تقريرها أُعد قبل الإجراءات التي اتخذتها الحكومة (الفرنسية) من أجل الارتقاء بمستواها التنافسيraquo;.

وأضافت قولها: laquo;على أن التقرير لا يخلو من شيء من الحقيقة. وهذا يتمثل في وصف المجلة فرنسا بأنها laquo;في قلب أوروباraquo; وأن laquo;انهيارها يعني بالتالي انهيار بقية دول القارةraquo;... وهذا صحيحraquo;. على أن رئيس تحرير laquo;إيكونوميستraquo;، جون بيت، دافع laquo;على أرض العدوraquo; عن تقرير مجلته.

فقال في لقاء مع إحدى الإذاعات الفرنسية إن الغلاف laquo;صُمم فعلا لإحداث القدر الأكبر الممكن من الصدمةraquo;. ومضى قائلا إن الهدف وراء هذا كله هو laquo;التشديد على أن فرنسا صارت نفسها مشكلة اقتصادية عويصة، ويتعين عليها إصلاح الخطأ الجسيم في سياستها المتعلقة بالإنفاق الحكومي والقطاع العام وسوق العمالة. وبعبارة أخرى فالغرض من الصدمة هو تشجيع فرنسا على التحرك فورا... لأنها صارت قنبلة موقوتة في وجه أوروبا والعالم، وهذه حقيقة لا يستطيع ساستها غض البصر عنها أو دفنها تحت كومة من الخطابة والمشاعر الوطنيةraquo;.