بعد سنوات عدة كافحت فيها الولايات المتحدة ما يعرف بـ quot;الهلال الشيعيquot;، غيّرت الثورات العربية المشهد السياسي في المنطقة ومهدت لمحور جديد يظهر من خلال تحالف مسلم سني بين مصر وقطر وتركيا.


على مدار سنوات طويلة، كافحت الولايات المتحدة وحلفاؤها في الشرق الأوسط لمواجهة سلطة ما يسمى بالهلال الشيعي، وهو تحالف سياسي وإيديولوجي مدعوم من إيران التي تربط الجهات الإقليمية الفاعلة المعادية بشدة لإسرائيل والغرب.

وأتت ثورات الربيع العربي والحروب والأوضاع الإقتصادية وغيرت المشهد في المنطقة، ما يمهّد الطريق لمحور جديد يظهر من خلال تحالف مسلم سني ويتألف من مصر وقطر وتركيا.

ولعب الثلاثي دورًا قياديًا في إنهاء الصراع الذي دام ثمانية أيام بين إسرائيل وقطاع غزة، في جزء كبير منه من خلال تبني حماس وجذبها أكثر بعيداً عن ساحة إيران وسوريا وحزب الله، وتقديم وعود بالنفوذ الدبلوماسي والمساعدات الضخمة.

فرص لعزل إيران

بالنسبة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل، تقدّم ديناميات التحول فرصة لعزل إيران، والحد من قدرتها على الوصول إلى العالم العربي، كما تجعل من الصعب على طهران تسليح عملائها على حدود إسرائيل.

لكن المكاسب اختلفت أيضاً، ففي حين أن هؤلاء القادة السنة على استعداد للعمل مع واشنطن، على عكس الملالي في طهران، إلا أنهم يعززون الراديكالية الدينية القائمة على الإيديولوجية التي غذت المشاعر المعادية للغرب في جميع أنحاء المنطقة.

حماس، التي تلقّت خلال العام الماضي دعماً عسكرياً تضمن الصواريخ الإيرانية الصنع التي وصلت إلى المدن الشمالية لإسرائيل، أعلنت قطع حبل السرة مع المحور الإيراني في الشتاء الماضي، بعد أن دعمت علناً الثورة ضد الرئيس السوري. وجاء التقارب مع محور مصر وقطر وتركيا في خريف هذا العام.

سوريا... المعركة الفاصلة

وفي سياق تحليلها، أشارت صحيفة الـ quot;نيويورك تايمزquot; إلى أن المحور السني الجديد يملك أصولاً ويقدّم مكاسب أكثر من إيران - سياسياً ودبلوماسياً ومادياً، وفقاً لروبرت مالي، مدير برنامج الشرق الأوسط في مجموعة الأزمات الدولية.

فالنزاع في غزة يساعد على توضيح كيف تطورت التحالفات الشرق أوسطية منذ الموجة الإسلامية التي تطيح بحكومة تلو الأخرى ابتداء من كانون الثاني (يناير) 2011، فإيران لم ترغب في وقف إطلاق النار، في حين أصرت مصر وقطر وتركيا على الاستقرار في المنطقة.

لكن النضال من أجل سوريا هو المعركة الفاصلة في المنافسة السنية - الشيعية على المنطقة، لأن الفائز يكسب مفترق طرق استراتيجيا.

في الوقت الحالي، يبدو أن المد يتحول ضد إيران التي تخشى أن تفقد سوريا كشريكها الرئيس في العالم العربي. والمعارضة التي يقودها السنة في الأيام الأخيرة قطعت أشواطاً بعيدة ضد الحكومة، ما يهدد حكم آل الأسد الذي استمر منذ 40 عاماً وتحالفها الطويل مع إيران.

واعتبرت الصحيفة أن سقوط الأسد من شأنه أن يسبب بعزلة إيران وحزب الله كتحالف شيعي مسلم في quot;الشرق الأوسط الأكثر طائفية منذ أي وقت مضىquot;، كما أنه سيقوض مصداقية هذا المحور الذي يحاول إثبات نفسه بصفته quot;القلب النابض للمقاومة العربيةquot;.

ذهول أميركي

لكن هذه التحولات تترك الولايات المتحدة مشوشة وفي حالة ذهول إلى حد ما، والسبب هو الغموض الذي يلف التطورات في المنطقة وعدم القدرة على معرفة ما سينتج منها.

فواشنطن فقدت الزعماء الذين اعتمدت عليهم في السابق لفرض إرادتها في المنطقة، مثل الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، وتشعر اليوم بالارتباك من حيث معرفة كيفية التعامل مع هذا النموذج الجديد الذي يؤدي إلى مجتمعات طُبعت بإيديولوجيا دينية تجد الولايات المتحدة صعوبة في قبولها.

والواقع الجديد في الشرق الأوسط يعني أن إيران ضعيفة، لكنه يعني أيضاً وجود مجتمعات دينية محافظة وأقل تمسكاً بالولايات المتحدة.

بالفعل، تم تمكين الإسلاميين في مصر وليبيا وتونس، بينما تسيطر الأغلبية السنية على المعارضة في سوريا، بما في ذلك عدد متزايد من الجهاديين والمتعاطفين مع تنظيم القاعدة. كما أن قطر، التي تستضيف قاعدة عسكرية للولايات المتحدة على اراضيها، تساعد في تمويل الإسلاميين في جميع أنحاء المنطقة، وفقاً للـ quot;نيويورك تايمزquot;.

أرق الحلفاء القدامى

المحور السني الناشئ لم يضع الزعماء الشيعة في وضع غير مؤات وحسب، بل يؤرق أيضاً قادة المدرسة القديمة المتحالفة مع واشنطن. ويكافح أعضاء الحرس القديم في السلطة الفلسطينية من أجل إثبات وجودهم بعد فشل 20 عاماً من السعي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.

quot;حماس تقول دائما إنها مستقبل التغييرات في المنطقة نظراً لطبيعتها الثورية، وإنها جزء من الجماعات السياسية الدينية التي تفوز في دول الربيع العربيquot;، يقول غسان الخطيب وهو مسؤول في جامعة بيرزيت ومتحدث سابق باسم الحكومة.

ومن المفترض أن يقف زعيم السلطة الفلسطينية، محمود عباس، أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة يوم الخميس لطلب الاعتراف بفلسطين كدولة غير عضو. ومن المتوقع أن يمرّ القرار، على الرغم من أن المحللين ينظرون إليه على أنه إنجاز خجول ومتأخر جداً في مواجهة المزاج الإقليمي الجديد.

ومن المعروف عن الرئيس المصري السابق حسني مبارك عدائيته للإخوان المسلمين، ومواقفه الركيكة تجاه الهجوم الإسرائيلي على حماس، التي تعتبر فرعاً من جماعة الاخوان المسلمين في فلسطين. أما الرئيس المصري الحالي محمد مرسي، فمواقفه لا تختلف كثيراً عن سلفه، على الرغم من تغيّر لهجته، وإرساله عددا من الوزراء لرفع الروح المعنوية في غزة.

حل الدولتين أم هدنة

مصر وقطر وتركيا تريد منطقة شرق أوسط أكثر استقراراً، الأمر الذي يتطلب وضع حد للاحتلال الإسرائيلي. لكن الحكومات الاسلامية الجديدة لا تتحدث كثيراً عن حل الدولتين، لذلك يعتقد بعض المحللين ان الحل المنطقي هو عقد هدنة طويلة الأمد على الأرجح.

quot;فيما تقترب حماس من تركيا ومصر وقطر، سوف تكون أضعف كحركة مقاومة لأن هذه الدول الثلاث لا تريد المقاومة بل الاستقرارquot;، وفقاً لطلال عتريسي وهو أكاديمي لبناني متخصص في العلاقات العربية الإيرانية.

من البديهي أن تلك البلدان لن تقوم بتزويد حماس بالأسلحة، ولذلك فإن حماس سوف تحافظ على علاقاتها مع طهران. وقال خالد مشعل، زعيم حركة حماس، في حديث لقناة quot;سي ان انquot; الاخبارية إن العلاقات مع إيران quot;ليست كما كانت عليه في الماضي، لكن ليس هناك قطع للعلاقاتquot;.