الناشطة الحقوقية اليمنية توكل كرمان

كشفت ثورات الربيع العربي النقاب عن عيوب المحكمة الجنائية الدولية وسقطاتها حيال التعامل مع رؤساء دكتاتوريين شنّوا أبشع الحملات الدموية ضد شعوبهم، وأفلتوا من العقاب.


بيروت: أوردت صحيفة الـ quot;نيويورك تايمزquot; تقريرا عن عيوب المحكمة الجنائية الدولية، أشار إلى أن الناشطة الحقوقية اليمنية توكل كرمان، الحاصلة على جائزة نوبل للسلام لعام 2011، توجهت إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي لمطالبة القضاة بالتحقيق مع الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، لشنّه حملات مميتة ضد حركات المعارضة، ما أسفر عن مقتل المئات من اليمنيين وإصابة آخرين.

لكن المحكمة أبلغتها بضرورة موافقة مجلس الأمن الدولي لإجراء تحقيق من هذا القبيل.
موافقة مجلس الأمن الدولي لن تحدث أبداً فيما يعيش عبد الله صالح الآن بكل حرية في العاصمة اليمنية صنعاء، ولا يزال يحظى بنفوذ معقول. ويشهد العالم بأسره حالياً دليلاً واضحاً وملموساً على ارتكاب مجازر دموية ضد الشعب السوري من قبل قوات الرئيس السوري بشار الأسد، لكنه يقف مكتوف الأيدي، في ظل إشارات تفيد بأن الأسد سيفلت من الملاحقة الجنائية كما أفلت صالح.

السبب وراء عدم تقديم الرئيسين للمحاكمة يكمن في علاقتهما بحلفاء أقوياء، ما يؤكد ما يقوله بعض النقاد أن هناك سقطات خطيرة في هيئة المحكمة، تهدد بتقويض الإجماع الدولي الذي لا يزال هشاً إزاء مبدأ تشكيل المحكمة في العام 2002 يقضي بمساءلة القادة في حال ارتكاب جرائم ضد شعبهم.
ونقلت الصحيفة عن رامي نخلة الناشط السوري المنفي، وعضو المجلس الوطني السوري، قوله quot; لدينا إحساس بأن العدالة الدولية لا يحكمها القانون بل السياسة والظروف. إنها تعتمد على مدى أهمية الشخص وهذه ليست عدالة حقيقيةquot;.

المحكمة الجنائية الدولية تطبق ما يسمى بمفهوم العدالة فقط على قادة منبوذين، بما في ذلك مجموعة من المسؤولين الأفارقة في الدول الضعيفة.
منذ تأسيس المحكمة الدولية، فتحت تحقيقات متعددة في جرائم دولية، وحجزت 3 قادة سابقين في المحكمة الدولية، وأُدين واحد، وهو تشارلز تايلور، بارتكاب جرائم حرب.

وتشير الـ quot;نيويورك تايمزquot; إلى أن قادة دول الشرق الأوسط، استناداً إلى تحالفاتهم مع الدول الأعضاء في مجلس الأمن، أصبحوا كمن يملك الحصانة التامة ضد المحكمة الجنائية الدولية.
ورغم أنها لم تلق دعماً كبيراً في بداية تأسيسها، وتهرب ثلاث دول من الخمس الذين يملكون حق الفيتو من أن يكون لهم أعضاء في الهيئة القضائية لها، إلا أن تلك المحكمة أصبحت بمثل الملاذ الأخير لكل من يرغب في الحصول على العدالة.

مجلس الأمن الدولي سمح للمحكمة بالتحقيق مع الرئيس السوداني عمر حسن البشير، الذي انتهى به الأمر إلى اتهامه بجرائم حرب في دارفور، على الرغم من أن المحكمة لم تتمكن من اعتقاله.
وفي شباط (فبراير) 2011، صوّت مجلس الأمن بالإجماع للطلب من المحكمة الجنائية الدولية التحقيق مع الحكومة الليبية بقيادة العقيد معمر القذافي. وأصدرت المحكمة لوائح اتهام ضد العقيد القذافي وعدد من كبار المسؤولين.

وتذكر quot;نيويورك تايمزquot; أن المحكمة الدولية لم تتخذ أية إجراءات ضد أي من قادة دول الربيع العربي حتى الآن، مشيرة إلى أن ذلك يرجع أساساً إلى العلاقات بين الدول المتورطة في العنف ضد شعوبها، والدول الخمس التي تحمل حق الفيتو، فالبحرين واليمن مثلاً حليفتان للولايات المتحدة، والصين وروسيا حليفتان للحكومة السورية، ولن يوافقا على الأرجح على محاولة تقديم القضية للمحكمة الدولية.

ويقول الباحث القانوني الدولي كيفن جون هيلر quot;هل سوريا هي الوضع الذي يستلزم جذب انتباه المحكمة الجنائية الدولية؟ بالطبع هي كذلك. لكن المحكمة تتبع قانون الانتقائية المتأصلة، فما دامت الدولة المتهمة صديقة لإحدى الدول الخمس، فإنه لن يتم تقديم أي دعوى ضد تلك الدولةquot;.
هل سيؤدي فشل محاكمة الزعماء المستبدين في الربيع العربي إلى تآكل الثقة في التحرك نحو نظام عالمي حقيقي للعدالة الدولية.

يقول ريتشارد ديكر من منظمة هيومان رايتس ووتش: quot;لكي تكون للعدالة شرعية، من الضروري تطبيقها على الجميع. لقد حققت العدالة تقدماً وتعمل على هذا الأساس، لكن عيوبها في عالم اليوم أصبحت أكثر وضوحاً. فيجب تغيير العمل بمعيار الكيل بمكيالين حتى يتم الاحتفاظ بشرعيتهاquot;.