عكفت تل أبيب على استشراف المستقبل المنظور، الذي قد يبدو عليه المشهد السياسي المصري والإقليمي بعد فوز الدكتور محمد مرسي بالرئاسة، ووضع خبراء إسرائيل تحديات quot;المهمة المستحيلةquot;، التي سيواجهها الرئيس المنتخب، فضلاً عن انعكاسات النظام المصري الجديد على مستقبل إسرائيل وعملية السلام.


محمد نعيم كروان: على نحو غير متوقع في إسرائيل، اعلنت اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية في القاهرة فوز مرشح حزب الحرية والعدالة الدكتور محمد مرسي برئاسة الجمهورية، منتصرًا على منافسه العنيد الفريق أحمد شفيق المحسوب على معسكر الجنرالات.

ورغم البرقيات التي بعث بها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لتهنئة الرئيس المصري المنتخب، إلا أن صدى تربع الاخوان المسلمين على عرش أعلى سلطة في مصر، أصاب تل ابيب بحالة من الارتباك، افضت على المستوى الرسمي الى إحجام الخارجية الإسرائيلية عن مجرد التعليق على فوز الدكتور مرسي بالرئاسة.

تحليل شخصية الدكتور محمد مرسي
بعيداً عن المستوى الرسمي، كان سفير اسرائيل السابق لدى القاهرة ايلي شاكيد سباقاً في تحليل شخصية الرئيس المصري الجديد، معرباً عن رؤيته في مدى قدرته على مواجهة التحدي في الداخل المصري وخارجه.

وفي سياق تقرير مطول نشرته صحيفة يديعوت احرونوت العبرية على لسانه، قال شاكيد: quot;يتطلب الدكتور محمد مرسي إعداداً سياسياً جيداً، وسيستغرق ذلك فترة طويلة، لاسيما أنه ورجاله يفتقرون الخبرة والتجربة الدولية، كما أنهم في حاجة الى دراية بالقضايا السياسية الداخلية في بلدهمquot;.

السؤال الذي وضعه شاكيد في طليعة الاهتمامات الاسرائيلية هو: كيف سيدير الرئيس المصري الاخواني العلاقات الثنائية بين بلاده واسرائيل، سواء كان ذلك على الصعيد السياسي أو الاقتصادي؟.

الربيع العربي بمده الإسلامي يثير مخاوف إسرائيل

ويرد السفير الاسرائيلي على نفسه قائلاً: quot;إذا تطلع مرسي الراديكالي والاسلامي إلى اتخاذ قرارات تنطوي على حساسية معينة، مثل معاقبة اوساط متطرفة، أو قرارات أخرى تتعلق بقضايا تخصّ الدين أو الفكر الاسلامي أو الاجتماعي، فسوف يضطر سريعاً الى وضع ملف العلاقات الاسرائيلية على طاولته، خاصة أن الدولة العبرية بقضاياها المتشعبة تشاطر المصريين في جانب كبير من تلك القضاياquot;.

الإصلاح الاقتصادي وصلاحيات الرئيس
وفي حين انطلقت الفرحة الجماهيرية العارمة من أرجاء مصر بعد فوز محمد مرسي بمنصب الرئيس، تناسى المحتفلون أن هناك العديد من التحديات العصيبة، وربما العصيبة جداً، التي تقف امام الرئيس المنتخب خلال السنوات القليلة المقبلة، فالثورة المصرية بحسب الصحيفة العبرية، اندلعت تعبيراً عن سخط الشعب من مبارك ونظامه، غير أن الشرارة التي اشعلتها، جسّدت كمًّا زاخراً من التعقيدات التي عاناها الشعب، وكان في مقدمتها الازمة الاقتصادية، التي عصفت بأحلام شريحة كبيرة من المصريين، وأزمة البطالة التي أحالت الشباب المصري الى سن التقاعد في بداية حياته العملية، فضلاً عن المستقبل الذي كان ولا يزال ملبداً بالغيوم، إلا انه على الرغم من ذلك ليس بالضرورة أن يكون اصلاح الوضع الاقتصادي هو الهدف الأول، الذي يعتلي جدول اولويات الدكتور مرسي.

من هذه الزاوية يستهل البروفيسور الاسرائيلي يورام تال، رئيس مركز هيرتسوج لدراسات الشرق الاوسط حديثه عن اشكالية الرئاسة المصرية، مشيراً الى أن التحدي الاول الذي يقف امام الرئيس المصري المنتخب هو الموافقة على صلاحياته الرئاسية، التي اقتنص المجلس الاعلى للقوات المسلحة المصرية جزءاً منها.

وأضاف يورام تال: quot;العلاقات العقابية بين المجلس العسكري، الذي يتألف من جنرالات مقربين وضالعين سابقين في نظام مبارك، وبين الرئيس الاخواني المنتخب محمد مرسي، ستقف وسط اشكالية كبيرة وهي: الواقع يؤكد أنه تم انتخاب رئيس جديد للبلاد، ولكن صلاحيات هذا الرئيس ما زال الغموض يكتنفها دستورياً، ولا يعني ذلك بحسب البروفيسور الاسرائيلي، إلا أن التحدي الاول الذي يخوضه مرسي هو العمل وبسرعة بالغة على صياغة دستور للبلاد، يمكن من خلاله تحديد صلاحياته كرئيس للجمهورية، الامر الذي يؤكد اقبال مرسي على صراع كبير امام المجلس العسكري.

اولويات الرئيس المصري المنتخب
الى ذلك يعاود ايلي شاكيد سفير اسرائيل السابق لدى القاهرة حديثه قائلاً: quot;ليس المهم ما سيتصدر اولويات الرئيس المصري المنتخب، وإنما الاهم هو تطلعات الشعب المصري التي ينتظرها من رئيسه الجديد، فلا يكترث المصريون بتحديد هوية العلاقات المصرية الاسرائيلية، أو توازنات العلاقات الاقليمية، التي ابرزها محمد مرسي في خطابه الاول الموجه إلى الأمة، وإنما يضع الشعب امام عينيه ضرورة تعافي الاقتصاد، الذي تردى بصورة ملحوظة بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير حتى الانquot;.

وفي مداخلة مع الصحيفة العبرية يقول البروفيسور الاسرائيلي يورام تال: quot;ما يقرب من نصف الاحتياطي الاجنبي المصري لم يعد موجوداً، وفي المقابل لا بد من تسديد رواتب العاملين في القطاع الحكومي، وتوفير المواد الغذائية، وتنشيط البورصة، واعادة المستثمرين الاجانب والعرب اليها بعدما لاذوا بالفرار، نتيجة للوضع السياسي والأمني المضطرب، فالرئيس الجديد مطالب بالتأكيد خلال فترة وجيزة على إعادة الاستقرار إلى البلادquot;.

الصرخات التي نادت بالعدالة الاجتماعية من ميدان التحرير في كانون الثاني/ يناير 2011، تقف في تحدّ بالغ امام الرئيس المصري المنتخب، في وقت تؤكد المؤشرات أن ما يربو على 40% من المصريين يعيشون تحت خط الفقر، وازاء هذا الواقع يقف مرسي قبالة ازمة مزدوجة وهي: انه لم يعد مطالباً بمشروع اقتصادي ضخم لإنقاذ الفقراء من ضائقتهم المالية، وإنما بات مطالباً بمساعدة الطبقة الاجتماعية المتوسطة التي انهارت تماماً إبان عهد مبارك.

يأتي ذلك في الوقت الذي اعتمد الاقتصاد المصري خلال السنوات الفائتة على السياحة، وهو المورد الاقتصادي الذي يتضرر في كل مرة لا تشهد فيها البلاد استقراراً، وخلال حملته الانتخابية اكد الدكتور محمد مرسي أنه لن يضع أي قيود من شأنها المساس بالسياحة، غير أنه حتى الآن لم يتضح كيف سيُضفي الإخوان المسلمون شرعية على تناول الخمور أو الظهور بلباس البحر على الشواطئ.

الكاتب والخبير السياسي الاسرائيلي رون بن يشي، حلل هو الآخر واقع المشهد السياسي في مصر بعد تولي محمد مرسي رئاسة البلاد، وانعكاسات ذلك على العلاقات المصرية الاسرائيلية، وعلى المشهد العام في منطقة الشرق الاوسط.

وفي مقالة له في صحيفة يديعوت احرونوت قال بن يشي: quot;حقق المصريون انجازاً كبيراً، حينما اختاروا للمرة الاولى عبر انتخابات ديمقراطية ونزيهة رئيساً مدنياً يمثلهم، وإذا كان الاخوان المسلمون يقولون في شعاراتهم إنهم يحملون الخير للمصريين، إلا أن تلك الشعارات لا تنسحب على أي خير لإسرائيل، فالنظام المصري الراهن بقيادة مرسي، وحتى اذا لم يطبق الشريعة الاسلامية، فإنه سيظل معادياً لاسرائيل، انطلاقاً من ايديولوجياته التي ترى في منطقة الشرق الاوسط quot;بيتاً للإسلامquot;، لا ينبغي أن يضم الكفار مثل اليهود، أو مواطنين من الدرجة الثانية كالمسيحيينquot;.

صراع القوى الدائر مع المجلس العسكري
ويرى الكاتب والمحلل السياسي الاسرائيلي أن المشهد السياسي الذي بات يخيّم على مصر، هو المشهد عينه الذي اصطبغت به ايران في سبعينيات القرن الماضي، وهو نفسه الذي حدث أخيراً في تركيا، وبعدها في قطاع غزة وتونس، ولعل ذلك هو ما يترجم صراع القوى الدائر حالياً في مصر بين الاخوان المسلمين والمجلس العسكري، إذ يتحصن الاخوان وحلفاؤهم بالشارع المصري، الذي اصبح مصدر قوة، يفرض املاءاته على الجبهة الداخلية، في حين يخشى المجلس العسكري من الشارع والاخوان، خاصة أن الجماعة المحظورة سابقًا أضحى بمقدورها قيادة الشارع الى الاتجاه الذي ترغب فيه.

إضافة الى ذلك، خلص الخبير الاسرائيلي الى أنه انطلاقاً من وجهة النظر الاسرائيلية، هناك سلبية أخرى تنعكس على اسرائيل جراء هيمنة الاخوان المسلمين على السلطة في مصر، فنظراً إلى أن الاخيرة كانت ولا تزال تشكل ثقلاً سياسياً وثقافياً، ويمنحها ذلك زخماً في قيادة العالم العربي، فإن أسلمة النظام المصري تحمل مؤشرات خطرة للغاية بالنسبة إلى مستقبل الأنظمة العلمانية، التي تعتمد في سيطرتها على جيوشها وأجهزتها الأمنية، ليس فقط في لبنان وسوريا، وإنما في الاردن والسلطة الفلسطينية.

فإذا ما واصلت رياح الربيع العربي نزع الأنظمة العلمانية، والقاء الشعوب في غيابات الاسلام السياسي، فإن فرص التوصل الى سلام مع الفلسطينيين على سبيل المثال ستكون منعدمة تماماً، كما سيهدد هذا الواقع مستقبل اتفاق السلام بين الاردن واسرائيل، وليس من المستبعد أن تحتل الحدود الاسرائيلية مع الاردن وسوريا جماعات ارهابية، تتألف في تركيبتها من الاخوان المسلمين وحماس والسلفيين وتنظيم الجهاد العالمي، ولعل ذلك كان واضحاً من خلال احتفالات الفلسطينيين في قطاع غزة بفوز محمد مرسي في منصب الرئاسة المصرية.