نحو عشرة أيام مرّت على انتهاء حرب الأيام الثمانية على قطاع غزة ولا تزال آثارها واضحة لاسيما على الأطفال الذين عاشوا أياماً صعبة، ستؤثر على تفاصيل حياتهم كما يرى المختصون في علم النفس.

فوق ركام منزله الذي قصفته الطائرات الإسرائيلية في اليوم الأخير للحرب على غزة، يجلس الطفل محمد مع بعض رفاقه وقد أخرج قلما ودفترا وبدأ برسم خارطة فلسطين.
اقتربت مراسلة إيلاف من الأطفال وبادرتهم بالسؤال عن قصف منزلهمquot;الطفل محمد حلس 12 سنة يتحدث عن أيام الحرب يقولquot; أول يوم بدأت الحرب عندما اغتالوا الشهيد أحمد الجعبري ومرافقه كنت ألعب في الشارع وفجأة رأيت الطائرات في السماء تقوم بالقصف، لم اهتم أبدا واصلت اللعب مع رفاقي على باب منزلنا إلى أن اشتدت الأوضاع ودخلنا إلى البيت بناء على أوامر والدي ووالدتيquot;.
ويواصل ونظراته تحولت إلى منزله المدمر quot;في الليل اشتد القصف وبدأت أخاف جدا لأن الصواريخ كان لها صوتا مرتفعا جدا أخافنا جميعناquot;.
وبصوت باكي يضيف:quot; صديقي في المدرسة قتلوه لأنه كان يلعب مع رفاقه وأصبحت أفكر دائما أنهم قد يقوموا بقصف منزلنا ونستشهد، ونتحول إلى أشلاء كما حدث مع عائلة الدلو وعائلة حجازيquot;.
ويتابع بحزن quot;في صباح اليوم الأخير للحرب، قامت طائرة الاستطلاع بقصف منزلنا بصاروخ واحد تمهيدا لان يقصفوه بشكل كاملquot;، ويتوقف هنا وقد رجعت ذاكرته إلى ذلك اليوم فيقول quot;وضعت أمي لنا طعام الغذاء وما إن جلسنا لنأكل حتى سمعنا صوتا كبيرا ونوافذ بيتنا قد تحطمت جميعها فهرعنا لنرى ما حصل وبعدها جاءنا اتصال من الجيش الإسرائيلي يخبرنا فيه أننا يجب أن نخرج من بيتنا لأنهم سيقومون بقصف البيت بطائرة من نوع أف 16quot;.
وبحسرة يضيف:quot;أخلينا البيت وخرجنا بسرعة وما إن وصلنا إلى آخر الشارع حتى قصفوا بيتنا وهدم بالكامل وأصيب أخي الصغير وبعض الجيرانquot;.
ويختم محمد والدموع قد ملأت عينيه quot;قصفوا منزلنا ولم يعد لنا مكان يؤوينا بل أنني أشعر بالبرد الشديد في الليل جراء جلوسنا في خيمة صغيرةquot;.
ويختم quot;أتمنى أن يعود منزلنا وأن نبنيه من جديد ، وأن لا تأتي حروب لأنني أخاف الحرب والقصف وصوت الصواريخ عندما تنفجر quot;.
قتلوا صديقتي
الطفلة رهف حرارة ( 9سنوات) تبادر مراسلة إيلاف بالحديث عن الحرب وما عاشته فتقول quot;نسكن في منطقة الشجاعية وهي منطقة قريبة من quot;اليهودquot; كما تقول وكلما كانوا يقومون بالقصف يهتز البيت، ونرى الضوء الأحمر ثم يسقط الصاروخ ويحدث انفجار كبير ومخيف جدا .
وعن سؤال quot;إيلافquot; لها ماذا كانت تفعل حين يشتد القصف تقولquot;كنت أجري في البيت واختبأ في حضن والدتي وأبدأ بالبكاء بشكل كبير ولا أتوقف عن البكاء بسبب كثرة الصواريخ التي كانت إسرائيل تقوم بإلقائها حول منطقتنا التي نسكن فيهاquot;.
وهنا تتدخل والدتها التي تجلس بجانبها وتتحدث عن معاناة طفلتهاquot;رهف ابنتي الوحيدة كنت أخشى أن يسقط أحد الصواريخ بطريق الخطأ ويقتلنا جميعا، منذ بدأت الحرب لاحظت تغير في سلوك رهف، أصبحت تخاف من كل شيء ومجرد أن يهل المساء تبدأ نوبات البكاء التي لا تنتهي إلا حين تنامquot;.
عرضت والدة رهف ابنتها على أحد الأطباء الذي أكد أن رهف تعاني من صدمة نفسيه نتيجة لمشاهدتها حدث لم تستوعبه وأخافها جدا.
وحين سألت quot;إيلافquot; الطفلة رهف عن صديقاتها أجابت بسرعة غريبة وبلهجة باكية quot;قتلوا صديقتي سارة، سقط على بيتها صاروخ ودمر منزلهم وأصابها بجرح كبير في قلبها وهي تنامquot;أي أنها تحت الغيبوبهquot;شعرت بالخوف حين رأيتها وأخبرت صديقاتي عن سارة وما جرى معها quot;.
وتختم quot;لا أستطيع النوم فأنا أتخيل أن quot;اليهودquot; قاموا بقصفي وأنني قد استشهدت كما باقي الأطفال.
وتشير والدتها أنها ترسلها يوميا إلى أخصائي نفسي لإعادة تأهيلها بسبب إصابتها بالصدمة التي تحتاج إلى بعض الوقت حتى تشفى منها بشكل كامل.
نوبات من الصراخ تصيبها كل ليلة
وفي إحدى الغرف في مستشفى الشفاء أكبر المستشفيات في قطاع غزة ترقد الطفلة فاطمة في حالة صعبة.
إصابات متعددة وجروح في كل مكان غطت جسدها الصغير،اقتربت مراسلة إيلاف من سريرها وحين سألتها عن سبب إصابتها روت الطفلة بكل براءة ما حصل معها من مشاهد مروعة أثناء الحرب .
وتقول quot;كنت أجلس داخل منزلي مع أخواني نستعد لنأكل طعام العشاء وفجأة سمعت صوت انفجار كبير ولم أشعر بنفسي إلا وأنا أطير مسافة بعيدة وبعدها استيقظت قليلا ورأيت أخواني وأخواتي قد امتلأت ملابسهم بالدماء، بدأت أزحف وأقترب من أخوتي وفجأة سمعت صوت انفجار آخر قوي جدا،أصبح الدم يسيل من أنفي وأذني ويدي وكل جسمي وبدأت بالصراخ على أبي وأمي لكن لم يسمعني أحد كانوا جميعا مصابين وممدين على الأرض،وبقيت أنزف وأنا خائفة جدا بسبب رؤية الدم يخرج من جسدي وبعدها لا أدري ما حدث ولم أجد نفسي إلا وأنا في المستشفى مع أهلي الذين جرحوا جميعا في القصفquot;.
وتتابع وقد دخلت بنوبة من البكاء الشديدquot;كل يوم حين أنام أحلم بالصواريخ التي قصفت بيتنا ودمرته وجرحتنا وأستيقظ وأنا أبكي .
وهنا يشير الدكتور المشرف على حالتها أنها quot;تدخل في نوبات شديدة من الخوف وتتحول هذه النوبات إلى صراخ يتخلله مناداتها على إخوتها وهذا طبيعي فقد أصاب الصاروخ منزلهم بشكل مباشر الأمر الذي أدى إلى إصابتها بالصدمة التي تحتاج إلى علاج نفسي بجانب علاجها من الجروح الذي أصابت جسدها الصغيرquot;.

حالة خاصة لدى أطفال غزة
quot;إيلافquot; توجهت بالسؤال إلى أحد الأخصائيين النفسيين للحديث عن ظاهرة الخوف والهلع التي أصابت الأطفال .
ويقول الدكتور درداح الشاعرquot;المختص في الجانب النفسي لـquot;إيلافquot;quot;الطفل يحتاج إلى بيئة آمنة تحتوي على كل وسائل الراحة لكن أطفال غزة يعيشون حالة خاصة لأنهم ولدوا في الحروب وسيدفعون ضريبة النزاع الحاصل بين إسرائيل وغزة في كل حرب وليس فقط في حرب الثمانية أيام .
ويتابعquot;قمنا بزيارة المستشفيات وتوجهنا مباشرة إلى فئة الأطفال الذين أصابتهم الجروح وعاينا الإصابات المختلفة لكن ما فاجأ الأطباء المختصين في الجانب النفسي هو حالة الخوف الشديد التي أصابت بعض الأطفال مما جعلنا نفكر كيف
يمكن أن نخرج هؤلاء الأطفال من حالة الصدمات التي قد تضر بمستقبلهم إذا لم تعالجquot;.
أعددنا فرقا مختصة للتعامل مع الأطفال بشكل خاص ومن خلال برامج سيتم تنفيذها الأيام القادمة ستركز جل اهتمامنا على إعادة تأهيل الطفل من الجانب النفسي بوجود بعض الألعاب وخلق بيئة آمنة تشبه بيئة الأطفال الذين يعيشون في باقي دول العالم المختلفةquot;.
ويواصل حديثه لـquot;إيلافquot; ما حدث مع سكان غزة هو شيء كبير وربما ليس الأطفال من يحتاجون إلى إعادة التأهيل النفسي من جديد بل كل السكان الذين بقوا تحت القصف العنيف أياما متعددة مما زرع الخوف بداخل كل شخص يقطن على أرض غزةquot;.
ويختم quot;هول الفاجعة كبير جدا وأعتقد انه يجب إعداد برامج ترفيهية متكاملة للتعامل مع كل بيت فلسطيني عاش أيام الحرب المختلفة وهذا ما حدث بالطبع وبدأنا بتنفيذ هذه البرامج على بعض العائلات التي شهدت الحرب بكل تفاصيلهاquot;.