قال الخبير القانوني صبري السنوسي إن إعلانات مرسي الدستورية باطلة كلها، وأن الاستفتاء الشعبي لا يحصنه الدستور ولا أي قانون، وهذا الدستور يبطل إن ابطلت المحكمة الدستورية شرعية الجمعية التأسيسية.


أكد الدكتور صبري السنوسي، أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق جامعة القاهرة، أن الإعلان الدستوري الصادر مؤخرًا لن يحل الأزمة السياسية الحالية، في ظل التصعيد بالمطالبة بتأجيل الاستفتاء على الدستور الجديد.

وقال في لقائه مع quot;إيلافquot; إن من حق المحكمة الدستورية الطعن على شرعية الاستفتاء، حتى بعد الموافقة عليه من قبل الشعب، لأن القاعدة الفقهية تقول ما بني على باطل فهو باطل، مؤكدًا أنه لا يمكن إجراء استفتاء في ظل الأجواء المشحونة سياسيًا، والرئيس مطالب بالإستماع لمطالب الشعب.

في ما يأتي نص الحوار:

هل ينهي صدور الإعلان الدستوري المكمل الأخير الأزمة السياسية للبلاد؟

لا أعتقد ذلك، كان يمكن التصفيق للرئيس لو تراجع عن الإعلان الدستوري المعيب منذ خروج المتظاهرين في البداية، لكن الآن سقف المطالب ارتفع، ولن يكون هناك تراجع عن مطلب تأجيل الاستفتاء للدستور، والقوى السياسية التي اجتمعت مع الرئيس لا تمثل المعارضة الحقيقية، بل جميعهم موالون للإخوان أو محسوبون عليهم ما عدا واحداً أو اثنين.

لكن إلغاء الإعلان الدستوري المكمل الصادر في 22 نوفمبر كان أحد مطالب الثوار؟

كان ذلك في البداية، لكنّ إبقاء الإعلان الدستوري أو إلغاءه في ظل إجراء الاستفتاء يوم السبت وتوقع الموافقة عليه في ظل حالة الاستقطاب الإخواني للمواطنين، والرئيس ضحك على الشعب بهذا الإعلان الدستوري الصادر، فالأهم الآن هو وقف الاستفتاء.

ما بُني على باطل...

هل تنهي الموافقة على الاستفتاء الدعاوى المنظورة أمام المحكمة الدستورية بحل الجمعية التأسيسية؟

أي حكم يصدر من المحكمة الدستورية في أي وقت بعد الاستفتاء ملزم، فما بني على باطل فهو باطل، وبالتالي الاستفتاء ليس محصنًا بالموافقة على الدستور، وسوف يلغى الاستفتاء لو صدر حكم بحل التأسيسية.

أعطي الدستور الجديد حق التشريع لمجلس الشورى لحين انتخاب مجلس النواب. فوفقًا للإعلان الدستوري الأخير ألغي تحصين الحكم المنتظر بحله فهل يسبب ذلك أزمة للرئيس؟

من حق المحكمة الدستوري حل الشورى وفقًا لنفس معيار حل مجلس الشعب السابق، فالقانون واحد، وبناءً عليه تبقي المادة الانتقالية الموجودة بالدستور على السلطة التشريعية في يد رئيس الجمهورية، لحين انتخاب مجلس نواب جديد خلال 60 يومًا من الاستفتاء على الدستور.

هل الدستور المطروح للاستفتاء شرعي في ظل وجود دعاوى طعن بتشكيل الجمعية التأسيسية أمام المحكمة الدستورية؟

نبهت منذ فترة طويلة إلى وجوب الانتظار لحين قرار حكم القضاء في المحكمة الدستورية العليا حتى لا يكون الدستور مطعوناً في شرعيته، لأن ما بني على باطل فهو باطل. لا يعقل أن نستفتي على دستور سنسير عليه لعشرات السنين القادمة بهذه الطريقة، ولا يجب أن يتعرض دستور مصر لهذه المهازل القانونية.

لإرادة الشعب حدود

ولكن هناك آراء تقول بأن الشعب مصدر السلطات وهو الذي يقرر شرعية هذا الدستور من خلال الاستفتاء؟

التصويت بنعم في الاستفتاء على الدستور لن يطهر الدستور من عيوبه، وتوجد نماذج مماثلة حدثت في الماضي وفي الحاضر أيضًا، مثل ما حدث في مصر في عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، عندما أصدر قرارات بتطبيق المادة 74. نظرت محكمة القضاء الإداري والإدارية العليا بالأمر بعد وفاته، وقضت بإلغاء هذه القرارات. وهذا دليل واضح من تاريخ مصر على أن استفتاء الشعب لا يطهر القانون أو الدستور أو أي عمل قانوني من العيوب، ولا يحصنه من البطلان ولا من رقابة القضاء عليه. هناك حدود لإرادة الشعب، وهذا هو ما ينبغي أن يكون، لأن الشعب لا يفقه في المسائل القانونية. الشعب هو مصدر السلطات، وهو مصدر التشريعات، نعم هذا صحيح، ولكن في حدود معينة وفي إطار ما يمليه القانون والدستور.

ماذا عن تحصين الجمعية بقرار في إعلان دستوري ؟

هذا الإعلان الدستوري باطل ولا أساس له من الصحة، ولا يجوز للرئيس إصدار إعلان دستوري، لأن مرسي لا يملك إصدار إعلانات دستورية، حتى لو كان سلطة تنفيذية منتخبة جاءت به انتخابات حرة ونزيهة. لا بد من التفريق بين الشرعية الثورية والشرعية القانونية التي أتى من خلالها مرسي. فلا يجوز أن يمنح نفسه سلطات تأسيسية سواء في ما يخص تحصين الجمعية التأسيسية لوضع الدستور أو غيرها، لأن هذا الأمر تعدٍ على الإعلان الدستوري الذي ترشح على أساسه، واتفقت جميع القوى السياسية على خوض انتخابات الرئاسة في ظل هذا الإعلان، ومخالفة مرسي لهذا الإعلان تمثل مخالفة لما هو متفق عليه.

ليس من أعمال السيادة

ما هي الأسباب التي تستند إليها في حل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور؟

القانون الذي أصدره مجلس الشعب المنحل لاختيار أعضاء الجمعية التأسيسية لوضع الدستور قانون منحرف ومعيب، وعلى المحكمة الدستورية العليا أن تقضي بحل هذه الجمعية التأسيسية. هذا رأي قانوني بحت ولا علاقة له بالسياسة، حتى لا يقال إن المحكمة الدستورية العليا تتعمد حل الجمعية التأسيسية لأهداف سياسية لعرقلة مسار مرسي. الكرة الآن في ملعب المحكمة الدستورية العليا، فهي ملزمة بإصدار حكم بحل التأسيسية وقرار المحكمة الدستورية العليا ملزم لكافة سلطات الدولة.

لكن الرئيس حصن قرارات حل التأسيسية والحكم إذا صدر منعدم من الناحية القانونية.

المعلوم لدى القانونيين أن القرار الذي حصن به الرئيس الجمعية التأسيسية ليس من أعمال السيادة، وما تضمنه الإعلان الدستوري من قرارات باطلة وغير شرعية، لأن الرئيس يملك سلطة تشريعية ولا يملك سلطة تأسيسية أو دستورية فلسلطته حدود. وحتى انتقال السلطة التشريعية إلى رئيس الجمهورية بهذه الطريقة محل شك، لأن غياب السلطة التشريعية والبرلمان كان في يد المجلس العسكري. بعد حل البرلمان بحكم المحكمة الدستورية العليا اضطر المجلس العسكري أن يصدر الإعلان الدستوري المكمل وأعطي لنفسه في هذا الإعلان صلاحيات وسلطات تتعدى حدوده.

ذكرت أن الإعلان الدستوري الذي أصدره المجلس العسكري كان قانونيًا، بخلاف إعلان مرسي. ما السبب؟

لأن الرئيس محمد مرسي جاء في ظروف معينة، وانتخب على أساس شرعية دستورية وقانونية، فكان يجب عليه أن يعمل وفق الدستور والقانون الذي أتى في ظله، وهو الإعلان الدستوري الأول والثاني من قبل المجلس العسكري. لذلك، أخطأ البعض عندما ساندوه في إصدار الإعلان الدستوري الأول، لكن الشارع المصري رحب به لأنه كان إطاحة بالمجلس العسكري. أما الآن، فهو يعتدي على السلطة القضائية.

لا المحذوفة

ما خطورة الاستفتاء على الدستور في هذا المناخ الذي نشهده ؟

الاستفتاء مرفوض لعدم وجود حرية الاختيار بسبب الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس محمد مرسي. فحرية الاختيار ليست موجودة لدى المواطن لأن البديل عن الدستور هو العودة إلى العمل بالإعلان الدستوري الذي هو محل شك ونزاع واعتراض من أغلبية القوى السياسية والنخب المصرية، بالإضافة إلى أنه يكرس سلطات ديكتاتورية ضد حرية الفرد والهيئة القضائية والشعب المصري. فهذا ليس اختيارًا ولا تصويتًا، وبهذه الطريقة لا يجد الشعب أمامه إلا قبول هذا الدستور والتصويت بنعم عليه أو العودة إلى هذا الإعلان الديكتاتوري فأصبحت (لا) في الاستفتاء محذوفة.

ما المواد التي تراها كارثة وكافية لإسقاط هذا الدستور؟

إنه دستور منسوخ من دستور سنة 71، خصوصًا في ما يتعلق بباب الحقوق والحريات ومجلس الشعب. إذن فنحن لسنا بدولة مستحدثة، ولا نصنع دستورًا جديدًا. وهذا الدستور بهذا الشكل لم يكن ليستغرق إلا أيامًا معدودة، ولم يكن يستحق كل هذا الوقت، والدليل على ذلك أن النصوص الخاصة بالسلطة القضائية تحديدًا كانت مغايرة لما كانت عليه في بادئ الأمر. لكن تم تغييرها في الوقت الضائع من عمر هذه الجمعية التأسيسية. كما أضيفت بعض المصطلحات للأجهزة الرقابية، وبعض المواد البسيطة مثل وضع مصطلح مجلس النواب بدلًا من مجلس الشعب في دستور 71... فما الجديد الذي يحمله هذا الدستور؟ أو ما الذي وضعته هذه الجمعية غير الشرعية؟ وبالإضافة إلى أن السلطات موجودة كاملة، كما هي بأحكام انتقالية تؤكد ما كان موجودًا في دستور 71 مثل المادة الخاصة بالعمال والفلاحين في مجلس النواب، وهناك نصوص كثيرة أخرى مثل النص المتعلق بحرية العقيدة فهو يحتاج إلى تعديل، والنص الخاص بحرية الرأي والتعبير، فهو رائع في الظاهر، لكنه يحتاج إلى ضابط قانوني. فهناك مواد كان يجب فيها أن توضع جملة (على النحو الذي ينظمه القانون)، ومواد أخرى لم تكن بحاجة إلى هذه الجملة، ولكن تم عكس هذا الأمر. أما المادة الخاصة بسلطات رئيس الجمهورية فأعضاء الجمعية يقولون إنهم قلصوا منها، وهذه أكذوبة. فلماذا كنتم تلومون على الرئيس المخلوع كثرة سلطاته؟

ماذا عن المادة الثانية وتفسيرها بالإضافة إلى المادة الثالثة الخاصة بغير المسلمين؟

المادة الثانية وتفسيرها مادتان مقبولتان، لكن واضعهما لم يضف جديدًا، لأنه يتكلم في المبادئ. سبق للمحكمة الدستورية العليا أن فسرت هذه المادة في ما يتعلق بالمبادئ، ولكن العيب في هذا أنهم نقلوا تفسيرها، ما أثار بعض الأسئلة ووضع علامات استفهام. أما بالنسبة للمادة الثالثة، والخاصة باحتكام المصريين من غير المسلمين إلى مبادئ شرائعهم في أحوالهم الشخصية، واختيار قياداتهم الروحية، فأمر جيد بالنسبة للأخوة المسيحيين، وإن كان لا يحتاج إلى نص، لكنه يطمئنهم. هذه الأمور في أحوالهم الشخصية لا بد أن ينظمها القانون، ويمكن أن يصدر قانون خاص بهذه المادة.