يبدو أن مصر مقبلة في الأيام القادمة على عودة بالزمن إلى ما قبل ثورة 25 يناير، بعدما كلَّف رئيسها محمد مرسي الجيش المصري مساعدة الشرطة على حفظ الأمن، خلال استفتاء على الدستور ترفضه المعارضة.


القاهرة: طلب الرئيس المصري محمد مرسي من الجيش مساعدة أجهزة الشرطة في حفظ الأمن حتى اعلان نتائج الاستفتاء على الدستور ومنح ضباط القوات المسلحة وضباط الصف المشاركين في ذلك سلطة توقيف المدنيين، وفق ما افاد مصدر رسمي.

ونص مرسوم رئاسي بالقانون رقم 107 الصادر بالجريدة الرسمية الاحد ويدخل حيز التنفيذ اليوم الاثنين، على أن quot;تدعم القوات المسلحة اجهزة الشرطة وبالتنسيق الكامل معها في اجراءات حفظ الامن وحماية المنشآت الحيوية في الدولة لفترة موقتة حتى اعلان نتيجة الاستفتاء على الدستور (المقرر السبت) ويحدد وزير الدفاع المناطق وافراد القوات المسلحة ومهامهم مع عدم الاخلال بدور القوات المسلحة في حماية البلاد وسلامة اراضيها وامنهاquot;.

واضاف quot;يكون لضباط القوات المسلحة وضباط الصف المشاركين في مهام حفظ الأمن وحماية المنشآت الحيوية بالدولة، كل في الدائرة التي كلف بها، جميع سلطات الضبط القضائي والصلاحيات المرتبطة بها المقررة لضباط وامناء الشرطةquot;.

ونص القرار على أن quot;يلتزم ضباط وضباط صف القوات المسلحة في ادائهم لمهام الضبطية القضائية (..) بكافة واجبات مأموري الضبط القضائي (..) بما في ذلك احالة ما يحررونه من محاضر الى النيابة المختصةquot;. ويأتي هذا المرسوم قبل ايام من الاستفتاء على مشروع دستور مثير للجدل، وعشية تنظيم المعارضة الرافضة للاستفتاء والقوى الاسلامية الداعمة للرئيس مرسي، تظاهرات الثلاثاء.

معارضو مرسي وأنصاره يتظاهرون

ويسعى مرسي لتهدئة الاحتجاجات بعد تمسكه بتنظيم الاستفتاء على مشروع الدستور. ودعا معارضو مرسي وانصاره الاحد الى التظاهر الثلاثاء للتعبير عن الرفض بالنسبة للمعارضة والتأييد بالنسبة للموالاة، للاستفتاء على مشروع الدستور المقرر السبت، ما اثار مخاوف من أن يؤدي تصاعد الاحتقان السياسي الى اعمال عنف جديدة.

واعلنت جبهة الانقاذ الوطني المكونة من قوى يسارية وليبرالية مساء الاحد رفضها الاستفتاء على مشروع الدستور المقرر في 15 كانون الاول (ديسمبر) ودعت الى تظاهرات احتجاجية الثلاثاء في العاصمة القاهرة والمحافظات المصرية.

وجاء في بيان للجبهة عقب اجتماعها الاحد في مقر حزب الوفد، تلاه الناطق باسمها نقيب المحامين سامح عاشور، أن الجبهة quot;تعلن رفضها القاطع للقرارات الصادمة الصادرة عن رئيس الجمهورية والتي تمثل تحايلاً والتفافًا على مطالب الجماهير وتحديًا صارخاً للملايين الثائرة فى شوارع مصرquot;.

وهي تشير بذلك الى استبدال الرئيس محمد مرسي السبت الاعلان الدستوري لالغاء الصلاحيات الاستثنائية التي كان منحها لنفسه في 21 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي ما ادى الى اندلاع الازمة الحالية. لكن مرسي تمسك في المقابل بتنظيم الاستفتاء على مشروع الدستور في موعده بداعي أن هذا الموعد quot;الزامي قانونًا وليس تنظيميًا يمكن تعديلهquot;، الامر الذي رفضه معارضوه.

وقال منير فخري الوزير السابق واحد مسؤولي جبهة الانقاذ المعارضة quot;إن موعد الـ 15 يومًا ليس الا موعدًا مثل غيره لتنظيم الاستفتاء ومن الممكن تأجيله بدون مشاكلquot;. واعلنت الجبهة في بيانها quot;رفضها الكامل للاستفتاء المقرر يوم 15 ديسمبر الجاريquot; وانها quot;تؤكد رفضها لاضفاء الشرعية على استفتاء سيؤدي الى المزيد من الفتنة والانقسامquot;.

واكدت quot;تمسكها برفض مشروع الدستور غير التوافقي لكل ما يحمله من عصف بالحقوق الاجتماعية والسياسية وتكريس للاستبداد الرئاسي، وهو ما ترفضه مكونات اساسية في الشعب المصريquot;.

وشدد البيان على أن quot;اجراء أي استفتاء الآن وسط حالة الغليان والانفلات وتهديدات ميليشيات الاخوان (المسلمين) وعصابات الارهاب ضد المعارضين والمتظاهرين، يعكس رعونة وغياباً فاضحًا للمسؤولية من جانب نظام يغامر بدفع البلاد نحو مواجهات عنيفة تحمل خطرًا على امنها القوميquot; بحسب الجبهة.

وحذرت المعارضة المصرية من quot;اجراء استفتاء في غياب واضح للامن وفي ظل حملة تهديد وابتزاز تتعرض لها وزارة الداخلية لاجبارها على مواجهة المتظاهرين بأساليب قمعية قديمةquot;. واستنكرت الجبهة ما قالت إنه quot;استهداف وسائل الاعلام والاعلاميين بحملات من الترهيب والترويعquot; في اشارة على ما يبدو الى اعتصام قوى سلفية امام مدينة الانتاج الاعلامي تحت شعار quot;تطهير الاعلامquot;.

واشادت بـquot;الموقف الوطني المشرف لقضاة مصر الاجلاء في دفاعهم عن العدالة ودولة القانونquot;، في اشارة الى رفض بعض هيئات القضاء الاشراف على الاستفتاء. ومن المقرر أن يعلن القضاة موقفهم النهائي من تنظيم الاستفتاء اليوم الاثنين.

ودعت المعارضة المصرية المصريين quot;لمواصلة الاحتشاد السلمي في مختلف ميادين التحرير في العاصمة والمحافظات يوم الثلاثاء القادم 12 ديسمبر 2012 ورفضًا لتجاهل الرئيس مطالبها المشروعة، ورفضًا للاستفتاء على الدستور الذي يعصف بالحقوق والحرياتquot;.

دعم إسلامي

في المقابل قرر ائتلاف القوى الاسلامية المكون من العديد من الاحزاب والحركات الاسلامية بينها الاخوان المسلمون، الاحد تنظيم تظاهرتين الثلاثاء في العاصمة المصرية وذلك دعمًا للاستفتاء وquot;الشرعيةquot;، بحسب ما اعلن مسؤول في الاخوان المسلمين.

واكد محمود غزلان المتحدث الاعلامي باسم الاخوان المسلمين أن ائتلاف القوى الاسلامية quot;سينظم مليونيتين الثلاثاء تحت شعار نعم للشرعية ونعم للوفاق الوطنيquot;. وجاء هذا الاعلان متزامناً تقريبًا مع دعوة المعارضة المصرية الى التظاهر الثلاثاء.

وكان ائتلاف الاحزاب والقوى الاسلامية الذي يضم 13 تنظيمًا بينها الاخوان المسلمون وحزب الحرية والعدالة المنبثق عنها وحزب النور والدعوة السلفية والجماعة الاسلامية، اعلن السبت رفضه تأجيل الاستفتاء على مشروع الدستور.

واكد بيان لهذه القوى quot;ضرورة إجراء الاستفتاء على الدستور في موعده دون تعديل أو تأجيلquot; محذرًا quot;المتلاعبين بارادة الشعب من محاولة اغتصاب الدولة أو الانقلاب على الشرعيةquot;، مضيفاً quot;أن كل الخيارات مفتوحة امام القوى الاسلامية للحفاظ على الشرعية ومؤسسات الدولة المنتخبةquot;.

وتثير هذه الدعوات الى التظاهر في شوارع مصر المزدحمة وسط تصاعد الاحتقان السياسي وغياب التوافق، مخاوف من حدوث مواجهات عنيفة بين الفريقين. وكانت مواجهات دامية ليل الاربعاء الخميس في محيط القصر الرئاسي خلفت سبعة قتلى ومئات الجرحى.

نادي قضاة مجلس الدولة في مصر يوافق على الاشراف على الاستفتاء بشروط

من جهة أخرى،اعلن نادي قضاة مجلس الدولة، أحد الهيئات الممثلة للقضاة في مصر، الاثنين موافقته على الاشراف على الاستفتاء حول مشروع الدستور المقرر السبت القادم لكنه وضع العديد من الشروط لذلك بينها بالخصوص رفع الحصار المفروض على المحكمة الدستورية من قبل الاسلاميين منذ 2 كانون الاول/ديسمبر.

ويحاصر مئات من الاسلاميين مبنى المحكمة الدستورية بالعاصمة المصرية منذ هذا التاريخ، الذي كانت مصادر اشارت الى أنه كان الموعد الذي ستنظر فيه اعلى سلطة قضائية في البلاد في شرعية اللجنة التأسيسية التي اعدت مشروع الدستور.
وقال مسؤولون في النادي في مؤتمر صحافي اليوم quot;قرر مجلس الادارة الانحياز الى حماية الشعب والمحافظة على صحة تصويته وتأدية واجبه وامانة الاشراف على الاستفتاء على الدستور الجديد بحيادية تامة على أن يتم تهيئة المناخ لاجراء الاستفتاءquot;.

واوضح النادي quot;تبين لمجلس ادارة (نادي قضاة مجلس الدولة) أن جموع المواطنين المدعوين للاستفتاء في حاجة ماسة لاشراف القضاء على صناديق الاستفتاء وأن ترك الساحة لغير القضاة فيه من التفريط بحق الشعب صاحب السيادةquot;.

وشدد النادي على أن هذا الاشراف مشروط بـ quot;انهاء اسباب الاقتتال بين المواطنين بعضهم البعض ووقف سيل الدماء بين ابناء الوطن الواحد وهنا الدولة تستطيع أن تكفل ذلك بأن تمنع الحشود التي تنزل الى الشارع لتصطدم بحشود أخرىquot;.
كما اشترط قضاة مجلس الدولة quot;انهاء حالات الحصار لمؤسسات الدولة ومقار المحكمة الدستورية العليا وتمكينها من ممارسة مهمتها المقدسة بحرية واستقلال ودون ترهيبquot;.

كما طلبوا quot;تأمين اللجنة العليا للاستفتاء لاجراء الاستفتاء على الدستور ومنع الترويج للآراء امام اللجان وحماية المواطنين المستفتين على الدستور من الاعتداء واساليب البلطجةquot;.

واشترطوا ايضًا quot;قيام الدولة بالتأمين على حياة القضاة المشاركين في الاستفتاء بوسائل التأمينquot;، وتمكين قضاة مجلس الدولة من مباشرة واجبهم الاشرافي على النحو الذي كفله القانون وحقهم في الانسحاب من لجانهم متى تعرضوا لما يمس كرامتهم واستقلالهمquot;.
يذكر أن القضاة في مصر منظمون في العديد من الهيئات والنوادي التي ستعلن تباعًا الاثنين والثلاثاء موقفها من الاشراف على الاستفتاء السبت.

23 منظمة مصرية للدفاع عن حقوق الانسان ترفض مشروع الدستور الجديد
إلى ذلك اعلنت 23 منظمة مصرية للدفاع عن حقوق الانسان الاثنين رفضها لمشروع الدستور الجديد معتبرة انه يفتح الباب امام quot;تاسيس دولة دينية على نمط ولاية الفقيه الايراني لكن بمصطلحات سنيةquot; كما انه لم يحتو quot;اي اشارةquot; الى الاتفاقيات والمعاهدات الدولية لحقوق الانسان التي صادقت عليها مصر.

واكدت هذه المنظمات في بيان لمناسبة اليوم العالمي لحقوق الانسان quot;رفضها لمشروع الدستور المطروح للاستفتاء الشعبي (..) وتعرب عن بالغ قلقها على مستقبل الحريات وحقوق الانسان في حال انتهت نتيجة الاستفتاء باعتماد هذا المشروع دستورا دائما للبلادquot;.

واشارت هذه المنظمات الى ان مشروع الدستور وضعته quot;جمعية تاسيسية تفتقر للمشروعية المجتمعية والسياسية والاخلاقية وعليها مطاعن قانونية، وكان واضحا منذ يومها الاول هيمنة توجهات معادية للحريات العامة وحقوق الانسانquot; عليها في اشارة الى هيمنة الاسلاميين على الجمعية التاسيسية.

واكدت هذه المنظمات quot;ان مشروع الدستور يفتح الطريق امام تأسيس دولة دينية على نمط نظام +ولاية الفقيه+ الايراني، ولكن بمصطلحات +سنيةquot; حيث يحتل الفقيه السني ممثلا +بهيئة كبار العلماء+ سلطة الوصاية على العملية التشريعية، الامر الذي يقوض اسس الدولة الديموقراطية الحديثة في مصر، ويضع البلاد على طريق فوضى قانونية غير محدودةquot;.

واضاف البيان ان مشروع الدستور لم يشتمل على quot;اي اشارة للاتفاقيات والمعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الانسان التي صدقت عليها مصر، كما تمت صياغة مواد الحقوق والحريات بعبارات فضفاضة او تم احالة امر تنظيمها للقانونquot; ما يفتح الباب امام انتهاكه لاحقا.

وقالت المنظمات quot;يقيد الدستور المقترح عددا من الحقوق الاساسية مثل حرية ممارسة الشعائر الدينية وحرية التعبير والحق في التظاهر، ويتيح حل الجمعيات الاهلية ويرفض مبدأ التعددية النقابية، ويقيد الحق في تداول المعلومات وحرية الصحافةquot;.

واوضح البيان في هذا الصدد quot;باتت الصحافة معرضة للغلق والايقاف والمصادرة والخضوع للرقابة، وكذلك ينشئ الدستور مجلسا وطنيا للاعلام لممارسة الوصاية اليومية على العمل الصحافي والاعلامي. كما يضفي للمرة الاولى المشروعية على المحاكمات العسكرية للمدنيين، ويضفي حماية دستورية على ممارسة التمييز ضد المواطنين لاسباب سياسيةquot;.

وتابع ان مشروع الدستور يوجه quot;ضربة قاصمة للمحكمة الدستورية العليا، التي كانت أحد أبرز حصون الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات في مصر قبل الثورةquot; و quot;اخضع تشكيلها لسلطة رئيس الجمهورية، وسمح بان يضم تشكيلها اعضاء من جهات غير قضائيةquot;.

ومن ابرز المنظمات التي وقعت البيان مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ومؤسسة حرية الفكر والتعبير والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية والمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ومركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف ومركز هشام مبارك للقانون والمنظمة العربية للاصلاح الجنائي والمنظمة المصرية لحقوق الإنسان والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان.