تواجه بريطانيا انحساران مثيران للانتباه: انحسارالمواطنين البيض للمرة الأولى في لندن، ليكونوا أقلية بسبب تدفق المهاجرين وتوالد العرقيات، وانحسار المسيحية لصالح الملحدين والوثنيين وأتباع الديانات المخترعة حديثًا.
لندن: للمرة الأولى في تاريخ بريطانيا، صار عدد سكان العاصمة من أهل البلاد البيض أقلية أمام زحف البريطانيين من أعراق غير قوقازية والمهاجرين من مختلف أنحاء الدنيا.
وتبعًا لمكتب الإحصاء القومي، فإن هذا الحدث غير المسبوق يقع داخل إطار ارتفاع العدد في عدد المهاجرين الى انكلترا وويلز بأكثر من ثلاثة ملايين شخص خلال السنوات العشر الماضية.
وكما هو متوقع فقد تداولت الصحف النبأ على نطاق واسع وسلّطت عليه أضواء ساطعة لأنه يشكل منعطفًا تاريخيًا في التركيبة الديموغرافية لأهم مدن البلاد. فنقلت نتائج الإحصاء التي قالت إن 3.7 ملايين شخص في لندن عرّفوا أنفسهم في 2011 بأنهم laquo; بريطانيون بيضraquo;، مقارنة بـ4.3 ملايين شخص قالوا الشيء نفسه في 2001. وبهذا تصبح نسبة هؤلاء 44.9 في المئة من إجمالي سكان المدينة. وبعبارة أخرى بسيطة فهم أقلية في عاصمتهم.
ووفقًا للإحصاءات نفسها، فإن لندن تصبح بذلك أول مدينة بريطانية تشهد هذا الوضع وسط سائر رقاع بريطانيا الأخرى. وفي ما يتعلق ببقية الصورة في العاصمة فقد صارت التركيبة السكانية كما يلي:
* البريطانيون البيض: 44.9 في المئة
* البيض من غير البريطانيين: 14.9 في المئة
* الآسيويون (عدا العرب): 18.4 في المئة
* السود: 13.3 في المئة
* الخلاسيون (من أعراق مختلطة): 5 في المئة
* العرب: 1.3 في المئة
ويذكر في هذا الصدد أن laquo;العربraquo; أضيفوا، كشريحة عرقية قائمة بذاتها، الى الإحصاء القومي البريطاني للمرة الأولى العام 2011، أي بدءًا من هذا الإحصاء الأخير. ووفقاً للأرقام المتوفرة على الموسوعة الحرة laquo;ويكيبيدياraquo;، فإن عدده هؤلاء في لندن وحدها يربو على نصف المليون شخص ومعظمهم من أصول فلسطينية وعراقية ويمنية ولبنانية وسودانية ومغربية وصومالية.
وعموماً ففي 2011 بلغ عدد السكان المولودين خارج بريطانيا 7.5 ملايين شخص، ارتفاعًا من 4.6 ملايين. ويعني هذا أن مهاجري الجيل الأول صاروا يشكلون نسبة 13 في المئة من عدد سكان البلاد أو نحو واحد في كل ثمانية أشخاص. ويذكر أن إجمالي عدد السكان في انكلترا وويلز بلغ 56.1 مليون شخص في 2011، بزيادة 7 في المئة عن العدد في 2001. ويعود 55 في المئة من هذه الزيادة الى المهاجرين.
إلحاد بالجملة
في تغيّر ملفت آخر يمس التركيبة الدينية في بريطانيا، اتضح أن عدد الذين يعتنقون المسيحية تناقصوا في الفترة نفسها بواقع 4 ملايين شخص، وأن الذين يقولون صراحة إنهم ملحدون لا يؤمنون بأي إله على الإطلاق صاروا يشكلون رُبع عدد السكان (نسبة 25.1 في المئة). ويعني هذا أن النسبة شهدت ارتفاعًا قدره 10.3 نقطة مئوية عما كانت عليه (14.8 في المئة) في 2001.
وفي 2001 كان عدد الذين يدينون بالمسيحية يبلغ 37.3 مليون شخص. لكن هذا العدد انخفض بحلول العام الماضي إلى 33.2 مليون شخص. وفي المقابل فقد ارتفع عدد اتباع الديانة الإسلامية (وهي الثانية من حيث الحجم في البلاد) من 1.8 في المئة في 2001 إلى 4.8 في 2011. وبلغ عدد الهندوس (أصحاب ثالث أديان البلاد) 1.5 في المئة من إجمالي السكان في انكلترا وويلز، والسيخ 0.8 في المئة، ثم اليهود (0.5 في المئة).
ديانة صناعة هوليوود
على أن الملفت ndash; والطريف - عندما يتعلق الأمر بالأديان أن 180 ألف شخص في انكلترا وويلز أعلنوا أنهم يدينون بـlaquo;الجيدائيةraquo; ويسمون أنفسهم laquo;فرسان جيدايraquo; Jedi Knights. ومصدر الطرافة هنا هو أن هذه الديانة خيال هوليوودي بحت ابتدعته قريحة السينمائي الشهير جورج لوكاس العام 1977 في بداية سلسلة أفلامه laquo;حرب النجومraquo;.
لكن هذه السلسلة أصابت نجاحاً غير مسبوق في تاريخ السينما وصارت بحد ذاتها امبراطورية تجارية أحالت لوكاس نفسه الى ملياردير. وقويت شوكة سلسلة laquo;حرب النجومraquo; هذه واكتسبت معجبين حول العالم حتى صار فريق منهم يعلن انتماءه لديانة الجيدائيين.
وفي إحصاء 2001 قال 127 شخصًا في انكلترا وويلز إنهم laquo;جيدائيونraquo;. لكن هذا العدد ارتفع الى 180 ألفًا وقت إجراء الإحصاء الأخير في 2011، بحيث صارت هذه laquo;الديانة السابعةraquo; من حيث عدد الأتباع (بعد الأديان المذكورة أعلاه إضافة الى البوذية).
وعلى منوال الشطح الديني هذا نفسه، قال 6 آلاف و242 شخصًا إنهم من أتباعHeavy Metal laquo;المعدن الثقيلraquo;. وهذا ضرب من موسيقى الروك وأنشأت laquo;ديانتهraquo; مجلةMetal Hammer laquo;شاكوش المعدنraquo; المتخصصة في شؤون هذه الموسيقى.
وثنيون أيضًا
أشكال الوثنية ايضا تجد مكانًا فسيحًا لها في انكلترا وويلز، إذ قال 56 ألفاً و620 شخصًا إنهم من أتباعها ويعبدون أشياء مثل الشمس أو القمر أو النار أو غيرها. وهناك أيضا أتباع laquo;الجاينيةraquo;، وهي ديانة هندية الأصل تقوم على الاستقلالية الروحية والمساواة في شتى أنواع الحياة مع التأكيد على نبذ العنف. وفي ما يتعلق بنبذ العنف هذا فإن بعض اتباعها يصلون الى حد أنهم يمسحون الأرض بمقشة صنعت فرشاتها من خيوط القطن خوفًا من أن تطأ أقدامهم على حشرات فتقتلها.
وداعاً للكنيسة؟...
تعليقًا على انحسار معتنقي المسيحية وتنامي عدد الملحدين والوثنيين عموماً، يقول أندرو كوبسون، مدير laquo;رابطة الإنسانيات البريطانيةraquo;: laquo;العدد الحقيقي لأولئك الذين انفكوا من قبضة الكنيسة أكبر مما تأتي به أرقام الإحصاء. وعلى سبيل المثال فإن القسم الأعظم من اولئك الذين يقولون إنهم laquo;مسيحيونraquo; إنما يتحدثون عن laquo;هويتهم الثقافية والدينيةraquo; أكثر من قولهم إنهم مسيحيون ملتزمون يمارسون طقوس العبادة تبعًا للتعاليم الدينية. بل أن عددًا كبيرًا منهم لا يزورون الكنيسة إلا إذا دعت الضرورة، وقد لا يزورونها حتى إذا دعت هذه الضرورةraquo;.
... ليس تمامًا
لكن نِك سبينسر، مدير بنك العقول الديني laquo;ثيوسraquo; يقول من جهته إن الدين نفسه laquo;مسألة يصعب تعريفها وقياسها بدقةraquo;. ويضيف قوله: laquo;الإحصاء فقط يوضح لنا المواقف من الدين وأحجامها وعدد المنتمين لهذه الديانة أو تلك أو الرافضين لكل منهما. لكنه لا يستطيع حساب الايمان والممارسةraquo;.
ويقول: laquo;رغم أن الإحصاء يحدد قطاعات معينة باعتبارها laquo;بلا دينraquo;، فإن هذا لا يعني أننا أمة من الملحدين. بل يعني أن اولئك الذين يقولون إنهم ملحدون إنما يتمتعون بأقدار متفاوتة من الروحانيات، لكنهم لا يريدون لها أن تصّنف تحت هذه المظلة الدينية أو تلكraquo;.
التعليقات