تناظرَ أنصار الدستور ومعارضوه من المصريين القاطنين في أميركا، فتمترس الجانبان خلف قناعات لا يغيرانها، ما شكل صورة طبق الأصل عن مشهد الانقسام المصري الداخلي، الذي يهدد مصر بصدع لا تحمد عقباه.


محمد الأمير من واشنطن: بالتزامن مع تجاذبات الحراك القائم في مصر، وتحديدًا تمرير الرئيس محمد مرسي لمسودة الدستور، عقدت الجالية المصرية في الولايات المتحدة الأميركية لقاء ناقش مجمل التفسيرات الفقهية والقانونية لتلك الوثيقة المثيرة للجدل.

خلال اللقاء، الذي عقد في مدينة فولس شيرش الملاصقة للعاصمة واشنطن، تواجه إسلاميون يطلقون ذقونهم وليبراليون، بينهم نسوة يرتدين التنانير، ويملكن طلة الإناث المُفعمة بالحياة العصرية، فدار بين المجموعتين سجال حاد حول مسودة الدستور.

صورة طبق الأصل
لم يكن إطلاق بعض الرجال الذقون ولبس بعض النساء التنورة في لقاء الجالية المصرية سوى رمزية محددة، تعكس مدى الإختلاف الإيديولوجي الذي برز على سطح العملية السياسية المصرية منذ إعتلاء جماعة الإخوان المسلمين سدة الحكم، وسط مخاوف التيارات الليبرالية من سيطرة الإسلام السياسي، المدعوم إقليميًا ودوليًا، على مفاصل الجمهورية المصرية الجديدة.

صورة تختصر المشهد المصري المتأزم برمته. ففي حين انبرى الأخوان الأميركيون في الدفاع عن قرار مرسي، اعتبر الليبراليون الإستفتاء الدستوري مجحفًا بحق باقي المكونات السياسية المصرية.

وحال المصريين أثناء هذا اللقاء المفتوح لا يبتعد كثيرًا عن مواجهة قصر الإتحادية، فالانقسام حاد حول مشروعية المسودة الدستورية، إلى حد شطرهم إلى نصفين، لكن من دون سفك للدماء.
اكتظت جنبات قاعة اللقاء برجال ونساء، ليس من الصعب تحديد هويتهم السياسية، وقد مثل الطرف المؤيد لرئيس الجمهورية في اللقاء الشيخ شاكر السيد، إمام مسجد دار الهجرة في ولاية فرجينيا، فيما مثل المعارضة المصرية الناشط السياسي الدكتور عادل كبيش.

غاص المتحدثون في تفاصيل المسودة الدستورية، وحاول كبيش تقديم الثغرات القانونية، وتفاعل معها جمهورالمعارضة بشكل كبير، فيما امتعض مؤيدو مرسي.

القناعات ثابتة
بدا السيد ذو الخلفية الإخوانية متحمسًا في الدفاع عن المسودة الدستورية، فاعتبرها طوق نجاة لمصر ما بعد الثورة، إلى درجة إنه شبّه الدستور بالقطار، والقوانين المُشرعة فيه بالعجلات، التي بدونه لن تسير البلاد إلى الأمام.

لكن كبيش ذهب إلى أبعد من السيد، وقال: quot;القطار ليس له قضيب أصلًا حتى يكون بعجلات، فقضيب القطار هو المصداقية وعدم مراوغة مرسي الذي لا يملك رؤية للبلادquot;.
أدركت الجالية المصرية بواقعية صعوبة التوصل إلى توافق نهائي حول المسودة الدستورية، لا سيما أن الطرفين المتحاورين، ومعهما جمهورهما، قد ركنا إلى قناعاتهما السابقة قبل بدء اللقاء المفتوح، ولم يتزحزحا قيد أنملة.

تحشيش دستوري وإعلامي
صار الكلام في اللقاء مباشرًا من دون أية مجاملة تذكر، فطرح كبيش الذي اتخذ موقع الهجوم ملاحظات عدة على بنود المسودة الدستورية، خصوصًا حول المادتين رقم (197) و(198) المتعلقتين بدور المؤسسة العسكرية في البلاد.

قال: quot;الدستور ملغم في كل ما يتعلق بمحاكمة جرائم القوات المسلحة، يعني الجندي المعتدي على حق المواطن في حال تمت إدانته، تتم محاكمته أمام القضاء العسكري فقط، وهنا حماية للعسكر على حساب المدنيينquot;، واصفًا هذا الطرح بالتحشيش الدستوري. فوضع السيد كلام كبيش في خانة التحشيش الإعلامي الذي يُمارس ضد جماعة الإخوان المسلمين، منذ فوزهم في الانتخابات الرئاسية.

ورأى السيد حصانة القضاء العسكري هي نفسها حصانة القضاء المدني، ولا يمكن أخذ رجل مدني إلى محكمة عسكرية، إلا إذا أضرّ بالعسكرquot;. فعاد كبيش سريعًا إلى اللهجة المصرية ليقول: quot;دي لوقتي يا شيخ شاكر.. الجيش ما عليه كخّه!! ياشيخ!!quot;، في إشارة واضحة إلى الصفقة المبرمة بين الإخوان المسلمين والمؤسسة العسكرية في مصر.

وجنى على نفسه مرسي
خرجت حلقة نقاش أبناء الجالية المصرية عن الدستور قليلًا، وتطرقت إلى التحولات التي حدثت لمصر منذ سقوط حكم مبارك. قال كبيش، المحسوب على المعارضة: quot;مصر أكبر من الإخوان المسلمين، فهي البلاد المنفتحة على الجميع، يمثلها الشيخ الشعراوي وليس الشيخ محمد حسانquot;. وتساءل، quot;هل الراقصات والفنانات في عهد مرسي غير مصرياتquot;.

لم ينكر السيد وطنية الراقصات في مصر، لكنه قفز سريعًا عن السؤال، قائلًا: quot;الدكتور كبيش قصد بطرح موضوع الراقصات التلميح إلى التنوع في مصر، وليس هدفي من النقاش أن أدخل في تفاصيل الأمور، إن كانت الراقصة صح أو الشيخ صح، وهذا لا يشغلني كثيرًا، فما يهمني هو دستور يحمي الحقوقquot;.

تساءل الحضور المؤيد لمرسي لماذا لا تحترم المعارضة المصرية موقع الرئاسة وتكيل الشتائم ضد شخص الرئيس، فرد كبيش: quot;صحيح أن الألفاظ لا تليق أحيانًا برئيس الجمهورية، لكن مرسي أضاع هيبة الرئاسة، وهو من وضع نفسه في هذا الموقف، فكيف يحكم رئيس الجمهورية وهو لا يستطيع مواجهة الجماهير، ويخرج من الباب الخلفي لقصر الرئاسة؟quot;.

مرحبًا بحكم المرشد
لعل النقطة الأكثر أهمية لدى الليبراليين هي التي طرحها محمد السطوحي، مدير اللقاء الإعلامي المصري، متسائلًا عن المستشارين الذين يستشيرهم الرئيس مرسي قبل اتخاذ القرارات الرئاسية.

قال السيد إن مرسي يستشير التكنوقراط، أصحاب المعرفة، كل في تخصصه، لكن هذه لم تقنع الفريق المؤيد للمعارضة. فهؤلاء تساءلوا بكل صراحة: quot;ألم يرجع مرسي إلى مرشد جماعة الإخوان في قراراته الأخيرة؟quot;.

نفى السيد هذا الأمر بشكل قاطع، بيد أنه لم ينجح في تبديل أفكار خصومه الحاضرين، فطرح كلامًا لا يخلو من التحدى: quot;إذا كان مرسي اتخذ كل القرارات بمشورة المرشد بهذا الشكل وبهذا الذكاء، فمرحبًا بحكم المرشدquot;.