بعد أن شعر المصريون بآمل كبيرة بعد أنّ انتخبوا رئيسًا جديدًا لبلادهم، تبين لهم أنه يريد فرض آرائه عليهم. وبعيدًا عن التظاهرات بسبب الاستفتاء على الدستور، يملك سكان حي بولاق الشعبي أسبابهم الخاصة للانضمام إلى المحتجين.


وعود فوق وعود تثقل أسماع المصريين من دون أن يتحقق منها شيئاً. الملصقات القديمة للرئيس المخلوع حسني مبارك ما زالت تظهر على الجدران المتداعية، مذكرة الناس بوعود فارغة بإيجاد فرص عمل للشباب. وفي الشوارع نفسها، ترتفع لافتات خلفه، محمد مرسي، للتذكير بوعود أخرى حنث بها مؤخراً.

في حي بولاق الشعبي، الذي عانى الإهمال منذ فترة طويلة حتى صار تصدع المنازل وانهيارها أمراً معتاداً، لم يكن من المفاجئ لهم أن يخفق مبارك في تحقيق وعوده. لكن تجاهل مرسي لهم أمر يصعب عليهم احتماله.

التظاهر من أجل الخبز والحرية

كانت لدى الناس آمال كبيرة في أن الأمور ستتحسن بعد أن انتخبوا رئيساً جديداً يعمل لصالح بلادهم. لكن تبين لهم ان رئيسهم يريد فرض آرائه عليهم، وفقاً لصحيفة الـ quot;نيويورك تايمزquot;. وبعيدًا عن الاحتجاجات وأعمال العنف التي ميزت الصراع حول هوية مصر، وفي انتظار استفتاء يوم السبت على الدستور، يملك سكان بولاق أسبابهم الخاصة للانضمام إلى المحتجين.

هتافات المتظاهرين من أجل الخبز والحرية تلقى صداها في أزقة بولاق، ففي العديد من ورش العمل في مجال الصناعة، التي انتقلت ملكيتها من الأجداد إلى الآباء فالأبناء، يكافح هؤلاء الإفلاس وخيبات الأمل منذ مبارك، فمرسي وجماعة الإخوان المسلمين، وحتى قادة المعارضة.

وهناك شعور في بولاق بأن السكان يتحملون أعباء الفقر مع عدم وجود مساعدة من الدولة غير المبالية، وبعد أن طال انتظارهم لوعود بالكرامة لم تحققها الثورة حتى اللحظة.

وعود مرسي للفقراء

عندما تولى مرسي منصبه قبل خمسة أشهر، شعر الفقراء وكأن الرئيس الجديد يفهمهم، لا سيما عندما تحدث عن ظروف الفقراء والناس في الأحياء الشعبية، والباعة المتجولين وسائقي quot;التوك توكquot;.

واعتقد هؤلاء أن مرسي والإخوان استحقوا فرصة الحكم، لا سيما بعد الأعمال الخيرية للإخوان المسلمين على اثر الزلزال الذي وقع في العام 1992، إضافة إلى عقود نضالها كحركة خارجة على القانون. وعلى الرغم من الشكوك التي أثيرت بعد أن كسرت جماعة الإخوان وعودها ووصل مرسي إلى السلطة، بلغت المخاوف ذروتها بعد قراره في تعزيز صلاحيته ووضع الدستور الجديد للبلاد.

ثار سكان بولاق، بما في ذلك أنصار الرئيس، معتبرين أن مرسي أصبح منشغلاً بقضايا أخرى وتجاهل همومهم المعيشية، ومتهمين رئيسهم المنتخب بالسعي وراء السلطة، للتعويض عن القمع الذي تعرضت له جماعة الإخوان، كما لو أن الشعب هو المسؤول عن الظلم الذي لحق بهم.

إخفاقات القادة الجدد

في كل مكان، يروي الناس قصصاً عن اخفاقات الحكومة، مما يدل على أن القادة الجدد لا يختلفون عن النظام القديم. كما أن رأيهم بالمعارضة ليس أفضل بكثير، إذ أنهم يتهمون قادتها بالنفاق والنفعية، وأن الكثير منهم يقاتل من أجل مصالحه الخاصة، وليس للفقراء الذي يعيشون في الأحياء الشعبية.

أميرة حسن (30 عاماً) تعمل في بيع قضبان الصيد في بولاق، التي كانت في السابق واحدة من أهم الموانئ على النيل، لكن هذا الشارع بدأ يتقلص شيئاً فشيئاً، ويتحول إلى منطقة معدومة، لا سيما وأن المنازل التي تتهاوى بسبب الإهمال والفقر لا يعاد بناءها أو استبدالها بأخرى.

وقالت إنها كانت تتابع الجدل حول الدستور على شاشة التلفزيون، مشيرة إلى أن هناك العديد من الفقرات التي لا توافق عليها، لا سيما الخلط بين القوانين والشريعة الإسلامية. وأضافت: quot;انا أنوي أن أصوت ضد الدستور، ولكن الناس هنا لا يهتمونquot;.

غضب الشارع

ويخشى العديد من سكان بولاق أن جيرانهم لن يعيروا اهتماماً للاستفتاء ولن يدلوا بأصواتهم، إما لانشغالهم بأمورهم الحياتية، أو لأنهم غير متعلمين بما يكفي لقراءة الدستور ومعرفة ما يخفيه.

بالنسبة للبعض الدستور ليس المشكلة، ولا حتى مرسي ومحاولاته في كسب المزيد من السلطة، إذ أن همهم الأساسي هو أن مصر أصبحت دولة تسودها مشاعر عدم التسامح والتعصب. ويقول البعض انهم يتوقعون أن ينعكس الغضب في الشارع على الحكومة ويؤدي إلى انتخابات لاختيار برلمان جديد بعد أن فاز الاسلاميون بنسبة 70 في المئة من المقاعد في الجولة الأخيرة.