تشير سياسة التسلط التي انتهجها الرئيس المصري محمد مرسي في الآونة الأخيرة، الى الخطأ الذي ارتكبه الرئيس الأميركي عبر التقرب من القادة الاسلاميين في مصر.


كانت الدبابات والأسلاك الشائكة تحيط بقصر الرئاسة في القاهرة وحشود من المحتجين أمام القصر، عندما اتصل الرئيس الأميركي باراك اوباما بنظيره المصري محمد مرسي الأسبوع الماضي.

فالرئيس مرسي وجماعة الإخوان المسلمين المتحالفة معه، يواجهان تهمة النكوص نحو التسلط. وبذريعة وجود مؤامرات تُحاك ضدهم انقضوا على خصومهم، وأنزلوا أنصارهم إلى الشارع في مواجهة مع المحتجين، عشية تلك المكالمة بين الرئيسين. وأسفرت الاشتباكات عن مقتل نحو سبعة اشخاص وإصابة مئات. ولكن مستشارين للرئيسين أكدوا ان اوباما لم ينتقد مرسي.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤول في إدارة أوباما أن الرئيس الأميركي بدلاً من الانتقاد، سعى إلى البناء على التقارب المتزايد مع مرسي، مؤكداً له أن من مصلحته أن يقترح حلولاً توافقية على المعارضة لكسب الثقة بحكومته.

وقال مسؤول آخر في الإدارة طلب عدم ذكر اسمه quot;إن الأسبوعين الماضيين كانا بطبيعة الحال مبعث قلق ولكننا ما زلنا ننتظر لنرى ما سيحدثquot;. وأضاف quot;ان ما نستطيع أن نقوله لصالح مرسي انه منتخب وبالتالي يتمتع بقدر من الشرعيةquot;. ولاحظ المسؤول ان مرسي فاز بنسبة 51 في المئة من الأصوات.

نتائج الاستفتاء حكم على قدرة مرسي لتحقيق الاستقرار

وإذ يتوجه المصريون اليوم إلى التصويت على مسودة الدستور في استفتاء عام، فإن نتيجة هذا الاستفتاء قد تكون أيضا بمثابة حكم على قدرة مرسي لتحقيق الاستقرار ورهان إدارة اوباما على إمكانية بناء علاقة عمل مع حكومة توجهها جماعة الإخوان المسلمين، التي نظرت إليها الولايات المتحدة طيلة عقود على أنها تهديد لقيم الغرب ومصالحه.

وقال مسؤولون في البيت الأبيض إن لدى مرسي بوصفه اول رئيس مصري منتخب ديمقراطياً، فرصة فريدة لإطلاق عملية ديمقراطية ذات صدقية، بمشاركة واسعة توفر ضمانة أكيدة للاستقرار.

ولكن خصوم الإخوان المسلمين يلفتون إلى الأساليب الفظة التي استخدمها مرسي في تمرير مسودة دستور، كتبها إسلاميون بوصفها دليلاً يؤكد مخاوفهم من أن برنامج الإسلاميين السياسي يتناقض من الأساس مع مبادئ التسامح والتعددية وحرية التعبير التي لا غنى عنها في أي نظام يدعي الديمقراطية.
ويذهب منتقدو الإخوان المسلمين إلى أن انقلاب مرسي نحو التسلط أكد إفلاس السياسة التي انتهجها اوباما بمغازلة قادة مصر الاسلاميين الجدد طيلة العامين الماضيين.

أميركا تتحمل قسطا من المسؤولية

ويقول البعض إن البيت الأبيض ربما كان يضع في تصوره نفض الغبار عن المقايضة التي عقدها مع الرئيس المخلوع حسني مبارك، بغض الطرف عن أساليبه القمعية طالما استمر في الحفاظ على استقرار النظام الإقليمي المدعوم اميركيا.

وقال الباحث الأميركي المصري في مؤسسة سينتشري في نيويورك ميخائيل حنا، الذي توجه إلى القاهرة للمشاركة في الاستفتاء إن ادارة اوباما بامتناعها عن انتقاد سياسات مرسي تتحمل قسطا من المسؤولية. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن حنا قوله quot;ان السكوت من الرضاquot; مضيفا إن مرسي يخطئ بتجاهله المصلحة الوطنية إلى حد الإستعداد لدفع البلاد نحو الحافة وعدم الإكتراث بسقوط ضحايا في الشوارع.

ولكن مستشاري اوباما يرون أن هدف الاستقرار يرتبط بهدف الديمقراطية في مصر، لأن المصريين لن يقبلوا بالاستبداد بعد اليوم. وفيما يتعلق بالموقف من مرسي، فان مسؤولين في الإدارة الأميركية ومحللين من خارجها، يجادلون بأن أخطائه حتى الآن تبدو مسألة تكتيكات أكثر منها نتيجة موقف ايديولوجي وليس لها إلا علاقة غير مباشرة بسياسته الاسلامية. وقال دبلوماسي غربي في القاهرة، تحدث لصحيفة نيويورك تايمز طالبا عدم كشف اسمه quot;ان المشكلة مع مرسي ليست ما إذا كان إسلاميا أو غير إسلامي بل ما إذا كان متسلطا أو لاquot;.

والأكثر من ذلك أن البدائل الرئيسية التي تقدمها المعارضة لا تقل تسلطاً. فان أحمد شفيق الذي خسر في الجولة الثانية من الانتخابات كان رئيس وزراء في العهد السابق وخاض حملته الانتخابية بوصفه وريث نظام استبدادي، وحمدين صباحي الذي جاء ثالثاً بفارق ضئيل ناصري تحدث عن تدخل الجيش لخلع مرسي رغم كونه رئيسا منتخبا. وقال الدبلوماسي الغربي quot;إن المشكلة مع الموقف المتمثل في quot;ألم نقل لكم؟quot; هي الافتراض القائل انه لو جرت الأمور على نحو مغاير، لكانت النتيجة أفضل وأنا لا أرى ذلكquot; مشيرا إلى أن احترام معارضي مسودة الدستور لمبادئ الديمقراطية أو حكم القانون بالكاد يزيد على احترام مرسي نفسه لهذه المبادئ. وقال الدبلوماسي quot;ليس هناك أبطال وأشرار بل الطرفان يستخدمان أساليب غير شريفة والطرفان يستخدمان العنفquot;.

ويقول معارضو مسودة الدستور إنه لا يوفر حماية كافية لحرية التعبير أو مساواة المرأة. ولكن في حكم اسلامي محافظ من الجائز أن تُصاغ بنود معينة تمنح المراجع الدينية سلطة على القانون والمجتمع. وتتضمن مسودة الدستور بنداً معمولاً به منذ زمن طويل ينص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع. وتحدد فقرة جديدة في المسودة هذه المبادئ بصيغة فضفاضة، تقول إنها quot;تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعةquot;.

ويخشى منتقدون أن هذا النص بمكن أن يُستخدم ذات يوم ضد النواب أو الحقوقيين غير المسلمين.

ولكن مسؤولين في البيت الأبيض يرون أن مسودة الدستور رغم ما يعتري بعض نصوصها من ابهام لا تفرض حكماً لاهوتياً. وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي تومي فتيور quot;ان السؤال سيكون، كيف ينفذ رئيس الوزراء المقبل ما يتضمنه الدستور وما هي رؤيتهم لمصرquot;.

ويتهم خصوم مرسي حلفاءه الإسلاميين بتحشيد أنصاره للمطالبة بالدفاع عن الشريعة الاسلامية. وهم يذهبون إلى أن استحضار الدين يشيطن خصوم الاسلاميين بطريقة ظالمة، رغم ان غالبيتهم مسلمون مؤمنون، ويوسع رقعة الاستقطاب التي عطلت الحياة السياسية المصرية. ولكن مرسي لم ينضم إلى مثل هذه الدعوات.

ويرى باحثون مختصون بشؤون جماعة الإخوان المسلمين أن أساليب مرسي التسلطية الأخيرة ربما تتصل بتاريخ الحركة الاسلامية السياسية في مصر. فهو نشأ في صفوف الإخوان عندما كانوا جمعية سرية محظورة في دولة مبارك البوليسية، همهم الرئيسي البقاء فكانوا يرون ما يتربص بهم في كل زاوية.

مرسي يتعلم من أخطائه

ودافع مسؤولون في البيت الأبيض عن مرسي قائلين انه يتعلم من اخطائه. وان مرسي إذ كان يخشى ان يقرر القضاء حل الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور أو تجريده هو من سلطاته تمادى باعلانه الدستوري الذي يحصن قراراته ضد الطعون القضائية ويضعه بذلك فوق القانون إلى حين المصادقة على الدستور الجديد.

ولكن مرسي تراجع بخطى حثيثة تحت ضغط الشارع. وبعد الخطأ القاتل الذي ارتكبه الإخوان بتعبئة انصارهم الإسلاميين لحماية القصر الرئاسي، حرصوا على عقد جميع اجتماعاتهم الحاشدة بعيداً عن اجتماعات خصومهم لتفادي مزيد من الاحتكاك والعنف.

ويقول مستشارو البيت الأبيض الذين ينظرون إلى ما بعد الاستفتاء إنهم يحثون مرسي على استثمار أي رصيد سياسي يكسبه في التواصل مع خصومه لبناء شرعية حكومته والعملية السياسية بصفة عامة. ويقول مستشارو مرسي إن لجنة الحوار الوطني التي دعاها إلى الإجتماع، ما زالت تتدارس مثل هذه الاقتراحات.

ويجوز للرئيس بموجب القانون المصري المعمول به حالياً أن يعين نحو ثلث اعضاء مجلس الشورى، ومن الأفكار المتداولة انه يستطيع أن يبادر إلى تعيين خصوم سياسيين في المجلس لإيجاد قدر من التوازن. فإن مجلس الشورى هو الهيئة التشريعية الوحيدة العاملة حتى الانتخابات البرلمانية القادمة وعليه ان تبت في قضايا حساسة مثل القوانين الانتخابية.

وقال مسؤول في البيت الأبيض إن ما ستنقله الإدارة الأميريكة إلى مرسي يتمثل في أنه quot;بوصفه رئيس مصر المنتخب ديمقراطيا، الذي مرر لتوه دستوراً يقع على عاتقه هو عبء العمل لمعالجة هذا الانقسامquot;. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن المسؤول قوله quot;سنتطلع إلى رؤية اجراءات ملموسة مثل الاستعداد لتعيين أعضاء في مجلس الشورىquot;. وأضاف المسؤول quot;نحن نقول الشيء نفسه للمعارضة، أن عليهم أن يكونوا مستعدين للمشاركةquot;.