كانت مناسبةحضور الملكة اليزابيث الثانية اجتماع مجلس الوزراء يوم الثلاثاء مناسبة مدويّة لأنها حدثت للمرة الأولى منذ 230 سنة من تاريخ بريطانيا. ورغم أن الأمر كان احتفاليًا بحتًا، فقد أثار تساؤلات لا تخلو من القلق على مستقبل البلاد السياسي.

لندن: صباح الثلاثاء من الأسبوع الحالي حضرت اليزابيث الثانية اجتماع مجلس الوزراء الصباحي في 10 داونينغ ستريت. ورغم أنها حضرته laquo;فقط كمراقبة للإحاطة علمًا بما يدور في هذا النوع من الاجتماعاتraquo;، فقد كان مجرد وجودها يعني أنها laquo;تترأسهraquo; (مكان رئيس الوزراء ديفيد كاميرون) لأن الحكومة ndash; في نهاية المطاف ndash; هي حكومتها.
وبذلك صارت اليزابيث الثانية أول ملك / ملكة يترأس اجتماعًا لمجلس الوزراء على مدى 230 سنة متصلة. ورغم أن هذا الحدث تم فقط في إطار الاحتفالات بسنة اليوبيل الماسي للملكة ولم يتجاوز حدود هذا الإطار بأي شكل كان، فقد أثار خواطر ومشاعر مختلطة لا شك في أن القلق كان أحد عناصرها.
وعلى سبيل المثال فقد نظر الحادبون على laquo;دستورraquo; البلاد الى الحدث بالكثير من التوجس لأنه، في نظرهم، laquo;يعكر صفو المياه بين حكومة الشعب المنتخبة المستقلة والعرش الذي لا يصل اليه الا الورثاءraquo;. ولكن، بالنسبة للبعض الآخر، فقد كانت المناسبة laquo;صناعة للتاريخ لم يُشهد مثيل لها في أيام السلم على مدى أكثر من قرنين، ولذا فهي تستحق كل الحفاوة الممكنة في عموم البلادraquo;.
وبالنسبة لمجلة laquo;فورين بوليسيraquo; الأميركية التي خاضت في مضامين الحدث، فربما كان بالنسبة للملكة نفسها تذكرة لها بنوع السلطة الحقيقية التي كانت من نصيب التاج في سابق العصر والأوان، وكان ممكنًا بالتالي أن تكون من نصيبها لولا أنها تولت العرش في وقت لا يشهد أي نوع من الدكتاتورية الملكية في أوروبا الحديثة. ولكن، فلنفترض أن الملكة سعت الى أداء دورها التقليدي في الحكم وبيد من حديد إذا أرادت، فماذا يحدث إذن؟
إذا كانت هذه هي الحال فعلاً فثمة أنباء غير سارة للملكة، لأنها أضاعت فرصة انتهى سريان مفعولها العام الماضي فقط. فوقتها كان لديها (من الناحية القانونية البحت) الحق في طرد رئيس الوزراء وحل الحكومة والبرلمان. وما حدث العام الماضي هو أن البرلمان أجاز قانونًا يسمى laquo;تثبيت الولاية البرلمانيةraquo; الذي ينص مختصره على أن هذه المؤسسة تستمر في العمل لخمس سنوات متصلة. ولا يصيب التغيير هذا الوضع الا في حال سحب البرلمان نفسه الثقة من الحكومة أو اضطرت البلاد لإجراء انتخابات مبكرة.
وجادل البعض بأن للملكة الحق في أن ترفض طلب رئيس الوزراء حل البرلمان (لأن تشكيل الحكومة بما فيها منصب رئيس الوزراء نفسه وحل البرلمان وتشكيل آخر وغيرها مسائل يجب أن تحظى بموافقة العرش دستوريًا). لكن هذا يتم في إطار laquo;التقاليد الاحتفاليةraquo; وفي حال استغلته الملكة فهو يعني أنها laquo;تتجاوز في الواقع مبدأ فصل العرش عن الأمور السياسية كافةraquo;. فهل تغامر الملكة بهذا؟ الإجابة الواضحة هي النفي.
والملكة مطالبة بالتقيّد بالموافقة على سائر القوانين التي يستنّها البرلمان (رغم أن هذا يدخل في باب الشكليات). وفي هذا الصدد، فلنذكر أن الملكة آن كانت آخر من رفض الانصياع لهذا الأمر في 1707 عندما تعلقت المسألة بكيفية التعامل مع ميليشيا اسكتلندية. وفي 1829 هدد الملك جورج الرابع بسحب الموافقة الملكية على قانون يسمح بجلوس الكاثوليك في البرلمان ولم يتراجع عن موقفه هذا الا عندما هدده رئيس وزرائه من جانبه بالاستقالة.
لو كانت اليزابيث الثانية تضمر حنينًا للعودة ببلادها الى الملكية المطلقة فالأرجح أنها ما كانت لتنتظر كل هذا الزمن لتتمتع بها وهي في أواخر عمرها. وهي أيضا تعلم نوع الخسائر التي عاد بها ابنها الأمير تشارلز على أسرتها المالكة جراء إصراره على الخوض في الشؤون السياسية. وبالطبع فهناك حفيدها الأمير وليام... وذريته من بعده. فهل يحاول الشيء نفسه؟ لا على الأرجح، وإلا فسيجد أن عليه أن يعبر أولاً جبالاً ووديانًا مستحيلة العبور.