الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي

مهمة صعبة تلك التي تنتظر الرئيس الفرنسي الحالي نيكولا ساركوزي في إقناع الفرنسيين بمشروعه السياسي لحكم فرنسا لولاية ثانية، سيما و أن آخر استطلاعات الرأي تكشف أنه بعيد كل البعد عن مستوى الشعبية التي كان يحظى بها في المرحلة نفسها من الرئاسيات السابقة.


باريس: لقد اختار الرئيس الفرنسي الحالي نيكولا ساركوزي في ظل الصعوبة التي تهدد مستقبله السياسي، استراتيجية الغموض بشأن ترشيحه لسباق الإليزيه المقبل، ولم يتسلح بنفس الحماس الذي عرف به في المرحلة نفسها، عندما كان وزيرا في حكومة الرئيس السابق جاك شيراك، حيث عبر وقتها أنه كان يفكر في هذه المبارزة السياسية كل صباح quot;عندما يحلق ذقنهquot;.

وفي آخر لقاء تلفزيوني له، والذي خص به أربع محطات تلفزيونية لها وزنها على الساحة الإعلامية الفرنسية، ظل سيد الإليزيه يراوغ مستجوبيه في الكشف عن نيته الحقيقية للترشح لمنصب الرئاسة، وأفصح عن ذلك بلغة ملتوية قائلا إن موعدا ينتظره مع الفرنسيين.

ساركوزي سعى لأن يسوق لنفسه في هذا اللقاء، الذي حضره متمنطقا برزمة من الإصلاحات الاقتصادية لبعث حياة جديدة في حركة اقتصادية فرنسية تعاني كثيرا في الظرف الحالي، صورة الرئيس المتمكن من جميع ملفات البلاد والواعي بوضعها الاقتصادي والاجتماعي والرئيس الذي يسكنه هم أساسي، اليوم، هو إنقاذ فرنسا.

المعارضة الفرنسية، وعلى عكس الأغلبية اليمينية التي رأت أن التدابير الاقتصادية التي طرحها الرئيس الفرنسي ستمنح دينامية جديدة للاقتصاد، رأت فيها هدايا جديدة يقدمها ساركوزي للباطرونا، مؤولة شعاره الشهير خلال حملة الرئاسيات السابقة quot;اشتغلوا أكثر لتكسبوا أكثرquot;، على أنه تحول إلى quot;اشتغلوا أكثر لتكسبوا أقلquot;.

خطة الرئيس الإعلامية

المحلل السياسي ورئيس تحرير إذاعة مونتي كارلو الدولية مصطفى طوسة، يعتبر أن عدم إقدام ساركوزي على إعلان ترشحه بوضوح للرئاسيات المقبلة quot;هي رغبة في أن يستغل منصبه كرئيس جمهورية حتى آخر لحظة من ولايته... ما يمنحه فرصة ثمينة لمخاطبة الفرنسيين كرئيس مسؤول يمارس السلطة، وليس كمرشح يصبو إلى نيل الثقة...quot;.

ويضيف طوسة محللا خطة الرئيس الفرنسي الانتخابية أنه quot;لاشك أن فريق ساركوزي وضع في إستراتيجيته قضية المسائلة الانتخابية، التي يمكن أن تطال المرشح ساركوزي كباقي المرشحين من حيث حجم تدخلهم عبر وسائل الإعلام ...فهو رئيس يمكن أن يستغل الإعلام بالطريقة التي يريدها بينما كمرشح عليه أن يحترم مسطرة الحملة الانتخابية...quot;.

ويستدرك في نفس السياق قائلا quot;لكن بالرغم من هذه الايجابيات، هناك من داخل فريقه من يضغط باتجاه أن يعلن ترشحه في أقرب وقت انطلاقا من طبيعة الظروف السياسية التي بدأت توحي بأن حظوظه وقدرته على استقطاب ثقة الفرنسيين أصبحت ضئيلةquot;.

إصلاحات متأخرة

إن كانت التدابير التي أتى بها على أثر ظهوره الإعلامي الأخير ستعيد الروح لشعبيته، يقول طوسة: quot;الإعلانات التي جاء بها الرئيس ساركوزي خلال مداخلته التلفزيونية لم تشف غليل الفرنسيين، فإذا قرأنا افتتاحيات الصحف الفرنسية نلاحظ أنها وجهت عتبا أساسيا للرئيس ساركوزي، عبر تساؤل سياسي قاتل... ما دامت لديك كل هذه الأفكار وكل هذا الحماس لحل أزمة الفرنسيين، والنهوض بالاقتصاد الفرنسي لماذا لم تقم بذلك منذ توليك زمام الأمور عام 2007؟quot;.

وتابع موضحا إن quot;ساركوزي يعاني من معضلة كبيرة، وهي أنه رجل يحاسب على حصيلة أدائه وكل الوعود التي سيبلورها أمام الفرنسيين تواجه إشكالية المحاسبةquot;.

في نفس الاتجاه يعتبر الإعلامي والمحلل السياسي يوسف الهلالي إن quot;الإصلاحات على بعد أقل من تلاثة أشهر من الانتخابات، لا تتمتع بالشرعية، في نظام ديموقراطي...quot;، وهي اصلاحات، يقول الهلالي، quot;تخيف حتى برلمانيي الأغلبية الذين استقبلهم ساركوزي لطمأنتهم...quot;، مسجلا في الوقت نفسه نوعا من quot;الخوف بدأ يزحف على الأغلبية الحاليةquot; من ضياع الحكم من بين أيديهم خلال السنوات المقبلة.

و يحاول ساركوزي، بحسب رأي الهلالي، في ظل استمرار شعبية فرنسوا هولاند، مرشح المعارضة الاشتراكية، تجريب كل شيء بما فيها quot;الإصلاحات غير الشعبية...quot;، بفعل quot;تزايد مخاوفه مع اقتراب الموعد الانتخابيquot;.

تناوب سياسي في الأفق

هذا الوضع يطرح امكانية حدوث تناوب سياسي بموجب المحطة السياسية القادمة، بل يعتقد طوسة أنه quot;أصبح واضح المعالم، اليوم، خصوصا بعد الإقرار بحقيقتين أساسيتين....quot;، بحسب تعبيره، يحددهما كالتالي:

quot;الاولى هى أن الرئيس ساركوزي فشل في الحصول على استطلاعات رأي مشجعة له، و الثانية هي ظهور شخصية الاشتراكي فرانسوا هولاند كمنافس جدي في وقت كان اليمين يراهن على عدم قدرة اليسار على إفراز منافس يهدد تجديد ولايته...quot;.

ليخلص إلى القول quot;بغض النظر عن هذه المعطيات يواجه ساركوزي صعوبة في الحصول على ولاية ثانية، وهو بحاجة إلى حدث استثنائي لتحقيق ذلك...quot;، مذكرا quot;أن الرئيس الاشتراكي فرانسوا ميتران أعيد انتخابه عام 1988 بعد تجربة تعايش سياسي رجحت الكفة لصالحه، والرئيس جاك شيراك جدد ولايته عام 2002 بسبب و صول رمز اليمين المتطرف جان ماري لوبين إلى الدور الثانيquot;.

فيما يرتكز الإعلامي والمحلل السياسي يوسف الهلالي على نتائج استطلاعات الرأي لمدة أكثر من ثلاثة أشهر ليؤكد إمكانية حدوث تناوب سياسي في فرنسا، بل أنه لا يستبعد حصول مفاجأة من قبل quot;أحد ممثلي الأحزاب الصغرى أو المتطرفة إذا لم يتمكن هولاند، المرشح الأوفر حظا للفوز في هذه الانتخابات، من كسبها...quot;.