لندن: في شقة سيدة حلبية عجوز كان التلفزيون مفتوحاً على قناة الدنيا التلفزيونية الموالية لنظام الرئيس بشار الأسد. وقالت الأرملة الحلبية المؤيدة للأسد أنها انذرت قططها بأنها quot;إذا كانت معنا فانها تستطيع البقاء وإذا كانت ضدنا سأطلقها في الشوارعquot;.

مالت ابنة السيدة الحلبية، التي تعمل معلمة، على قطة تدفئ نفسها قرب الموقد وسألتها quot;هل تحبين بشار؟quot;

وعلى امتداد 11 شهرا تطرح مدن سوريا الأخرى هذا السؤال على حلب ثاني اكبر المدن السورية. ولكن حلب التي كثيرا ما توصف بأنها تقف موقف المتفرج على الانتفاضة المستمرة من 11 شهرا، تبدو الآن مترددة وغير واثقة. وفي حين تواصل أجهزة الأسد الأمنية حملتها ضد حركة المعارضة في انحاء سوريا فان سكان حلب يبدون غير متأكدين أين يقفون.

quot;هل أنت مع أو ضد؟quot; سؤال شائع بين الأصدقاء وافراد العائلة الواحدة. ويؤدي الجواب الى نقاشات ساخنة. ولهذا النقاش أثر ابلغ على مستقبل سوريا.

وعلى غرار العاصمة دمشق فان مدينة حلب نجت من الدمار الذي نزل بمناطق قُمعت معارضتها للنظام بوحشية. فعلى بعد 160 كلم جنوب حلب تقع حمص ثالث أكبر المدن السورية، ومعقل المعارضة الذي تحول الى ساحة حرب.

ولا يتوقع أحد ان تتخذ الأحداث مثل هذا المنحى في حلب بوصفها مدينة موالية للنظام منذ زمن طويل وعاصمة سوريا التجارية. ولكن النظام يحكم قبضته على حلب ودمشق مدركا ان وقوع اضطرابات واسعة في أي منهما يمكن ان يهدد حكم الأسد تهديدا حقيقيا، كما افادت صحيفة لوس انجيليس في تقرير من حلب.

وكانت احتجاجات اندلعت في الضواحي والمحافظات المحيطة بحلب رغم ان المدينة نفسها لم تشهد حتى الآن تظاهرات كبيرة. ولكن تقارير افادت بأن أكثر من 12 شخصا من حي مرجة الفقير قُتلوا بنيران قوات النظام خلال الاسبوعين الماضيين. وتكاد شوارع حلب تكون نظيفة الآن من صور الأسد التي كانت منتشرة في كل مكان، بعد سلسلة هجمات استهدفت واجهات متاجر ونوافذ سيارات خلال الشهرين الماضيين.

وفي سوق المدينة القديمة الأشبه بمتاهة حيث تتعايش المتاجر والحمير والدراجات النارية في أزقتها الحجرية الضيقة، ما زال التجار يؤيدون الأسد عموما وأجهزة التلفزيون مفتوحة على قناة الدنيا في متاجرهم التي تبيع كل شيء من المصوغات الى التوابل، ومن الملابس الداخلية الى بدلات الزفاف.

ولكن لم يعد غريبا أن ترى اشخاصا يتابعون قناة الجزيرة، وهو بحد ذاته مؤشر محتمل الى موقف المرء لا سيما وان القناة دأبت على التركيز على هجمات القوات الحكومية على المدنيين حتى ان وكالة لأنباء الرسمية quot;ساناquot; تتهم الآن القنوات الفضائية بالتحريض على الفتنة.

وفي مدينة كثيرا ما يتناول سكانها وجباتهم مساء في المطاعم أو المشاوي المنتشرة على الأرصفة أخذوا الآن يخافون الظلام بسبب التقارير التي تتحدث عن اعمال خطف وسطو واغتصاب. ولم يعد الحلبيون يساومون مع سائق quot;التاكسيquot; على الأجرة خشية ان يكون السائق أو الراكب مسلحا، كما لاحظ مراسل لوس انجيليس في المدينة.

وحين اكتشف تلميذ مؤخرا شعار quot;يسقط بشارquot; مكتوبا على باب مصعد قرر ان يزيله. وجرى نقاش بين التلاميذ الذي معه إن كان هذا الفعل البسيط سيعرضه للخطر، إما من قوى الأمن التي قد ترتاب بأن التلميذ هو من كتب الشعار أو ناشطي المعارضة الذين قد يعاقبونه على ازالته.

وبدأت الاعلانات التي تزين غالبية الساحات والمفترقات تستنهض الروح الوطنية وتدعو الى النظام. ويبدو ان الاعلانات تحرص على التوضيح بأن معارضة الانتفاضة لا تساوي موالاة النظام.

في هذه الأثناء بدأت الضائقة الاقتصادية تؤثر على حياة اهل المدينة. إذ ارتفعت اسعار الغاز والديزل ووقود التدفئة ارتفاعا حادا مع تناقص الامدادات. وهناك ايضا نقص في الخبز ولفت محل حلاقة الى زيادة التسريحات القصيرة في محاولة من النساء للاقتصاد في استخدام مكيف الشعر واستهلاك الماء. وفي ايام توزيع الوقود ينتظر اصحاب السيارات ساعات في الطابور لملء خزاناتهم، وتزداد حدة الزحام في عموم المدينة.

ويتهم الموالون للنظام حركة الاحتجاج ومقاتلي المعارضة بالمسؤولية عن الفوضى الاقتصادية وإشاعة أحساس بغياب القانون. ويقول البعض ان المعارضة أوجدت مناخا يرى فيه المجرمون فرصة. ويذهب الموالون الى ان تردي اوضاع المدينة في كل الأحول سبب كاف لبقاء الأسد.

ولكن يبدو بصورة متزايدة أكثر فأكثر ان الذين لم يحسموا موقفهم لا يعرفون ماذا يفعلون. ونقلت صحيفة لوس انجيليس عن طالبة جامعية تدرس الأدب الانكليزي قولها quot;نتحدث مع مؤيدي الثوار وما يقولونه يبدو هو الصواب ونتحدث مع مؤيدي النظام وما يقولونه يبدو هو الصواب. ولا نعرف ما هو الصواب في الحقيقةquot;.