خلق عدم ظهور المحلل السياسي سالم البيض في برنامج quot;ما وراء الحدثquot; على القناة التونسية الثانية، تساؤلات عديدة حول الديمقراطية ما بعد الثورة، لا سيما في الحقل الإعلامي، حيث اتهم البيض الوزير الأول السابق الباجي قائد السبسي بالعمل على إقصائه من البرنامج.


المحلل السياسي سالم البيض

تونس: على القناة التونسية الثانية، كان الجميع ينتظر quot;محاكمة سياسية موضوعيةquot; للبيان الصادر مؤخراً عن الوزير الأول السابق الباجي قائد السبسي، في مضمونه ودلالاته وسياقه الزمني، في ظل التجاذبات السياسية التي تشهدها الساحة السياسية في تونس في هذه المرحلة الحساسة من الجمهورية الثانية من خلال برنامج quot;ما وراء الحدثquot; بمشاركة الأخير وعدد من الوجوه السياسية والمحللين.

وكان من المفروض مثلما أعلن سابقاً أن يشارك المحلل وأستاذ علم الإجتماع السياسي الأستاذ سالم البيض ولكن المقعد المخصص له بقي شاغرا في quot;البلاتوهquot;، الأمر الذي أثاره عضو المكتب السياسي لحركة النهضة رياض الشعيبي أثناء النقاش فاختلفت الردود حول أسباب هذا الغياب، ويعلن مقدم البرنامج quot;إنه أمر سيادي للقناةquot;، بينما تعتبر مديرة القناة بدورها quot;إن السبب تقني بحتquot;، إلا ان د. سالم البيض فنّد لـquot;إيلافquot; quot;هذه المزاعم quot;، وأكد أنّ الوزير الأول السابق قائد السبسي هو من يقف وراء هذا الإقصاء لأسباب أوضحها في الحوار التالي:

bull;كيف تمّ إقصاؤك من برنامج quot;ما وراء الحدثquot; في القناة الوطنية الثانية؟

لقد تمت دعوتي في برنامج quot;ما وراء الحدثquot; الذي يبث على القناة الوطنية التونسية الثانية ضمن مجموعة من المدعوّين من بينهم رئيس الوزراء السابق الباجي قائد السبسي، وذلك لدراسة البيان الذي أصدره الأخير منذ أيام وأبعاده وتوقيته، ولكن في آخر لحظة تم إبعادي بعد أن اتصلوا بي وطلبوا مني عدم الحضور quot;لأسباب تقنيةquot; مثلما قالوا.

وهي أسباب واهية فهذا التبرير غير مقنع وغير وجيه، فقائد السبسي هو الذي اشترط حضوره مقابل غيابي وكان تدخله لدى الإدارة العامة للقناة التي قبلت الشروط، وبالتالي تم التنازل وهذا ما حصل.

والغريب أن اسمي قبل بث البرنامج كان موجودا ضمن المدعوين وصدر في عديد الصحف ولكن بالأمس وبعد ما حدث أصدرت القناة الثانية بلاغا جديدا لا يتضمن اسمي.

bull;ومن يقف وراء هذا الإقصاء؟

الوزير الأول السابق لا يرغب في ظهوري على شاشة التلفزة وبالتالي فقد تم رفض حضوري للمشاركة في البرنامج، والسبب يعود إلى أنه يعرف جيدا أني نقدت بيانه على أعمدة الصحف وتحدثت عن فترة حالكة من تاريخ الحكم البورقيبي، وما حدث من تعذيب وقتل لأكثر من تسعين من القوميين في وقت كان فيه الباجي قائد السبسي وزيرا في نظام بورقيبة.

وأنا عبرت عن رأيي وقلت إني ضد بيان قائد السبسي لأنها عبارة عن بورقيبية جديدة عائدة بكاريزما تفتقد لكاريزما بورقيبة، وقلت إن قائد السبسي لم يقد الثورة حتى يكون وصياً على ما أنتجته من مؤسسات وغيرها.

وقائد السبسي نفسه صرّح على قناة نسمة بأنه يراقب ردود الأفعال على هذه المبادرة ومن أول ردود الأفعال موقفي الشخصي الذي كان واضحاً.

bull; هل هناك أمور خفية مع الوزير الأول السابق لا يعرفها الجميع جعلته يطالب بإبعادك عن البرنامج؟

لا مشاكل بيننا، بل إني لم أقابله أبدا ولم أتحادث معه مباشرة فأنا كباحث وجامعي ومختص في تاريخ الحركة الوطنية التونسية وتاريخ quot;البورقيبيةquot; ولي مواقف و قراءات نقدية لتلك التجربة وهو وباعتباره جزءا من تلك التجربة ربما أحسّ بأن المسألة تعنيه.

كما أني نقدت في جريدة quot;الشروقquot; البيان الذي أصدره منذ أيام وقلت إن الشروط لا تتوفر بأن يقوم الباجي قائد السبسي بدور لخلق قطب سياسي كبير يقود به المعارضة وهذا الرأي منشور وقد يكون اطلع عليه فكان له هذا الموقف مني، إذن ليست هناك مشاكل شخصية بيننا وكل ما في الأمر اختلاف في الآراء وهذا أمر تسمح به القوانين و الشرائع.

bull;وكيف يتحمل السبسي ما حصل من تعذيب وإعدامات خلال تلك الحقبة؟

عندما سئلت عن موضوع الإعدامات، قلت إن فترة الحكم quot;البورقيبيquot; عندما كان قائد السبسي وزيراً في ذلك النظام شهدت 90 إعداماً سياسيا كلهم من القوميين والعروبيين بمن فيهم الذين أعدموا عام 1962 والسبسي كان مشاركا في الحكومات المتتالية ولم أقل إنه مسؤول عن تلك الإعدامات ولكنه عندما يكون مشاركاً فهو يحمل وزر تلك الحكومات.

bull;هل لا يزال قمع الحريات قائما بعد الثورة التونسية؟

لا يقتصر الأمر على تكميم الأفواه، بل يتجاوز ذلك إلى التشويه، فقد كتب بعض القريبين من السبسي بأني كنت تجمعياً بينما لم أنخرط يوما في أي حزب كان ولم أحضر يوما اجتماعاً حزبياً.

bull;البعض يقول quot;إن من اعتدى على زياد كريشان و حمادي الرديسي ينتمون إلى تيارات إسلامية، ولذلك تم التشهير بهم أما من يقف وراء إقصاء د. سالم البيض فهو ليس سلفيا ولا نهضويا، وبالتالي تم طمس الموضوعquot;، فما رأيك؟

فعلا، لقد تمّ طمس الموضوع لأن هناك حقبة مظلمة من تاريخ تونس لم تفتح ملفاتها، وبالتالي يجب تصويب التاريخ وعندما نقوم بمحاكمة صورية شكلية، ذلك لكي نعرف ونفهم ونقف على الحقائق، لأني لا أدعو إلى الثأر، والإقتصاص ولا أدعو إلى محاكمة قائد السبسي ولكن أدعو إلى تصحيح المواقف التاريخية أمام الأجيال.

إلا ان هناك من لا يريد أن تفتح هذه الملفات حتى لا يدان البعض في حكومات بورقيبة وحكومات بن علي، فيسعون إلى التشويه إضافة إلى انخرام موازين القوى ووجود quot;اللوبياتquot; في قطاع الإعلام، فأنت ترى ما حدث في قضية قناة نسمة والباجي قائد السبسي هو نفسه قد حضر للمرافعة.

بينما هناك إقصاء واضح في هذه القضية وتكميم للرأي وعدم السماح للرأي الآخر بالتواجد والظهور، فلا يشهّرون بمرتكبيها ويقع طمس الحقائق وعدم إعلام الرأي العام، كما لم تتعاطف الأحزاب ولم تصدر بيانات تنديد بما حصل، وتقف منظمات المجتمع المدني موقفا محايدا وكان من المفروض أن تتحرك النقابة الوطنية للصحافيين والإتحاد العام التونسي للشغل وغيرها للتنديد بهذا السلوك المرفوض وعلى عكس ما حصل عند الإعتداء على رئيس تحرير صحيفة المغرب زياد كريشان.

bull;قال رئيس تحرير quot; عرابيا quot; الصافي سعيد quot;الثورة الليبية أطاحت بأبواق النظام القديم أما الثورة التونسية فلم تغير مذيعا واحداًquot; فهل يصدق هذا القول ؟

اللوبيات القديمة في الإعلاملا تزال متواجدة على الساحة، وظهرت لوبيات جديدة وأصبحت تتحكم في العملية الإعلامية، وأنا أرى أن الثورة القادمة في تونس ستكون تصحيحية على الإعلام لأن الشعب التونسي يشعر الآن أن الإعلام بقي خارج الثورة ولم تمسّه في شيء، وهو بين أيدي القوى المضادة للثورة وهذا شعور عام لدى الجميع.

bull;وهل يمكن أن يُصلح الإعلام ويكون محايدًا وموضوعياً؟

يمكن ذلك بشرط تشكل هيئة إعلام مستقلة وممثلة فيها كل القوى الوطنية متنوعة وتضم جميع الأحزاب والقوى والمنظمات المهنية والهيئات وغيرها، وتصبح على قدر المساواة وتتخذ قراراتها ديمقراطيا بالتصويت، لكي تكون قادرة على إصلاح المشهد الإعلامي.

اما الهيئة الحالية للإعلام التي تشكلت بعد الثورة، فهي غير مستقلة وغير محايدة، وتجد نفسها أحيانا تعاني في عديد من الصراعات واللوبيات في مجال الإعلام نتيجة نوع من التحزب.

bull;هل على التلفزة الوطنية ان تعبر عن رأي الشعب بما أنه يساهم في تمويلها من خلال دفع معلوم دوري؟

نظرا لوجود صراعات ولوبيات قديمة داخل التلفزة ولوبيات جديدة دخلت في الحكومة الإنتقالية لقائد السبسي، إلى جانب وضوح المسارات و التركيز على أحداث دون أخرى والتهميش لشخصيات و منح الفرصة لشخصيات أخرى، لم يشعر المواطن التونسي أن التلفزة الوطنية تمثله اعتبارا إلى أنه يمولها.

وحاليا تتعالى أصوات وعرائض تمضى تطالب بالتوقف عن دفع الضريبة لفائدة الإذاعة و التلفزة التونسية وهذه مسألة خطيرة على مستقبل التلفزة الوطنية يمكن أن تؤدي بها إلى الإفلاس إذا تمت هذه العملية.

bull;هل من رسالة تريد توجيهها إلى الرأي العام التونسي؟

كل ما أريد قوله هو أن قضايا الرأي العام هي قضايا مشاعة بين الجميع، وكل المواطنين يمكن أن يدلوا بأصواتهم و الثورة التونسية حررت الجميع، ولا أحد وصيّ اليوم على هذا البلد والطريقة الوحيدة لحسم مثل هذه القضايا، هي الديمقراطية التي تحققت في جانبها السياسي ونتمنى أن ترى النور في الجانب الإعلامي، وحتى في الديمقراطية الإجتماعية و الثقافية و غيرها.