إعداد عبد الإله مجيد: أثار العثور على جثث مرمية في حفر مليئة بالنفايات على أطراف مدينة حمص لأشخاص قُتلوا بطريقة الإعدام، تساؤلات عن مدى القسوة التي تمارس على جانبي النزاع في سوريا.

يتضح من جثة أحد القتلى الأربعة، وكانت مكشوفة بالكامل، أنهم ضحايا تصفية جسدية. وكان وجه صاحبها أقرب إلى الجمجمة بسبب التفسخ، ولكن الحبل المربوط حول قدميه ما زال جديدًا. وكانت يداه أيضًا موثوقتين وراء ظهره. وإمعاناً في المهانة كان الضحية قد ألقي على بطنه وعجيزته مكشوفة، بعدما تعمد القتلة إنزال بنطاله إلى ركبتيه.

وكانت الجثث الأخرى نصف مدفونة، ما عدا منطقة الحوض، وعظام الساق في واحدة منها، أخرجتها الحيوانات السائبة ونهشتها حتى العظم.

كانت أربع جثث لم يُقتل أصحابها بطريقة إنسانية على الإطلاق. ونقلت صحيفة الديلي تلغراف عن مرشدو مراسلها في مدينة حمص quot;إن جنود نظام الأسد هم الذين قتلوهمquot;، مشيرين إلى أنهم quot;ربما كانوا جنودًا يحاولون الفرار إلى الجانب الآخرquot;.

وليس هناك سبب يدعو إلى الشك في ما يقوله المرشدون، لأن الكثير من السوريين لاقوا مصيرًا مماثلاً خلال العام الماضي، ولكن هناك أسبابًا وجيهة للشك في هذه الواقعة تحديدًا، التي لم يكون المرشدون أنفسهم واثقين من روايتهم بشأنها، بحسب صحيفة الديلي تلغراف، لافتة إلى أن أصحاب الجثث لا يرتدون ملابس عسكرية، وإذا كانوا مدنيين من هذه المنطقة التي يسيطر عليها الثوار قرب حمص، فإنه من المستغرَب ألا يأتي أحد لأخذها، ودفن أصحابها، بما يليق بالشهداء، بل كانت الجثث مرمية في مكانها منذ زمن.

وكان رد فعل جنود الجيش السوري الحر قرب المكان على وجود صحافيين غاضبًا على غير المعتاد، وطالبوا quot;بمحو صورنا الفوتوغرافية، وأُبلغ مرشدونا بأن يعيدونا إلى بلدة قُصير القريبةquot;، كما يروي مراسل الديلي تلغراف، واصفًا الوضع في سوريا بأنه quot;حرب أهلية عنيفةquot;.

وأضاف أنه من المتعذر القول على وجه التأكيد من هم القتلى الأربعة المرمية جثثهم في الحفرة أو من الذي أعدمهم. فهم لا يختلفون عن الضحايا الآخرين لهذا النظام الدكتاتوري أو ضحايا نظام القذافي، ولكن ليس هناك ما يشير إلى وجود رحمة لدى أي من طرفي النزاع، على حد تعبير مراسل الديلي تلغراف.

وكان الثوار نصبوا ليل السبت الماضي كمينًا في هذه المنطقة لقافلة عسكرية، وعطّلوا دبّابة، من دون أن يُعرف حجم الإصابات. وفي يوم الخميس دُمّرت حافلة، وتعرّضت ثكنة إلى الاجتياح، ما أسفر عن مقتل 18 شخصًا على الأقل في الهجومين.

ولا يبدو أن الثوار يقيمون اعتبارًا يُذكر لأعدائهم، رغم أنهم كانوا على الأرجح رفاقًا حتى عهد قريب، لأن العديد من مقاتلي الجيش السوري الحر هم جنود منشقون. وكانت هناك تقارير عن علويين قُتلوا على أيدي أفراد الجيش السوري، وغالبيتهم من السنة.

لكن مما لا شك فيه أن جرائم الثوار، في حال ثبتت عليهم، لا تُقارن بدموية الانتقام الذي ترد به قوات النظام، والتي غالبًا ما تكون طائفية على نحو سافر، بحسب الديلي تلغراف.

وتابعت الصحيفة على سبيل المثال أن ثلاثة من أبناء أبو قاسم أحد شيوخ بلدة قصير قرب حمص كانوا يساعدون والدهم في ضيعته حين شنّ الجيش هجومه الأول على البلدة في أيلول/سبتمبر، فاتحًا النار بلا سابق إنذار ردًا على سلسلة تظاهرات لا أكثر. وجاء أول نذير بما حدث للأشقاء يثرب وأشرف وغريدان عندما اتصلت إحدى شقيقات الأخوة الثلاثة بأشرف على هاتفه المحمول. وفُتح الهاتف، لكنها بدلاً من أن تسمع صوت أخيها، سمعت أصواتًا غريبة، يقول أحدها quot;هذا جريحquot;، ويرد عليه آخر quot;إقتلهquot;. ثم جاء صوت الرصاص وصمت الهاتف.

وقال أبو قاسم لصحيفة الديلي تلغراف إنه حين أُبلغ بالعثور على جثتي يثرب وأشرف في المستشفى العسكري، قال quot;الحمد للهquot; على استشهادهما من أجل القضية. وحتى عندما ذهب لأخذ ولديه، وسأله الضابط الخفر إن هو أتى quot;لأخذ كلبيهquot;، قال أبو قاسم إنه لم يشعر برغبة في الثأر. ولكنه انهار عندما أُفرج عن ابنه الثالث غريدان بعد أربعة أشهر.

إذا كان غريدان شاهدًا على اللحظات الأخيرة في حياة أخيه أشرف، وقال إن يثرب كان مقتولاً وقتذاك. إذ لاحظ غريدان أن لدى أخيه مشكلة في ساقه، ورأى الجنود ينهالون عليه ضربًا بأعقاب بنادقهم، كما روى الشيخ أبو قاسم. وسأل غريدان ما الذي يمكن أن يفعله لمساعدة أخيه، ولكن لم يكن بيده حيلة. وقال أشرف مودعًا quot;سلِّم على والديَّ، وانقل تمنياتي الطيبة إلى أخوتي وأبي وأمي وأخواتناquot;. وهذا ما حدث.

وكانت على جثة أشرف آثار أربع طلقات، واحدة في الساق، واثنتان في الصدر، وواحدة في الرأس. وهنا أجهش أبو قاسم بالبكاء. وأكد جميع الحاضرين عندما روى أبو قاسم مأساة أولاده أنه لن يكون هناك انتقام بعد الثورة، وأن الثوار لا يريدون حمل السلاح، وكل ما يريدونه هو العودة إلى أعمالهم.

وقال أبو قاسم إنه لا يريد quot;أكثر من ثورة سلمية. وإن الحرية ستكون سلمية للجميع، لأن الحرية محبة في كل الأديانquot;. لكن أبو قاسم، الذي كان نفسه ضابطًا برتبة رقيب في الجيش السوري، اعترف بوجود تذمّر بين العسكريين السنّة من هيمنة العلويين. وفي هذا الشأن تحديدًا يبدو أن الحرية والسلام والمحبة ما زالت بعيدة، كما ترى الديلي تلغراف.