عملت موسكو بشكل محموم في الأسابيع الأخيرة للحفاظ على علاقتها مع حكومة الرئيس السوري بشار الأسد المعزولة على نحو متزايد، ويبدو أن حملة القمع العنيفة التي يشنها النظام ضد المعارضين، لم تمنع روسيا من دعم حليفها الذي يصوب الرصاص باتجاه مواطنيه.


الأسد مستقبلاً لافروف في خضم الأزمة

بيروت: على الرغم من تصاعد عدد القتلى بشكل رهيب في سوريا، تستمر روسيا بتسليح نظام الأسد، وتستخدم حق النقض quot;الفيتوquot;، إلى جانب الصين، في التصويت ضد أي قرار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يدعو لإستقالة الأسد.

والقرار الروسي وفر الغطاء السياسي للأسد للإستمرار بحملته الشعواء ضد المواطنين المعارضين، وفي محاولة لحل الأزمة، أشادت موسكو بدعوة الرئيس الأسد لإجراء استفتاء دستوري، وهي خطوة رفضتها الولايات المتحدة وحكومات أخرى معتبرة أنها لا معنى لها.

ويوم الخميس، كانت روسيا من بين اثنتي عشر بلداً، من ضمنها الصين وإيران وكوريا الشمالية، ضد قرار للجمعية العامة يدين العنف في سوريا.

وفي هذا السياق، أشارت صحيفة الـ quot;نيويورك تايمزquot; إلى أن العديد من المحللين يعتبرون أن نظام الأسد يستند على الدعم الروسي، مشيرين إلى أنه في حال توقفت الإمدادات الروسية الثابتة من الأسلحة والمواد الغذائية والامدادات الطبية ومساعدات أخرى، فإن حكومة الأسد سوف تنهار في غضون أشهر إن لم يكن أقل.

وفي حين أن موسكو لديها عدد من الأسباب لحماية علاقاتها مع دمشق، إلا أن السبب الأكثر واقعية، بحسب العديد من المحللين، هو مبيعات الأسلحة إلى سوريا، وهي تجارة تربط بين البلدين منذ فترة طويلة.

وأعلن كبير المتحدثين باسم شركات quot;روزوبورو نكسبورتquot; لتجارة الأسلحة، المملوكة للدولة الروسية ، انه في ظل quot;عدم وجود أي توجيهات جديدة من الكرملين، فإن الأعمال التجارية مع حكومة الأسد ستستمر كما كانت من قبلquot;.

وبدوره قال المتحدث باسم الشركة فياتشيسلاف دافيدينكو quot;اننا نتفهم أن الوضع يتفاقم في سوريا، لكن بما أنه لا توجد قرارات دولية، وليس هناك أي عقوبات من مجلس الأمن الدولي، وليس هناك أي قرارات أخرى، فإن تعاوننا مع سوريا ndash; تحديداً التعاون العسكري التقني - لا يزال نشطاً وحيوياً جداًquot;.

ولعبت الأحداث السياسية الإقليمية دوراً في العلاقات الروسية ndash; السورية، فالربيع العربي والحروب التي تقودها الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان، بددت قوة روسيا ونفوذهها في المنطقة، فتحولت العلاقة مع سوريا إلى مسألة ذات أهمية حاسمة بالنسبة لرئيس الوزراء فلاديمير بوتين، الذي يخوض انتخابات الرئاسة ويريد التوسع في دور روسيا كوسيط عالمي.

quot;سوريا ضرورية لروسيا كحليف في منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً في هذه المرحلةquot;، يقول ديمتري غورينبرغ، خبير في الشؤون الروسية في مركز quot;نافالquot; للتحليلات، وهي مجموعة للأبحاث الممولة اتحادياً ومقرها في ولاية فرجينيا.

ويسعى الكرملين لتوجيه رسالة صارمة إلى الغرب عن نفوره بشأن التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة، وهي نقطة أكدها من جديد في التصويت ضد قرار الجمعية العامة الاسبوع الماضي.

وقال المندوب الروسي إلى الأمم المتحدة السفير فيتالي تشوركين، إن القرار quot;يعكس اتجاه يبعث على القلق في محاولة لعزل القيادة السورية، ورفض أي اتصالات معها، لفرض صيغة لتسوية سياسية من الخارجquot;.

ودعا المسؤولون الروس حكومة الأسد والمعارضة في سوريا على حد سواء للموافقة على وقف إطلاق النار، كما أشاد وزارة الخارجية الروسي بدعوة الأسد لإجراء استفتاء دستوري.

وأعلنت وزارة الخارجية في بيان ان quot;موسكو ترى أن هذه الخطوة دليلاً على أن القيادة السورية، على الرغم من الوضع الأمني المعقد، تعمل على تنفيذ الوعود التي قطعتها للشعب لتحقيق تغييرات لسياسية واجتماعية واقتصادية جذريةquot;.

الشراكة العسكرية والإقتصادية

واعتمدت العلاقة بين روسيا وسوريا منذ فترة طويلة على صادرات الأسلحة، بما في ذلك المبيعات على مدى سنوات من طائرات مقاتلة من طراز quot;ميغquot;، وطائرات هليكوبتر هجومية والتكنولوجيا الفائقة وأنظمة الدفاع الجوي.

ومن عام 2007 إلى عام 2010، كانت قيمة صفقات الأسلحة الروسية مع سوريا أكثر من الضعف ndash; أي بلغت قيمة 4.7 مليار دولار من أصل 2.1 مليار دولار - مقارنة مع عام 2003 إلى عام 2006، وفقاً لتقرير سنوي من قبل ريتشارد غريميت، وهو متخصص في الأمن الدولي في مركز الأبحاث في الكونغرس بواشنطن.

وخلال الفترة ذاتها، انخفضت قيمة صفقات الأسلحة الروسية مع إيران إلى 300 مليون دولار من 2.1 مليار دولار.

ودفع المسؤولون الروس بقوة مرة أخرى ضد أي اقتراح لفرض حظر على الأسلحة ضد سوريا، والذي يقولون انه سيقيد أيدي حكومة الأسد في الوقت الذي يسمح للمعارضة بمواصلة التسلح.

والتجربة الليبية هي أحد الأسباب الرئيسية في استخدام روسيا حق النقض في مجلس الأمن.

فرئيس الوزراء فلاديمير بوتين كان غاضباً بسبب الضربات الجوية التي قادها حلف الاطلسي ضد العقيد الراحل معمر القذافي، وذلك بعد أن وافقت روسيا والصين على عدم الاعتراض على قرار إنشاء منطقة حظر جوي فوق البلاد.

وقال مسؤولون روس ان بلادهم اعتقدت أن الحكومة الليبية ستحترم اتفاقات الأسلحة التي كانت موجودة بين البلدين في عهد القذافي، لكن ذلك لم يحدث.

وأضاف غورينبرغ: quot;كل ذلك جعل روسيا تشكك أي قرار في مجلس الامن الدولي يدعو إلى تنحي الأسد ويفوّض شخصاً آخر باستلام السلطة، وبالتالي الصفقاتquot;.

وأشارت الصحيفة إلى أن علاقات روسيا مع سوريا قديمة وعميقة، فالمحطة البحرية الروسية في طرطوس- شمال سوريا، هي القاعدة العسكرية الوحيدة التي تملكها روسيا خارج الأراضي السوفياتية السابقة.

وهناك العديد من العلاقات الاقتصادية والثقافية التي تربط البلدين، بما في ذلك وجود شركات روسية تعمل في مجال النفط والغاز الطبيعي في سوريا، فضلاً عن اقتراح لشركة quot;روساتومquot; للطاقة النووية المملوكة للدولة، بإنشاء محطة لتوليد الكهرباء هناك، إلى جانب شركات روسية أخرى لديها مصالح في مجال الري والزراعة والاتصالات السلكية واللاسلكية في سوريا.