بعد تعدد حالات إحراق النفس في المغرب، لاسيما بين العاطلين عن العمل، لجأت الحكومة إلى الأسلوب العقابي ومتابعة هذه المحاولات، ووضعها رهن الحراسة النظرية، في حين يلوم المنفذون الدولة على عدم الإلتزام بوعودها في الحدّ من البطالة.


ظاهرة إحراق الذات تتفشى في المغرب

الرباط: إختار المغرب اعتماد الأسلوب الزجري للحدّ من اتساع دائرة عمليات إحراق الذات، التي كانت بدأت في صفوف العاطلين عن العمل، قبل أن تنتقل إلى فئات أخرى.

عولجت أول قضية من هذا النوع، بعد انطلاق شرارة الربيع العربي، في مدينة مكناس، حيث أمرت النيابة العامة في محكمة الاستئناف، مصالح الشرطة القضائية بوضع بائع متجول، من مواليد 1980، ويُدعى quot;ن.إ.عquot;، رهن الحراسة النظرية، من أجل البحث معه بشأن جناية محاولة إضرام النار، بعد إيقافه أثناء صبّ البنزين على جسده، ومحاولة إضرام النار بنفسه، احتجاجًا منه على أمر إداري، يقضي بمنعه من استغلال الملك العمومي في بيع الأثواب.

وفيما اعتبرت الجهات الرسمية أن الغرض من هذا الإجراء هو quot;محاربة الفوضى والتسيّبquot;، يرى مراقبون أن quot;الزجر ليس هو الحل لمعالجة هذه الإشكاليةquot;.

في هذا الإطار، قال متحدث عن المكتب التنفيذي لمجموعة أطر 2011 المقصية من محضر 20 يوليو، وهي مجموعة من الكوادر العليا العاطلة عن العمل، إن quot;هذه الأطر كانت فقط تهدد بحرق الذات، من دون أن تكون لديها النية لفعل ذلكquot;، وزاد موضحًا quot;نحن لدينا موقف واضح من حرق الذات، ولا نريد أن نستفيد من الوظيفة على أجساد أطرناquot;.

وذكر المصدر نفسه، الذي رفض الإفصاح عن اسمه، quot;يجب أن نذهب إلى أصل هذه الخطوة للإجابة عن سؤال: ما الذي جعل الناس تصل إلى هذه المرحلة؟quot;.

وأكد المتحدث عينه لـ quot;إيلافquot;، أنه quot;لو التزمت الحكومة السابقة بالوعود التي قطعتها لما كنا وصلنا إلى حرق الذات، الذي يجب أن ننظر إليه من زاوية من المتسبب فيه، أي الناس التي تتماطل في إخراج الالتزامات إلى حيز الوجودquot;.

وأضاف quot;نضالاتنا سلمية. أما المتباعة فنحن أصلاً متابعون، وهي مفترضة، غير أننا نؤكد على ضرورة فتح تحقيق في مسألة إحراق الذات، ومحاسبة المسؤولين قبل محاسبة الأطر، إذا كانت لديهم نية في ذلكquot;، مبرزًا أن quot;النص القانوني يجب أن يراعي مجموعة من الشروط قبل أن نصل إلى تطبيقهquot;.

وقال quot;نحن مستمرون في خطواتنا النضالية حتى تتحقق مطالبنا، فنحن لدينا شهيد، وزميل آخر مصاب يرقد في المستشفى، ومطالبنا اجتماعية وعادية، وهي التوظيف، بناء على التزامات الحكومةquot;.

من جهته، قال عبد الإله بنبعد السلام، نائب رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، quot;نحن كجمعية ضد الاعتداء على الحق في الحياة بأي شكل من الأشكال، وبالتالي نحن لا نتفق مع الإنسان الذي يعرّض نفسه إلى أي أذى، ولكن يظهر لي بأن معالجة هذا الأمر يجب ألا تكون بالزجر، لأنه ليس وسيلة لمعالجة مشكل، يدخل فيه ما هو اجتماعي واقتصادي، ونفسيquot;.

وذكر القيادي الحقوقي لـ quot;إيلافquot;، أن quot;المعالجة يجب أن تأخذ بعين الاعتباركل هذه العناصر، وتعمل على البحث عن الحلول للحدّ من هذه الظواهرquot;.

وأضاف عبد الإله بنبعد السلام quot;ما نشاهده حاليًا في المملكة أسبابه اقتصادية واجتماعية، إذ يجب البحث عن حلول لمعالجة هذا المشكل من جذوره الأساسية، ألا وهي احترام الكرامة وحقوق الإنسانquot;.

أما محمد طارق السباعي المحامي في هيئة الرباط، فأكد أن quot;إيذاء النفس في القانون الجنائي يُعاقب عليه، لأن إحراق الذات هو إلغاء لحق من الحقوق، ألا وهو الحق في الحياةquot;، مشيرًا إلى أنه في الوقت الذي تجري فيه المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام، نجد مجموعة من اليائسين والمحبطين تقوم بمثل هذه الخطوة، وهذا مرفوض. وهذه ثقافة سائدة لدى المغاربة كافة، الذين لا يرضون بالظلم، ولكنهم أيضًا لا يستسلمون، ويقاومونquot;.

وذكر محمد طارق السباعي، في تصريح لـ quot;إيلافquot;، أن التعبير والمطالبة بالحق تستلزم الصمود والمواجهةquot;، مبرزًا أن quot;الدرس الذي يمكن أن يستخلصه المغاربة من هذه الحالات، التي تبقى معدودة على رؤوس الأصابع، بليغ، لأن الشريعة الإسلامية والقانون الجنائي يرفضان إحراق الذات أو إلحاق الضرر بهاquot;.

وكان توفيأخيرًا في مركز الحروق التابع للمركز الاسشفائي الجامعي quot;ابن رشدquot; في الدار البيضاء الإطار العاطل عن العمل زيدون عبد الوهاب 27 سنة، المنتمي إلى مجموعة quot;الأطر العليا المقصيّة من محضر 20 يوليوquot;، متأثرًا بحروقه، التي أصيب بها، بعدما اشتعلت النار في جسده خلال اعتصام لهم في ملحق وزارة التربية الوطنية في حي الليمون في الرباط.