يوصف رتشارد دوكينر بأنه أحد أشهر الملحدين في العالم، لكن هذا العالِم الشهير صعق المراقبين بقوله إنه لا يتفق مع هذا الوصف، فهو، كما يقول، لا يستطيع إثبات ألا إله للكون، وعلى هذا الأساس فهو quot;شكّاكquot;، وليس ملحدًا كما يُقال عنه.


رتشارد دوكينز (اليسار) مع كبير أساقفة كانتربري قبيل الحوار

لندن: شهدت جامعة أوكسفورد حوارًا حول quot;دور الدين في الحياة البريطانية العامةquot;، سيُعتبر على الغالب علامة في مسار الجدل الديني بين المعسكرين الديني واللاديني.

ضمّ هذا اللقاء قطبين متنافرين، هما كبير أساقفة كانتربري الدكتور روان وليامز من حهة، وquot;كبير الملحدينquot; عالم الأحياء والوراثة والسلوك البروفيسور رتشارد دوكينز من الجهة المقابلة.

ربما كان معلوماً أن هذا الأخير هو أحد أشهر القائلين إن العلم الحديث لا يترك مجالاً لإثبات وجود خالق للكون، وفي هذا الاتجاه أقام quot;مؤسسة رتشارد دوكينز لتحكيم العقل والعلومquot; من أجل نشر الوعي اللاديني.

وبالطبع فهناك قطاعات كبيرة من الناس عرفته عندما قذف به كتابه quot;وهم الإلهquot;، الذي نشره في العام 2006 إلى دائرة الضوء في مختلف الأرجاء، ومنها العالم العربي.

لكن هذا اللقاء بين أسقف كانتبري، المعتبر أعلى سلطة دينية في بريطانيا، وريتشارد دوكينز أتى بمفاجأة صاعقة، عندما بدا أن العالم الملحد يتزحزح عن موقفه الثابت المعروف.

في بدء الحوار، مضى دوكينز على طريقه المعتاد، فتحدث عن صلابة نظرية النشوء والتطور الداروينية، باعتبارها التفسير العلمي المقبول منطقيًا لنشأة الحياة، وكان مدهشًا على نحو ما، أن الدكتور وليامز اتفق معه في أجزاء كبيرة من حججه المتعلقة بأصل الخلق، بل إنه أقرّ بأن البروفيسور يطرح مقولاته على درجة عالية من السلاسة والقوة.

خلال الحوار وجّه دوكينز إلى كبير الأساقفة سؤالاً مباشرًا كالآتي: quot;ما لا أفهمه هو السبب الذي يمنعكم من رؤية الجمال في الفكرة القائلة إن الحياة بدأت من عدم، هذا ليس شيئاً مخيفاً، وإنما هو فكرة أنيقة وجميلة في بساطتها، لماذا يُزحم المكان بإضافة إله خالق يحوّله إلى مسرح للفوضى؟quot;.

سفر التكوين صار محل مفاجأة أخرى

اتفق وليامز مع quot;بساطة الفكرة وجمالهاquot;، لكنه قال إنه لا يتحدث عن quot;الإله باعتباره قطعة إضافية أخرى غير لازمة على خشبة المسرح، وإنما بكونه القوة التي جاءت بالمسرح نفسه أصلاًquot;.

ثم توجّه المفكر السير أنتوني كيني، الذي عُهدت إليه إدارة دفة النقاش، بالحديث إلى دوكينز قائلاً إنه يوصف بـquot;أشهر ملحد في العالمquot;، ففجّر البروفيسير قنبلته قائلاً إنه شخصيًا لا يصف نفسه على هذا النحو.

فسأله السير أنتوني عمّا إن كان يصنّف نفسه شكاكاً agnostic إذن، ورد دوكينز قائلاً إنه يفضّل أن يوصف كذلك فعلاً، ولكن على أعلى درجات الشك، وشرح قائلاً quot;الشكاك هو الشخص الذي يقف في منتصف الطريق بين الإيمان والكفر بإله خالق، فلا هو قادر على الإيمان بوجوده، ولا هو قادر أيضًا على نفي هذا الوجود. أما أنا فلا أؤمن بوجود إله كهذا، لكنني لا أستطيع الجزم بأنه لا إله بنسبة100 بالمائةquot;.

وألقى الضوء على هذه المسألة بقوله: quot;في كتابي laquo;وهم الإلهraquo; فصّلت سبع درجات، أولها الإيمان وآخرها الكفر، يمكنك القول إنني أقف على درجة 6.9 في هذا السلم، وبعبارة أخرى فإنني أعتقد أن احتمال وجود قوة غير طبيعية خالقة للكون ضعيف للغاية، لا أجزم تمامًا بأنها منعدمة، لكنني أقول - بمقدار 6.9 من 7 درجات - إنها غير موجودةquot;.

بدت تلك الأمسية غريبة على نحو ما، وأن الأدوار انقلبت فيها رأسًا على عقب، فمن جهته أدهش كبير الأساقفة الحضور والمتابعين على الإنترنت (نُقل اللقاء حياً عبر الشبكة الإلكترونية) عندما علّق على quot;التكوينquot;، وهو أول أسفار العهد القديم.

وقال وليامز إنه لا يرفض - بل يدعم - النظرية القائلة إن الجنس البشري سليل جنس غير بشري، وإن كان يؤمن أيضًا بأن هذا الجنس الأخير نفسه خلقه إله على صورته.

وأضاف إن تفسير مسألة الخلق، كما ورد في سفر التكوين، quot;يجب ألا يؤخذ حرفيًاquot;.

ورأى أنه quot;رغم نوع الإلهام، الذي كان يدفع أولئك الذين صاغوا عبارات الكتاب المقدس،إلا أنهإلهام لم يؤهّلهم للتعامل مع فيزياء القرن الحادي والعشرينquot;.