ترتفع نسبة الطلاق في العراق، لا سيما بين الشباب الذين يطلِّقون بعد فترة قصيرة نسبية من الزواج، لأسباب عديدة، وأبرزها كما يؤكد الخبراء: الفقر والزواج المبكر، إضافة إلى زواج الأقارب والعنف المنزلي، إلى جانب إتهام المحامين باستغلال الأزواج.


زوجان عراقيان في مكتب للطلاق

بغداد: نتيجة الإزدياد الملحوظ في عدد قضايا الطلاق المرفوعة إلى محكمة كربلاء في العراق (108 كم جنوب غرب بغداد) قررت رئاسة المحكمة في الأسبوع الماضي عدم تداول قضايا الطلاق قبل إطلاع الباحثين الاجتماعيين.

واذا كانت هذه الظاهرة تلفت الأنظار في كربلاء، فإن هذه المدينة تشترك مع غيرها من مدن العراق في اتساع ظاهرة الطلاق، لاسيما بين الشباب، الذين لم يقضوا في زيجاتهم فترة زمنية طويلة.

الفقر والعوز

يرجع الباحث الإجتماعي حميد حاتم إزدياد الطلاق بين فئة الشباب إلى معدلات البطالة بينهم، إذ تشير الأبحاث إلى أن من الأسباب الرئيسة للطلاق، الفقر والعوز .

ويتابع: quot;معظم الشباب يستسهل الزواج، فما إن تربطه علاقة عاطفية بفتاة حتى يستعجل الاثنان الزواج، بسبب الأجواء المحافظة، التي لا تسمح بعلاقات عاطفية طويلة الأمد، تكون بمثابة مرحلة إختبار للطرفين ليتعرفا إلى بعضهما بعضًا.

إبتزاز المحامين

تؤكد المحامية ابتسام صالح المتخصصة في قضايا الأحوال الشخصية، أنها تسعى دومًا إلى إقناع الأزواج بالعدول عن الطلاق، قبل رفع الدعوى إلى المحكمة، مضيفة: quot;إصلاح ذات البين هو المبدأ في العملquot;.

لكن الباحث حميد حاتم يتهم المحامين بابتزاز الذين يسعون إلى الطلاق بغية الكسب المادي، مشيراً إلى فتاة التقاها quot;رفعت أكثر من دعوى ضد زوجها بعدما نصحتها المحامية بذلكquot;.

ويؤكد أن quot;هذه أحد أنواع الابتزاز، فبعض المحامين يسعى إلى تعميق هوة الخلاف بغية الاستمرار في استنزاف مال الزبونquot;.

وكان القاضي عبد نور فرحان الفتلاوي أعلن أن إزدياد معدلات الطلاق في محافظة كربلاء يحتم عدم البتّ بها، قبل إطلاع الباحثين الاجتماعيين عليها.

نسبة الزيادة

وتفيد إحصائيات أن نسبة ظاهرة الطلاق زادت بنسبة الخمسين بالمائة على أقل تقدير في عام 2011. وتنصّ المادة 39 من قانون الأحوال الشخصية لسنة 1959 على وجوب إقامة الدعوى في المحكمة الشرعية، لمن يريد الطلاق.

وبين الأعوام 2003 و2009، كانت ظاهرة الطلاق القسري لأسباب طائفية بين العراقيين ملحوظة بشكل واسع. وعبر عقود من العيش المشترك، وجدت الزيجات بين معتنقي المذاهب المختلفة مكانًا لها في بغداد ومدن أخرى.

الخلع

تلفت المحامية ابتسام صالح الانتباه إلى أن الكثير من حالات الطلاق تتم خارج المحكمة عبر ما يسمّى بالطلاق الرضائي (الخلع).

إضافة إلى الأسباب الاقتصادية، ترى الناشطة النسوية مائدة حسين والعاملة في مركز الشباب في بابل (100 كم جنوب بغداد)، أن الانفتاح المجتمعي على العالم عبر وسائل الميديا، من انترنت وصحون لاقطة، ساهم كثيرًا في إشاعة نمط ثقافة غربية، حيث تسعى الفتاة إلى أن تكون أكثر إستقلالية عن الرجل، في حين يسعى الشاب إلى علاقات عاطفية متعددة مع أكثر من فتاة.

زواج الأقارب

ينتشر زواج الأقارب في العراق بشكل واسع، بعضه يستمر بنجاح، والبعض الآخر يؤول إلى فشل. وطلقت رفل حسن (23 سنة) زوجها بعد علاقة زواج استمرت نحو عامين، بعدما أجبرها أهلها على الزواج منه، لكونه ابن خالتها.

وتشرح: quot;كان يصرّ على أنه يحبني، ويسعى إلى الزواج بي، لكنني اكتشفت أن لديه علاقات عاطفية متعددة، مما سبب لنا الكثير من المشاكلquot;، مضيفة أن quot;فكرة الطلاق قبلنا بها عن رضا، لاسيما وأننا لا نمتلك أطفالاًquot;.

في هذا السياق، يشير المحامي أحمد مكي إلى أن هناكنحو ثلاثة آلاف دعاوى طلاق منذ عام 2009 في محكمة بابل.

الزواج المبكر

ترجع المحامية بتول رسول ازدياد نسبة الطلاق إلى الزواج المبكر وصغر عمر الأزواج، إذ يتزوجون بسرعة، ويطلقون بسرعة كذلك.

وتبيّن أن البعض quot;يرضخ لنزوة العاطفة، فيتزوج بفتاة ارتبط بها بعلاقة عاطفية، لكنه حين يتزوج، يصطدم بالواقع، ويكتشف أن الزواج لا يعيش بالعاطفة وقصائد الغزل فقطquot;.

بدوره يؤكد رجل الدين كريم الياسري أن الدين الإسلامي يمنع الطلاق، إلا إذا استحال العيش المشترك بين الزوجين، مشيرًا إلى ضرورة الوعظ والنصيحة قبل حصول الافتراق.

العنف

ويشير بحث ديموغرافي، أعدّه الطالب حسن الخفاجي في قسم الاجتماع في جامعة كربلاء، إلى أن تعرّض الفتيات للعنف يعدّ سببًا في انتشار حالات الطلاق، لافتًا إلى أن هناك فتاة من بين خمس فتياتيتعرّضن للعنف البدني أو النفسي أو المادي. كما إن تدخلات الأهل تساهم في بعض الأحيان في زيادة فرصة حصول الطلاق.

دور الباحث الاجتماعي

وتسعى الناشطة النسوية أمينة الحسيني، عبر نشر الوعي والضغط عبر الجمعيات والمنتديات، إلى توسيع دور الباحث الاجتماعي، للتقليل من ظاهرة الطلاق.

ونجحت الحسيني في التوفيق بين عدد من الأزواج، ومن ثم العدول عن الطلاق، عبر مبادرات فردية مع عدد من الناشطات النسويات.

تنتقد الحسيني القوانين الصارمة، التي تحول دون الإستئناس برأي القضاة وأصحاب الشأن بوجهات نظر الجهات الاجتماعية والجمعيات والمصلحين الاجتماعيين قبل البتّ بالتفريق بين الأزواج.