قارب المظلي الفرنسي محمد لقواد خلال جنازته. لقواد قتل في مونتوبان بعد الهجوم الذي نفذه محمد مراح |
عندما أعلنت وسائل الإعلام الفرنسية أن محمد مراح الذي تحصن في شقته قبل مقتله يوم الخميس اعترف بقتل سبعة أشخاص بينهم ثلاثة أطفال يهود في وقت سابق من الاسبوع، أطلق مسلمو فرنسا صرخة واحدة مفادها، أن هذا الإعلان لا يبشر بالخير.
لندن: قبل فترة على اعتراف الفرنسي من أصل جزائري محمد مراح، كان المسلمون في فرنسا يشعرون بأنهم في حالة حصار. واعترف بهجمات تولوز التي قتل فيها سبعة أشخاص بينهم ثلاثة أطفال يهود.
وتعيش فرنسا في غمرة حملة انتخابية اتخذت منحى معاديًا للأجانب والمسلمين قبل أسابيع على الحادث، كما تؤكد الضجة التي أُثيرت بشأن اللحم الحلال على سبيل المثال. وكانت القضية كلها رسالة مشفرة بأن المسلمين الفرنسيين ليسوا فرنسيين وان وجودهم في فرنسا مصدر متاعب، الفرنسيون في غنى عنها.
وظن كثير من الفرنسيين في البداية انه سيتضح ان مرتكب هذه الجرائم فاشي أو نازي جديد أو نسخة فرنسية من السفاح النروجي اندريس بريفيك. ولكن فجأة كان الشاب المسلم المولود في تولوز واعلانه الارتباط بتنظيم القاعدة يستأثر بالعناوين البارزة في كل وسائل الإعلام متحدثا عن الثأر لأطفال فلسطين والاحتجاج على التدخلات الفرنسية في بلاد المسلمين.
وسارعت مرشحة الجبهة الوطنية اليمنية المتطرفة مارين لوبان الى المطالبة بشن quot;حربquot; على الاصوليين.
ونقلت صحيفة كريستيان ساينس مونتر عن كريم وهو فرنسي من اصل جزائري يعمل في منظمة غير حكومية في باريس انه اتصل بزوجته قائلا لها ان تحزم الحقائب للرحيل. وكان كريم نصف يمزح معربا عن القلق من ان ما حدث quot;يفتح الباب لدعوات عنصرية معادية للأجانب من كل صنفquot;. واشار الى quot;ان المسلمين اصلا موصومون، وقد تتفاقم الوصمة الآنquot;.
واصدرت منظمات يهودية واسلامية فرنسية بيانات تؤكد ان افعال مراح الذي اصبح اسمه على كل لسان، وآراءه لا تمت بصلة الى المواطنين الفرنسيين المسلمين والى تعاليم الاسلام.
ولكن هذه البيانات والتأكيدات لم تكن كافية لطمأنة نحو 5 ملايين مسلم في فرنسا يشكلون أكبر جماعة مسلمة في اوروبا. وتبادل المسلمون الفرنسيون سيلا من الرسائل النصية المليئة بصرخات تتساءل quot;لماذا الآنquot; وتعرب عن مخاوف من استغلال افعال مراح لتبرير استهداف دينهم واتباعه.
ويشعر المسلمون في فرنسا بأنهم يواجهون تشويهات أكثر صراحة الآن لصورة الاسلام وصورتهم. وهم يقولون ان يمين الوسط واليمين المتطرف يتسابقان في الحملة الانتخابية الحالية على استخدام quot;ورقة الاسلامquot; لكسب الأصوات.
ويرى كثير من المسلمين ان وسائل الاعلام والنخب الفرنسية تسيء فهمهم بالكامل، وينظر العديد منهم بعين الريبة الى توقيت هذا الحادث الارهابي قبل اسابيع قليلة على الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في 22 نيسان/ابريل.
وتساءل انيس سعدة وهو مهندس في تكنولوجيا المعلومات، quot;لماذا الآن، قبيل الانتخابات؟ فأنا لست من انصار نظرية المؤامرة ولكني اضع هذه المصادفة موضع تساؤلquot;.
وكان الموقف المتطير بشأن الاسلام انحسر بعض الشيء في فرنسا واوروبا عموما منذ ثورات الربيع العربي عام 2011 التي كانت في الغالب من صنع قوى شبابية علمانية، ومع اقتراب حربي العراق وافغانستان من نهايتهما رغم الصعود الطفيف للاتجاه السلفي في فرنسا، كما يقول الباحث الفرنسي المعروف جيل كبيل .
وكانت آخر عملية نفذها اسلامي متطرف في فرنسا حادثة عابرة في مطار مرسيليا إبان التسعينات سرعان ما أنهتها قوات الشرطة.
وقال المهندس سعدة لصحيفة كريستيان ساينس مونتر quot;ان مراح جانح، دخل السجن عدة مرات. ونسمع انه ارتكب 18 عملا من اعمال العنف. وعلينا ان نسأل.... هل هو الذي يمثل الاسلام؟ هل يمكن ان نعمم فعلته على جماعة كاملة أو بلد برمته..... هل نستطيع القول ان جميع النروجيين هم بريفيك؟quot;
وقال لوران ميتشيلي الخبير في شؤون الضواحي الفرنسية حيث يعيش غالبية المسلمين quot;ان كثيرين ينتظرون شيئا كهذا لإقحامه على السجال الوطني في وقت الانتخابات. ولدى النظر الى أحداث تولوز فإنها قد تؤجج رهاب الاسلام وتسهم في تكريس النظرة القائلة بصدام الحضاراتquot;.
وجاءت الرشقة الأولى من مارين لوبان المعادية للمهاجرين والمسلمين حين اتهمت السلطات الفرنسية بالتراخي. وقالت لوبان التي تبين الاستطلاعات انها تحظى بتأييد 15 الى 20 في المئة من الناخبين، ان المطلوب quot;حرب ضد الجماعات السياسية الاصولية التي تقتل الأطفال المسيحيين، وشبابنا المسيحيين، شبابنا المسلمين، والأطفال اليهودquot;.
وفي اعمال القتل بالجملة ابتداء من عملية التفجير في مدينة اوكلاهوما التي نفذها تيموثي ماكفي الى هجوم بريفيك في النروج العام الماضي كان المسلمون يحبسون انفاسهم متضرعين quot;ألا يكون الفاعل واحدا مناquot;.
ورغم التكهنات الأولى بأن متطرفين عربا أو اسلاميين قد يكونون المسؤولين في هذه الاعتداءات فان متطرفين يمينيين هم الذي زرعوا الموت بالجملة في كل هذه الحالات بلا استثناء.
ولد مراح في تولوز عام 1988. وترسم تقارير الشرطة وشهادات الجيران وانطباعات المعارف وغيرهم ممن تحدثوا لوسائل الاعلام الفرنسية صورة شخص منفصم داخليا. وتتحدث صحيفة نوفيل اوبزرفاتور على موقعها الالكتروني عن مراح quot;ذي الوجهينquot;، quot;شاب دمث، وديع كالحمل، يساعد الآخرين، يشتري الحلوى للأطفال في الحي، ولكنه من اصحاب السوابق وله ملف يقول انه ذو نزعة عنفية، وشاب مختل عقليا، ذو مزاج انفعالي كان يخيف الآخرينquot;.
وقال المحلل السابق في وكالة المخابرات المركزية الاميركية لموقع رو 89 الفرنسي إن شخصية مراح وسيرته سمة مميزة quot;لانحدارquot; تنظيم القاعدة الذي فقد مصدر إلهامه وقيادته الفكرية، وانحطاط التنظيم عموما. واضاف ان عناصر القاعدة هم في الغالب quot;بلطجية، شباب كانوا سينخرطون في احدى العصابات لو لم ينته بهم المآل في صفوف الجهادquot;.
وقال المدعي العام الفرنسي فرانسوا مولان ان مراح زار افغانستان وباكستان في 2010 و2011 ولكن وسائل اعلام فرنسية نقلت عن مسؤولين اميركيين وآخرين في المنطقة انه لا يوجد ملف أو سجل عن زيارة مراح لهذين البلدين. وتتسبب المعلومات المجتزأة والناقصة التي يجري تداولها عن مراح بإثارة مزيد من القلق والتوجسات بين المسلمين في فرنسا.
يشكل المسلمون نحو 5 في المئة من سكان فرنسا البالغ عددهم 65 مليون نسمة. وبدأت هجرتهم بأعداد كبيرة الى فرنسا إبان الستينات، كعمال في الغالب أو مغتربين من الجزائر والمغرب وتونس والسنغال ومالي، وهي كلها مستعمرات فرنسية سابقة.
ونقلت صحيفة كريستيان ساينس مونتر عن عاملة مخبز جزائرية تدرس للحصول على شهادة الدكتوراه، اكتفت بإعطاء اسمها الأول، حبيبة، انها تتفهم سبب تساؤل السكان الفرنسيين عموما عن الاسلام. وقالت quot;لو لم أكن مسلمة وأعرف مبادئ الاسلام لتساءلتُ مَنْ هؤلاء الناسquot;. وأضافت ان اعمال القتل التي ارتكبها شاب جزائري quot;ستكون صعبة علينا وسيتعين علينا ان نبرر أنفسنا، ونقول ان هذا ليس ما نريده أو ما يعنيه الاسلامquot;.
التعليقات