قادة اسلاميون ويهود يقدمون التعازي لضحايا اعتداءات تولوز

لا يمكن القول إن مدينة تولوز الفرنسية خالية تماماً من العنصرية، معاداة السامية أو مشاعر العزل الاجتماعية العميقة التي تميز العديد من المدن الفرنسية، ولكن مع الثقافة التي شكلتها موجات الهجرة المتتالية، وصف المدينة من قبل سكانها كمكان فيه نسبة جيدة من التسامح.

وإضافة إلى مجموعة من الجامعات ومراكز البحوث، تتمركز شركة ايرباص العملاقة في المدينة، وتجذب المهندسين والعلماء من مختلف أنحاء العالم. في حين يتحدث المسلمون في شتى أنحاء فرنسا عن شعورهم بالتهميش والظلم، بقيت هذه المدينة إلى حد كبير بمنأى عن التوترات التي تحيط الإسلام.

في هذا السياق، اعتبرت صحيفة الـ quot;نيويورك تايمزquot; ان التسامح الديني الذي كان سائداً إلى حد ما في مدينة تولوز، بات في خطر داهم، لا سيما بعد الجرائم التي نفذها الجزائري محمد المراح.

ونقلت الصحيفة عن محمد تاتاي، إمام مسجد النور في حي امبالوت المتواضع قوله: quot;صحيح أننا من وقت لآخر أصبحنا ndash; كإسلام - عرضة للخطاب السياسي البغيضquot;، مشيراً إلى أن هذا يحدث غالباً في فترة الانتخابات quot;ثم تعود الأوزضاع إلى طبيعتها مرة أخرىquot;.

لكن اليوم، هناك مخاوف بأن جرائم محمد مراح غيرت هذا الهدوء بشكل جذري، فجرائم القتل الوحشية التي ارتكبها الشاب الفرنسي من أصول جزائرية في السابع من شهر آذار/مارس الحالي وقعت خلال سباق رئاسي محموم، فزادت الانقسام الذي أدى إلى تحويل الحادثة إلى جدال حول مسائل الهجرة والإسلام.

وعلى الرغم من أن المحققين يقولون إن مراح، كان اسلامياً متطرفاً، انما غير مرتبط بتنظيم القاعدة الإرهابي، وعمل بشكل منفرد، إلا إن أيديولوجيته العنيفة تتلائم بشكل وثيق مع بعض الصور النمطية الفرنسية للإسلام والمسلمين الذين يخشون من أن التوترات الناجمة عن عمليات القتل قد تكون أكثر دواماً.

وقال بيير كوهين، رئيس بلدية تولوز، إن quot;كل ما يحدث لا يتوافق على الإطلاق مع صورة تولوز الحقيقية، لكن هذه المدينة خرجت لتوها من فترة متوترة جداً، ولسوء الحظ، هذا الخطر قائمquot;.

وقال السيد كوهين إن الشائعات الكاذبة بدأت تلف المدينة لتنشر مفاهيم خاطئة وتحرض الناس ضد الإسلام والمسلمين في فرنسا، مشيراً إلى أن البعض يتحدث عن أن مجموعة من المسلمين تعمل على تنظيم مسيرة تأييد لمراح.

من جهته، يقول ياسين المؤمن (23 عاماً) ان المسلمين في تولوز لطالما لقيوا معاملة حسنة، مشدداً على حوار الثقافات في المدينة. لكنه وغيره من المسلمين الذين يعيشون في الضواحي الفقيرة خارج تولوز، بدأوا يشعرون بنظرات التعصب التي توجه إليهم، والتي كانت غير معهودة في هذه المدينة.

وقال عبد الله (19 عاماً)، الذي امتنع عن اعطاء اسمه بالكامل خوفاً من السلطات الفرنسية: quot;نحن الضحايا في القصةquot;.

وعلى الرغم من نداءات الرئيس الفرنيس نيكولاساركوزي في الآونة الأخيرة من أجل التسامح، يقول الكثير من المسلمين انه لم يفعل الكثير لإزالة وصمة الإرهاب عنهم، مشيرين إلى القانون الذي وضع في العام 2010 لحظر الحجاب الإسلامي الكامل، أو النقاب، والنقاش حول quot;الهوية الوطنيةquot;.

أما مرشح الرئاسة عن الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة مارين لوبان، فقد كانت أكثر حدة في ردها على عمليات القتل، إذ قالت إن quot;ما حدث ليس في مسألة جنون رجل واحد، بل هو بداية تقدم المسيرة الفاشية الخضراء في بلادناquot;، مشيرة غلى الإسلام. وأضافت: quot;كم محمد مراح يوجد في القوارب، والطائرات التي تصل كل يوم في فرنسا، ومليئة بالمهاجرينquot;؟

وأثارت هذه التعليقات استنكار زعماء مسلمين، رفضوا مثل هذه المحاولات لاستغلال عمليات القتل من الناحية السياسية. وفي بيان بعد وقت قصير من مقتل مراح على يد الشرطة الفرنسية الأسبوع الماضي، طلب رئيس المجلس الفرنسي للديانة الاسلامية محمد موسوي ، عدم استخدام مصطلح quot;الإسلامويةquot; معتبراً أنه quot;يغذي الخلط بين الإسلام والإرهاب، ويجلب المعاناة لملايين من المسلمين الذين يشعرون أنه من المهم للدفاع عن كرامة عقيدتهم ودينهمquot;.

وقال مامادو دافي، الإمام في مسجد ميراي في تولوز، انه لم يكن ابداً هدفاً للتعليقات العنصرية. لكن في كلمته التي ألقاها أمام المئات من الرجال الذين تجمعوا في المسجد يوم الجمعة، تحدث بغضب عن quot;الظلمquot; الذي يحدث ضد المسلمين في فرنسا، خصوصاً بعد عمليات القتل.

وأضاف: quot;يدعو السياسيون إلى ضبط النفس، لكن هؤلاء الساسة انفسهم هم الذين أثاروا مشاعر الفتنة هذه منذ فترة طويل جداً. لكن على الرغم من ذلك، ندعو كل المؤمنين ان يكونوا مثاليين في سلوكهم، فنحن مسؤولون عن صورة الإسلام، هذا الدين الجميلquot;.

أما تاتاي فعبّر عن مخاوفه من quot;أن يكون هناك رد فعل عنيف بعد الاسبوع الأسود الذي شهدته فرنساquot;، مشيراً إلى أن quot;هذا سيكون اختباراً لحسن النية والحكمة والعقلانيةquot;.