تحدثت أوساط إعلامية قبل أيام عن ضغوط أوروبية، خصوصا من قبل باريس، على الجزائر لفتح حدودها مع المغرب. إلا أن قراءات لمحللين لا ترى جدوى من وراء ذلك الضغط، فالمشكلة لا يمكن أن تحل إلا في نطاق البلدين خصوصا مع الاجواء التي يعيشها العالم العربي.

وزيرا خارجية المغرب والجزائر عثماني ومدلسي خلال لقاء سابق

باريس: لا يستبعد مراقبون حصول ضغط من فرنسا على الجزائر لفتح حدودها مع المغرب، نظرا للتقارب في وجهات النظر بين الرباط وباريس حول العديد من الملفات، ولكون المناخ الذي يعيشه العالم العربي يسمح بذلك، خصوصا وأن الجزائر، كما هو حال المغرب، وظفت كل وسائلها لتجاوز تداعيات الربيع العربي في أمن وسلام.

يرى الخبير الاقتصادي عبد الحفيظ أمازيغ في تصريح لإيلاف أن quot;تدخل باريس في حل الخلافات المغربية الجزائرية بخصوص الحدود بين البلدين يعد خطرا على مستقبلهما معاquot;، ويفسر ذلك بكونه quot;مشكلة تهم الطرفين ولا يمكن أن تحل إلا في هذا النطاق بناء على إرادة حقيقية من قبل الجانبين، لتحسين العلاقات لمصلحة الشعوب.فهذه العلاقة تبنى على التعاون، والتفاهم والتبادل. ولا يمكن أن نأتي ببلد ثالث ليحل مشكلة تهمنا نحن كأننا قاصرونquot;.

ويتابع أمازيغ وهو مغربي مقيم في باريس لسنوات: quot;يمكن أن تغير ما أردت إلا جارك، وهذا الجار يجمعه مع المغرب العديد من القواسم المشتركة، اللغة والدين، والتاريخ، والحضارة، ولا يمكن لبلد كان في وقت من الأوقات مستعمرا للمنطقة أن يصلح ذات البين بين الطرفينquot;.

ويعتبر تدخل طرف ثالث على خط مشكلة العلاقات المغربية الجزائرية quot;بمثابة خلق مشكلة إضافية للمشاكل العالقة التي تعقد تحسن العلاقات بين البلدينquot;.
ويقول أمازيغ ردا على الذين يثيرون قضية الصحراء على أنها الأصل في الخلافات بين الطرفين:quot;لدي قناعة، أن بإمكان ثلاث دول فرنسا اسبانيا الولايات المتحدة حل هذه المشكلة إن أرادوا ذلك فعلا في ظرف 24 ساعة، بفرضها لحل وبسرعةquot;.

ويضيف محدثنا أن quot;ملف قضية الصحراء يوجد في اللجنة الرابعة للأمم المتحدة، أي أن المشكل يتجاوز البلدين ولا يمكن أن يحل إلا في إطار دولي، ولكل من فرنسا والولايات المتحدة حق الفيتو في مجلس الأمن، أما اسبانيا فهي المستعمرة السابقة، ويمكن لهذه الدول أن تصل إلى حل لهذه القضيةquot;.

يعتقد أمازيغ أنه quot;لا يستفيد أي طرف من بقاء الوضع على ما هو عليه، لا المغرب ولا الجزائر، اللهم المهربين، ربما أن الجزائريين يتخوفون من كون فتح الحدود سيخلق العديد من المشاكل الاقتصادية في الغرب الجزائري لأن العديد من مواطنيهم سيأتون إلى المغرب للتسوق، ولا أدري إن كان هذا الأمر صحيحًاquot;.

كما يعتقد أن quot;كل بلد يكمل الآخر اقتصاديا ولا يمكن القول إن هذا البلد يستفيد أكثر من الآخر في حالة فتح الحدود لأنّ كلا منهما له خبرته وكفاءته في مجال معينquot;.

الجزائر ممانعة تجاه المواقف الفرنسية

يفضل الاقتصادي والناشط الحقوقي الجزائري أحمد دحماني في حديث لإيلاف أن يقول عن نفسه إنه quot;مغاربي عن اقتناع ويجب أن نصل يوما إلى أن جميع المغاربيين يتنقلون في دول المنطقة دون معنى للحدود الجغرافية كما هنا في أوروبا ومن دون بطاقة هوية أو غيرهاquot;.

وينفي دحماني أن تكون بحوزته معلومات تفيد بأن باريس ضغطت أو تضغط على الجزائر لفتح الحدود المغربية الجزائرية قبل أن يقول quot;و إن كان هذا لا يفاجئني نظرا لتطابق الموقف الفرنسي مع نظيره المغربي بخصوص عدد من الملفاتquot;.

ويزيد مستدركا quot;لكن لا أعتقد أن أي ضغط فرنسي على الجزائر سيكون ذا جدوى بحسب علمي، للممانعة التي ظل النظام الجزائري يلعبها تجاه المواقف الفرنسية كلما تعلق الأمر بالقضايا التي تهم المنطقةquot;.

إلا أن ضيفنا لا يستبعد أن الظروف الحالية التي يعيشها العالم العربي والتطورات التي عرفتها المنطقة quot;قد تسمح بضغوطات من هذا النوع على النظام الجزائري وإن كان الأخير دائما صارما مع باريس، وقد تكون مجموعة من المعطيات قد تغيّرت اليومquot;.

ينفي الدحماني كذلك quot;أن يكون النظام الجزائري يفضل بقاء وضع الحدود المغربية الجزائرية على ما هي عليه بسبب تهريب المخدرات، لأن المشكلة ستظل قائمة سواء فتحت الحدود أو أغلقت كما أنه لا توجد دواعٍ اقتصادية لأجل ذلك، لأن المستفيد اقتصاديا هي التجارة الموازية أي التهريب بأنواعهquot;.

وبالنسبة اليه، عندما تطرح المصالح الاقتصادية المشتركة تختفي الخلافات بين البلدين، ضاربا مثلا على ذلك quot;بأنبوب الغاز الذي ينطلق من الجزائر ويعبر المغرب نحو أوروبا دون أي مشكلة من الجانبينquot;.

ويقول إن استمرار الحدود موصدة بين البلدين quot;أسبابه سياسية بالدرجة الأولى مرتبطة بسعي كل من النظامين لفرض نفسه في المنطقة كقوة أولى وبالصحراء التي ظلت تستغل سياسيا من لدن طبقة سياسية معدودة في الجزائر وحتى الآنquot;.

مدريد لا يمكنها أن تمارس ضغطا على الجزائر

يعتقد رشيد فارس وهو أحد المهتمين بقضية الصحراء في مدريد، أن اسبانيا quot;لن تستعمل أي ورقة ضغط على التعنت الجزائري لعدة أسباب منها أن إسبانيا تريد إبقاء الوضع هكذا، وليس في مصلحتها فتح الحدود ولا تحسن العلاقة بين المغرب والجزائر بحكم وضعيتها الإستراتيجية في المنطقةquot;.

ويضيف مواصلا quot;لا ننسى أن الغاز الجزائري يصل اليوم إلى جميع الساكنة الإسبانية، وإسبانيا لا تريد فتح ملفات شائكة لا تحمد عقباها، خصوصا وأنها تمر بظروف اقتصادية صعبة من بطالة وتقشف وغيرهاquot;.

من جهة ثانية، يؤكد فارس أنه quot;لا المغرب ولا الجزائر يسمحان بأي تدخل إسباني في هذه المشكلةquot;، إلا أنه يستدرك قائلاquot;لربما لفرنسا وأميركا دور أكثر في هذه المشكلة لعدة أسباب إستراتيجية وبحكم أنهم أعضاء دائمون في مجلس الأمن الدولي لكن هذا لا يعني أنهما متحمسان لفكرة فتح الحدود بين الجارينquot;.

ويقول فارس: quot;على المغرب والجزائر أن يجلسا وجها لوجه وعلى طاولة واحدة لحل هذه المشكلة، وعلى المجتمع المدني الجزائري أن يتحرك ضد بعض المتشنجين داخل النظام الجزائري لكي تفتح الحدود المغربية الجزائريةquot;.