أكد سامي النصف وزير الإعلام الكويتي السابق في الجزء الثاني من حواره مع quot;إيلافquot; أن منطقة الخليج العربي شهدت حروبًا أكثر مما تستحق من هذه الحروب، وأنه مازالت إلى الآن ترضخ بحيرة الوقود لعمليات سخونة كبيرة، حيث هناك مواجهة إيرانية مع المجتمع الدولي بسبب الخيار النووي، وأيضًا الوضع في العراق، وما يحدث في سوريا له امتداد إلى إيران، مشددًا على أن الجانب التنموي للخليج يحقق إنجازًا أقرب إلى الإعجاز، حيث تتحقق النهضة بنسب مختلفة في دول الخليج الست.


الجزء الأول من الحوار
سامي النصف: توقيت تولي الشيخ جابر المبارك للحكومة مناسب

أشرف السعيد من الكويت: قال سامي النصف وزير الإعلام الكويتي السابق إن مملكة البحرين هي خاصرة دول الخليج، ولا يمكن لأحد أن يتصور أن تترك لتسقط في أيدي آخرين، مؤكدًا على أن الخليج وحدة واحدة بالمشاعر، وأن هناك خصوصية له، ولا يقبل التدخل في شؤونه الداخلية.

وبيّن النصف أن مسألة الدرع الصاروخي هي قرار سيادي لدول الخليج، وأن تصريحات إيران حول هذا الموضوع مستغربة، وحالها قريبًا من مبدأ صدامية دون صدام، متسائلاً quot;لماذا لم تتدخل دول الخليج يومًا ما في الشأن الإيراني أو في خياراتها العسكرية أو النووية؟quot;.

وأشار النصف إلى أن انضمام كل من المغرب والأردن إلى عضوية مجلس التعاون الخليجي ممكن نظريًا ومستحيل عمليًا نظرًا إلى بعد المسافة مع المغرب، فضلاً عن صغر الأردن، وليست إضافة ضخمة إلى دول الخليج، غير أنه عاد ولفت إلى إمكانية التعاون بين دول المجلس ومصر والمغرب والأردن، من خلال الاتفاقيات الثنائية والتعاون العسكري وإجراء المناورات والتدريبات المشتركة والمشاريع الاقتصادية.

وشدد على أن علاقة بلاده مع العراق إخوة وصداقة ومصالح مشتركة منذ قديم الأزل، وأن القضايا بينهما مصطنعة، وأنه المطلوب نوايا حسنة بين الجانبين والابتعاد من جانب العراق عن منهجية الوصاية الصدامية.

وتوقع النصف أن مشروع تقسيم سوريا وارد، وأن النظام السوري لن يسقط بحكم القوة، بل أشار إلى أن مشروع التقسيم وارد أيضًا في العراق وليبيا واليمن. وعزا وزير الإعلام الكويتي السابق سقوط نظام مبارك إلى أخطاء عدة وقع فيها، من أبرزها تبنيه مشروع توريث الحكم لنجله، وإقامته الدائمة في السنوات الأخيرة في منتجع شرم الشيخ، فضلاً عن رجال حاشيته، وطغيان رجال الأعمال الفاسدين، مؤكدًا أن الشعب المصري هو الذي قام بثورة 25 يناير، وهو الذي ساند الكويت العام 1990 بأبنائه الجنود، وليس بجمال وعلاء مبارك، اللذين لم يشاركا في حرب تحرير الكويت.

وأعرب النصف عن أمله أنه في حال إتمام انتخابات الرئاسة في مصر ستدور عجلة الإنتاج وستتبلور صورة الدولة الجديدة وسيعود المستثمرون والسيّاح العرب والأجانب إلى مصر. وقد تناول الحوار في جزئه الثاني والأخير شؤوناً خليجية وإقليمية ودول الربيع العربي، وبكل مصارحة ومكاشفة جاءت إجاباته... وإليكم نص الحوار:
حروب بحيرة الوقود
** ما هي شهادتكم على الوضع الراهن في الخليج وما يجري حوله في المنطقة؟
- الخليج وقع فيه أكثر مما يستحق من حروب، فمنذ حرب صدام الأولى على إيران، ثم حرب خروجه من إيران ثم حرب غزوه للكويت ثم حرب خروجه من الكويت، لأنه دائمًا كان يقوم بحربين، ولا يدخل فقط بحرب حتى يرفض الخروج من دون حرب، فيخرج بحرب، ثم في العام 2003 الحرب التي تمت، كلها حروب شهدها الخليج، وهو قد أخذ كثيرًا من حقه في الحروب. الآن لاتزال حروب بحيرة الوقود ترضخ لعمليات سخونة كبيرة، حيث هناك مواجهة إيرانية مع المجتمع الدولي بسبب الخيار النووي، لا أحد يعلم إلى أين يصل وأين ينتهي؟، والعراق وما سيحدث فيه وما هو قائم فيه، هل سينتهي الأمر بسلام اجتماعي أم بحرب أهلية تمتد، وأيضًا سوريا وما يحدث فيها له امتداد إلى إيران والعراق، هذه المعطيات كلها تؤثر على الخليج .

أما الخليج في شقه التنموي لا شك أنه يحقق انجازًا أقرب إلى الإعجاز لأنه في النهاية الدول الخليجية لا يوجد فيها سوى مصدر ثروة واحد، وهو النفط، ومع ذلك لا يختلف اثنان على كم النهضة القائمة في عمان وقطر والبحرين، وجزئيًا الكويت، فهذا شق إيجابي، لكن تتبقى قضية الأمن، حيث لم نصل فيها إلى معادلة أمنية تجعل من أي تحرك تجاه الحدود السعودية كتحرك الحوثيين لا يقابل بالجيش السعودي فقط، بل بجنود من عمان والإمارات وقطر وطائرات من البحرين ودبابات من الكويت، والحال كذلك فيما لو جاء تحرك تجاه الحدود الكويتية أو الإماراتية أو البحرينية أو القطرية، فلن نصل للآسف الشديد إلى هذه المعادلة، ولدينا قوات quot;درع الجزيرةquot;، إلا أنه مثل اتفاقية الدفاع العربي المشترك، ولا أقول تمامًا، ولكنها قريبة منها، بينما الاتفاقيات الفاعلة مثل quot;الناتوquot; وحلف وارسو يتم تغطية مناوراتهما من جانب الصحافة، لأنها تشاهد جيوش دول عدة تتحرك بمناورات حية وبدبابات، بحيث عندما يقع حدث ما تكون هذه الجيوش مدربة، ويعرف كل فرد دوره، ولكن إلى الآن مازالت حدود دولنا الخليجية تحمى من قيادات قُطرية تابعة للبلد الخليجي أو قوى دولية، بينما العمل الخليجي العسكري المشترك لم ننجح في صنعه إلى الآن، وأعتقد أن انشغالنا بالتوحد السياسي غطى على التوحد الأهم وهو العسكري.

إنجاز مجلس التعاون حقيقة كبيرة
** هل نجح في منظوركم مجلس التعاون الخليجي في إدارة الأزمات التي نشبت بين أعضائه خلال الفترة الماضية؟
- الحقيقة أن شهادتي إيجابية على مجلس التعاون الخليجي، حيث إن أكبر تحدِ للمجلس كان العام 1970 بتأسيس هذا المجلس، ثانيًا: صنع مجلس التعاون حالة ذهنية عقلية وحدوية لدى الخليج، ثالثًا: حرية الانتقال لمواطني دول مجلس التعاون الخليجي، وهذا الأمر لا نرى مثله للآسف الشديد بين الدول العربية، وبعضها البعض، إذن إنجاز مجلس التعاون حقيقة كبيرة، والشيء الجميل في المجلس أن الأضواء لا تنطفئ عندما ينتهي انعقاد القمم الخليجية، بل العمل مستمر على كل المستويات. الاجتماعات مستمرة سواء المرور والمنافذ والأشغال والبيئة والزراعة، وأتصور أننا في الكويت بالإمكان أن نستفيد كثيرًا وبإمكان الدول العربية في الأنظمة الجديدة ومنها العراق أن تستفيد من التجارب الناجحة، فمثلاً قطر توجد فيها تجربة تعليمية ناجحة، وأيضًا في الإعلام تجد تجارب ناجحة في الخليج، مثل الجزيرة والعربية، اليوم يقاربان البي بي سي وسي إن إن، وكذلك شركات الطيران، مثل الإتحاد والقطرية والإماراتية، إذن توجد تجارب ناجحة في الخليج، وقد طالبت بمقالات سابقة الكويت، وأرجو من هذه الحكومة أن يكون الهدف هو الوصول إلى مستوى ما هو أفضل في الخليج عن طريق مجلس التعاون، والدول الخليجية لن تبخل على الكويت ولا على أي دولة عربية بالدعم والمساندة. فمثلاً السعودية لديها تجربة صناعية زراعية، هناك تجارب ناجحة في الخليج، وأعتقد أن الأنظمة العربية الجديدة عليها أن تنظر إلى هذه التجارب وتستفيد منها عبر المصلحة المشتركة.

اقتصاديات متباينة
** هل تجمد مشروع توحيد العملة الخليجية بسبب الخلاف بين السعودية والإمارات حول مقر المصرف الخليجي؟
- أحيانًا الاستعجال بشيء قد يؤدي إلى نتائج عكسية، مثل الوحدة بين مصر وسوريا، الآن الدول الأوروبية لديها إشكال في قضية اليورو، لأن ألمانيا تقول إلى متى أدعم هذه العملة؟، وهناك أحد المقترحات بخروج اليونان من عملة الإتحاد الأوروبي ndash; اليورو- وعودتها إلى عملتها الدراخمة. والقضية ليست إشكالية ضخمة، فعندما أزور السعودية أتعامل بالدينار الكويتي، إذا لم أستعمله بشكل مباشر، فبالإمكان أن يصرف، إنما المعطيات أكبر من أن يكون مقر المصرف الخليجي المركزي في أبوظبي أو الرياض، وإنما القضية هي أن هناك اقتصاديات متباينة، وفي اللحظة التي نرى أن الاقتصاديات تقاربت، والمكسب عبر العملة الخليجية الواحدة، أعتقد حينها لن تتردد الدول الخليجية في اليوم التالي، وإنما المسألة ليست إشكالية كبيرة، ونأمل في يوم ما تأني توحد العملات الخليجية في عملة واحدة.

الخليجي أقل عمرًا من الجامعة العربية والأوروبي
**هناك بعض التحفظات للشارع الخليجي على مجلس التعاون، وأنه لم يحقق طموحاته على الرغم من أن تجربة المجلس يشار إليها بالبنان مقارنة بتجمعات وتكتلات إقليمية أخرى قامت وتجمدت، بل وفشلت. ما تعليقكم؟
-أعتقد الذين ينتقدون مجلس التعاون الخليجي يندرج نقدهم تحت خانة النقد المُحب والبناء، وإنما الحقيقة تقول الآتي إننا كدول خليجية لم نكن دولة واحدة، وبالتالي عندما نتوحد، هناك دول لديها تشريعات ومواقف أخلاقية وغيرها، مثل السعودية، إذا وحدت التشريعات، في اليوم التالي، على بلد مثل دبي يقوم اقتصاده على الانفتاح.. في هذه الحالة إحدى الدولتين ستتضرر، لو انفتحت السعودية قد تكون للخطوة تداعيات اجتماعية، وتتضرر. ولو أغلقنا دبي لماتت وتهرّبت منها المليارات.

إذن الاستعجال بالوحدة بسبب بعض الذين يرون أن الوحدة الخليجية بهذه البساطة أعتقد أنها قضية لا حكمة فيها، ونحن في مجلس التعاون الخليجي أقل عمرًا من الجامعة العربية بكثير وأيضًا أقل عمرًا من الإتحاد الأوروبي، ومع ذلك أنجزنا الكثير، وتبقى قضايا نتركها للزمن، وأقول لبعض الذين يريدون تحقيق المزيد من الإنجازات في المجلس: ماذا سيفعل لو حقق كل الإنجازات والطموحات؟، لأننا نخاف من الردة في حالة الوحدة الخليجية، وهذا ما حدث في حالة الوحدة بين مصر وسوريا العام 1958، ثم حدوث الانفصال نتيجة لقرارات التأميم والاشتراكية في مصر. أما سوريا فكان يقوم اقتصادها حينئذ على البادرة الفردية والقطاع الخاص، وهنا حدث رفض من الشارع السوري عندما تأثر بقرارات عبدالناصر، وأرجو أن ينظر بواقعية وموضوعية في الأمر، وأن هناك رغبة عكسها خادم الحرمين الشريفين وسمو الأمير الشيخ صباح الأحمد وبقية قادة دول الخليج في الوحدة الخليجية.

لا ضرر من الكونفيدرالية... ولكن
** دعا بعض الُكتّاب والمراقبين الخليجيين إلى ضرورة الإعلان عن الإتحاد الكونفيدرالي الخليجي لاحتواء أي أزمات مستقبلية أو تهديدات في المنطقة. ما تصوركم لإمكانية إقامة هذا التكتل الخليجي؟
- لا أرى أي ضرر من إقامة الإتحاد الكونفيدرالي الخليجي، بل يمكن ابتكار نوع رابع من الإتحاد، فمثلاً الفيدرالية ابتكرها شابان عمرهما 22 عامًا، ووحدوا الولايات المتحدة الأميركية، وأرادوا أن يتوحدوا، فوجدوا أن الوحدة بشكلها التقليدي صعب تنفيذها، فابتكروا نظامًا اسمه الفيدرالية، الآن في الخليج يجب أن ننظر إلى حالنا، فالأمور السياسية مثل الديمقراطية، فلكل دولة حاجياتها، فما الذي يمنع أن نحشد مفكرينا وساستنا ونناقش الأمر بالنسبة إلى النظام الكونفيدرالي ونتائجه وسلبياته وإيجابياته، وقد نتوصل إلى نظام يجمع بين الفيدرالية والكونفيدرالية. فمثلاً ماليزيا توحدت، وعندهم ملوك يتبادلون الأدوار، وعلينا أن نطرح على مائدة الحوار كل الأفكار والتصورات، قبل أن نقفز على الوحدة وندرس ما لها وما عليها، وهل لدينا في الخليج ولدى شعوبنا وأنظمتنا السياسية القدرة على دفع أثمان الوحدة الكونفيدرالية، وإذا توصلنا إلى نتيجة إيجابية فيمكننا أن نبتكر نظام الوحدة الرابع ولنطلق عليه كما نشاء.

البحرين خاصرة دول الخليج
** برأيكم هل تنعكس الأحداث التي تشهدها البحرين من فترة إلى أخرى سلبًا على بقية أعضاء مجلس التعاون الخليجي؟
- قطعًا تنعكس بالسلب على أعضاء الخليجي، وكل ما نأمله هو أن تحل إشكالية البحرين حقيقة، لأن البحرين علينا أن نتذكر أن مواردها تقل كثيرًا عن الدول الخليجية الأخرى، وبالتالي لا أحد يطلب من الإدارة القائمة أو أي إدارة مقبلة بأن توفر لها ما يتم توفيره في دولة خليجية أخرى ذات مخزون نفطي كبير، فالبحرين مساحتها تبلغ نحو ستمائة كيلومتر مربع ومسطحة، ولا توجد فيها أنهار، وقدراتها المالية محدودة، إنما ضمن هذه القدرات هناك إنجاز كبير، حيث تعتبر مركزًا ماليًا... هذا جانب.

أما الجانب الآخر هو أن البحرين هي خاصرة دول الخليج، ولا يمكن أن يتصور أحد أن تترك لتسقط في أيدي آخرين، أيًا كان الشكل حتى لو كان شكل الحكومة شعبياً هذه قضية بمعنى أنه يتم انتخاب حكومة معادية لدول الخليج، ويقال إن البحرين مملكة، لكن ما يجب التأكيد عليه هو أن الخليج وحدة واحدة بالمشاعر وأن هناك خصوصية للخليج ولا يقبل التدخل في شؤونه الداخلية، ودولنا الخليجية تدخلت أكثر من مرة في عقد مصالحة ما بين الحكومة البحرينية والمعارضة، وأتذكر أن سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد تدخل في هذا الأمر، وأعتقد أن بقية الدول الخليجية لديها الرغبة نفسها شرط أن تكون مطالب المعارضة البحرينية موضوعية، وأيضًا أن يكون الحكم أيضًا موضوعيًا، وقد قدم أكثر من بادرة تجاه المعارضة، وللأسف منذ الأيام الأولى بدأ الرفض من جانب المعارضة، وكنت متابعًا هذا الموضوع، لدرجة أن ولي العهد البحريني فاجأ الجميع وشارك في برنامج تلفزيوني من دون موعد لكي يدفع بقضية الحوار مع المعارضة، لذلك أقول إن البحرين تشكل قلقًا، إنما أعتبر أن الأمور إن شاء الله تخطت مرحلة الخطر، ونأمل الخير كل الخير للبحرين عبر مطالب موضوعية من المعارضة وقبول مطلب موضوعي من الحكومة.

الدرع الصاروخي قرار سيادي لدول الخليج
**بعد إعلان واشنطن أنها تدرس إمكانية إقامة درع صاروخي في الخليج في مواجهة إيران حذّر وزير الدفاع الإيراني دول الخليج من إتباع نهج أميركا في هذا الشأن لعواقبه الوخيمة على المنطقة وعلاقات بلاده مع دول الخليج. ما تعليقكم؟
- العاقل والحكيم من اتعظ بغيره، ولغة الخطاب هذه كنا نسمعها من وزير خارجية صدام من قبل، حيث دائمًا هناك مفهوم الأخ الأكبر، وحتى مفهوم المجال الحيوي الذي أول من اخترعه هتلر وأعطى لنفسه المبرر في دخول التشيك وبولندا وغيرهما، وهذه تعريفات سياسية فقط، لا أحد يفرض وصايته على دول أخرى، وبالنسبة إلى مسألة الدرع الصاروخي فهذا قرار خليجي، ويعود إلى دوله ومصالحها، فإذا أرادت دول الخليج وضمن سيادتها الكاملة أن تستعين بهذا الدرع الصاروخي ستقوم بهذا الأمر من دون أي تدخل خارجي، وما الذي يزعج إيران إذا حمت دول الخليج نفسها، إلا إذا كانتتنوي الإضرار بدول الخليج؟ وهذا كمثل من يحمي منزله، فلماذا ينزعج جيرانه من ذلك، طالما ليست لديهم نوايا عدوانية أو مطامع؟.

في المقابل دول الخليج لم تتدخل يومًا ما في الشأن الإيراني أو في خياراتها العسكرية أو النووية، لأن التدخل بشكل عام قضية غير منطقية، وعلى إيران أن تتصور الأمر في حال صدور تصريحات من مسؤولين خليجيين بهذا الشكل، فهل يرضيهم، والتهديد لدول الخليج بأن إيران ستقوم بغلق مضيق هرمز، وهذه مياه دولية، ونحن نشترك فيها، وأعتقد أن إيران عندما تتحدث عن مد يد الإخاء والصداقة للخليج عليها أن تعكسها بتصريحات، وليس أن تقول شيئًا وتأتي بتصريحات مغايرة عما تقوله، بالعكس تمامًا مسألة الدرع الصاروخي هذا قرار سيادي لدول الخليج، لا يحق لأحد سواء إيران وهي ناحية الشرق ولا سوريا والعراق شمالاً ولا مصر والسودان غربًا ولا اليمن جنوبًا أن تتحكم فيه، فهذا قرار خليجي مطلق، مثلما تتخذ مصر قراراتها وما تراه مناسبًا وكذلك إيران تفعل ما يتراءى لها، لذا أعتقد أن هذه التصريحات مستغربة، وحالها قريب من مبدأ صدامية دون صدام، حيث كان كلما ضاقت عليه الحال كان يكثر التهديدات لجيرانه، أقول لإيران الآن أنت في حاجة ماسة لصداقة دول الخليج بعد العزلة الدولية المفروضة عليك، الآن تفرضين على نفسك المزيد من العزلة بهذا النوع من التصريحات، ودائمًا لا نجد أي محاسبة على من يصرح بمثل هذه التصريحات، مما يدل على أنها تلقى قبولاً وهوى من جانبها وقياداتها.

نظريًا ممكن وعمليًا مستحيل
** بعد دعوة الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي كل من المغرب والأردن إلى الانضمام إلى المجلس.. ما هي رؤيتكم لهذه الدعوة؟ وهل تحقق فائدة لأعضاء المجلس؟ أم أن هذه الدعوة تكريس للنظام الملكي في المنطقة؟
- أعتقد أنه من الناحية النظرية فدول الخليج ديموغرافيًا قليلة السكان، وقد تحتاج وجودًا سكانيًا أكثر، ولا شك في أن كلاً من المغرب والأردن أقرب سياسيًا للأنظمة الخليجية، وهذه حقيقة، إنما أعتقد من الناحية العملية من الصعوبة بمكان أن تتحقق هذه القضية، وخاصة نظرًا إلى بعد المغرب، ولصغر الأردن، فهي ليست إضافة ضخمة إلى الخليج، والأمر بإمكانه أن يتأتى ويتحقق عبر اتفاقيات ثنائية وتعاون عسكري، فليكونوا ضمن قوات درع الجزيرة أو المشاريع الاقتصادية الخليجية، لأنه إذا أرادت أن تتوسع في عضوية المجلس فإن الدول العربية الأخرى تريد أن تنضم، مثل العراق، حيث ستقول إنها دولة خليجية، وكذلك اليمن، وإذا دخلوا هؤلاء مصر وسوريا ستطالبان بالانضمام، ومن سيتبقى.. ليبيا وغيرها سينضمون. إذن أصبحنا أمام جامعة عربية أخرى، ومجلس التعاون الخليجي إنجازه بصغره وخصوصيته، وهذا الأمر ينطبق علينا في الكويت، فلا يحق لنا الانضمام إلى عضوية تجمع دول الإتحاد المتوسطي، لأننا لسنا من دول البحر المتوسط.

تحقيق الهدف المشترك بالاتفاقيات الثنائية
**دعا رئيس أركان جيش مملكة البحرين إلى ضرورة ضم مصر إلى عضوية مجلس التعاون الخليجي لما لمصر من أهمية إستراتيجية وعسكرية لدول الخليج. فما تعليقكم؟
- كما سبق أن ذكرت أنه من الصعب التوسع في عضوية الخليجي، وإلا أصبحت جامعة عربية أخرى، لكن يمكن تحقيق الأمر والوصول إلى الهدف نفسه عن طريق التعاون الثنائي، وبإمكاننا في مجلس التعاون الخليجي عن طريق المنظمات التي يضمها أن يتم التعاون بين الدول الخليجية الست ومصر والمغرب والأردن، عن طريق توقيع الاتفاقيات الثنائية مع هذه الدول، فضلاً عن التعاون العسكري وإجراء المناورات والتدريبات المشتركة، وهنا يتحقق الهدف من دون تفكيك مجلس التعاون الخليجي.

المنطقة العربية من سيء إلى أسوأ
** ما هو منظوركم للمشهد الراهن في اليمن بعد حزمة القرارات التي اتخذها الرئيس اليمني المنتخب عبد ربه منصور، والتي لاقت ترحيبًا خليجيًا وعربيًا ودوليًا؟
- أتصور أن اليمن لو كان منذ اليوم الأول لجأ إلى الخيار الأول، وهو خروج الرئيس كما حدث في تشيلي، هذا كان يرسل رسالات إلى قيادات طال بها الأمد، إنما لا شك أن اليمن وضعه أفضل الآن مما كان عليه، لأنه في النهاية ما كان للأزمة أن تستمر لكون الدماء كانت تسيل أنهارًا، إنما بعد كل هذه الدماء وسقوط الضحايا، اليمن لم يعد المثال والقدوة، ومع ذلك سيواجه المطالبات الحقيقية، فاليمن بإمكانه أن يتحول إلى حالة انشطارية، وهناك الحوثيون وتنظيم القاعدة، وهناك أيضا الحراك الجنوبي، وكذلك مشاكل القبائل ضمن الداخل اليمني، وكانت من قبل تقاد من جانب قوة مهيمنة مسيطرة في العاصمة، والتي ضعفت، وماذا يحدث في تعز وبقية المحافظات وفي الجنوب.

أتصور أنه علينا أن ننتظر، وإن كنت من النوع المتشائم، إذ أرى أن المنطقة العربية، وليس فقط اليمن، تتحول من أوضاع سيئة إلى أوضاع أسوأ للأسف، ولا أتكلم بالعاطفة، ولكن من خلال ما تعطيه من دلالات ومؤشرات، ولكن واقع الحال غير ذلك في اليمن ودول الربيع العربي، وأدعو الله أن تتغيّر معطيات الواقع الحالي، ودائمًا أشبه ما حدث في دول الربيع العربي بما حدث في ربيع أوروبا الشرقية في أوائل التسعينات، حيث وقع في العام 1989 ربيع ثورات في رومانيا ويوغسلافيا والتشيك وغيرها، وحدث فيها ما حدث في الربيع العربي، وبالتالي فإن دول الربيع العربي، ومنها اليمن وتونس وغيرهما، القراءة الخاطئة لها أنه إذا خرجت تونس فخرجت مصر وليبيا واليمن وسوريا، وهذا غير صحيح، لأن لكل دولة ظروفها، وعلى قدر اجتهادها ستخرج من البحر، لكن لا تعتمد على أنها ستخرج من دون خسائر أو فكرة تخرجها من هذا البحر، لأن النوايا الحسنة لن تخرجها، والديمقراطية والحريات لن تأتي بالمن والسلوى، وقد تأتي بعكس ذلك.

دول الربيع العربي في حالة مخاضٍ صعبة
وتابع: إذن اليمن ودول الربيع العربي كذلك في حالة صعبة، وقد تكون تونس بحكم صغر حجمها وقلة سكانها عندها مرحلة التنمية قوية، فساعد على خروجها، وليبيا نعم هي قليلة السكان وكبيرة المساحة، لكن لديها إشكالية، وهي التنازع على الثروة، فاليوم منطقة بنغازي تمثل غالبية الثروة النفطية، وفي الوقت نفسه تمثل ربعأو ثلث سكان ليبيا، وبالتالي يتصور قاطنوها أنهم لو تحولوا إلى دولة فيدرالية، ومن ثم إلى دولة مستقلة، ستصبح من أغنى الدول العربية النفطية، ويرى مواطنوها ومقيموها أنهم خلال حكم القذافي الممتد لفترة 42 عامًا لم يروا من طرابلس العاصمة إلا كل ضرر، وأيضًا مصر لديها إشكالية، وهي الالتفاف حول مشروع وطني واحد، وأتصور أن انتخابات الرئاسة في مصر إذا تحققت وأدت إلى أن العامل يتجه إلى مصنعه، والمزارع إلى مزرعته، والطالب إلى مدرسته وجامعته، والتف الجميع حول مشروع واحد، بدأت صورة الدولة الجديدة في مصر تتبلور، بحيث يعود السائح إلى زيارتها، ويرجع المستثمرون العرب والمصريون.

أما إذا ظلت حالة السيولة والتجمهر اليومي لكون دول أوروبا الشرقية خرجت إلى الشارع وأسقطت الأنظمة وعادت إلى إنتاجها، حيث مصانعها ومزارعها، فإمتلأت المطارات بالمستثمرين والسياح والوافدين، وفي المقابل في دول الربيع العربي بقت في الشارع وإمتلأت المطارات بالمستثمرين الأجانب الخارجين منها، أعتقد أن هذه إشكالية، لا تحل بالنوايا الحسنة ولا بالشعارات، بل تحل باختيار الناس المناسبين القادرين على صنع وتحقيق أحلام تلتف حولها الشعوب وتواجه التحديات المختلفة.

العلاقة بين الكويت والعراق إخوة ومصالح مشتركة والقضايا مصطنعة
** بعد الزيارة الرسمية لنوري المالكي رئيس الوزراء العراقي إلى الكويت ومشاركة سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد في أعمال القمة العربية الأخيرة في بغداد على رأس وفد رفيع المستوى. ما هو تقييمكم للعلاقات الكويتية ndash;العراقية في الوقت الراهن؟ وهل تم بحث الملفات العالقة بين البلدين مثل التعويضات والحدود وميناء مبارك الكبير وغيرها؟

-أرى أن غالبية القضايا القائمة بين الكويت والعراق قضايا مصطنعة، وبعض الشباب يعتقد أن الحالة الكويتية ndash;العراقية هي حالة تأزم، ولكن هذا غير صحيح ،لأنه منذ نشأة الكويت قبل أربعمائة عام حتى عهد صدام، كانت العلاقة بين البلدين في الغالب علاقة أخوة وصداقة ومصاهرة وتجارة ومصالح مشتركة تعود بالنفع على البلدين، وهذه هي الحالة السائدة التي لم يلاحق عليها صغار الشباب، وصدام رجل متأزم، ولم يصنع إشكالاً فقط بين الكويت والعراق، بل افتعل مشاكل بين العراق وكل جيرانه وكل الدول العربية، والآن نحن نأمل العودة إلى أصل العلاقة بين البلدين، لأن العراق بلد خيرات، لديه إطلالة على البحر، ولديه انهار ومراقد مقدسة، وهو بلد حضارة وثقافة وسياحة، ولديه كل المعطيات، فلا يحتاج من الكويت شيئًا، والكويت لا تأمل من العراق إلا حسن النوايا، وأيضًا من الممكن أن تكون الكويت بوابة العراق إلى الخليج، وأيضا بوابة الخليج إلى العراق، وهذا الأمر لا يحتاج إلا حسن النوايا، وإذا حسنت النوايا وابتعدنا عن منهجية الصدامية التي تقوم على الوصاية والفرض، أتصور أن إشكالية الكويت مع العراقيين بعض منها هو فرض ورفض، والفرض من العراق على الكويت في أمور كثيرة، ورفض دائم من الكويت للعراق.

قطر لم تصنع الربيع العربي وتلعب دورها بجدارة وتستفيد منه
** ما تصوركم للدور الذي تقوم به قطر في موضوع ربيع الثورات العربي، حيث يرى البعض أنها تبحث عن دور في المنطقة رغم كونها دولة صغيرة؟
- جزئية الربيع العربي حتى لا يوجّه الاتهام إلى قطر، لو لم تكن الظروف مهيأة للربيع، لما حدث الربيع، فمثلاً في ليبيا في يوم واحد أخذ القذافي 42 عامًا لم تقم فيها دولة مؤسسات، وبالتالي هذا الذي سبّب الربيع في ليبيا وليس قطر، وكذلك قضية القمع والدكتاتوريات، وفي هذا السياق أقول إنه على الوطن العربي أن يفكر في تعاريف جديدة، لأن دكتاتورية زين العابدين بن علي في تونس تختلف عن دكتاتورية القذافي، وأيضًا دكتاتورية صدام على سبيل المثال تختلف عن دكتاتورية حسني مبارك، وإنما للتاريخ وللحقيقة لا نستطيع أن نضعهم في قالب واحد، فمثلاً مبارك أوقف الحروب، وإنما دكتاتوري سيء، وسقط وهذا استحقاقه، وبالتالي إلقاء اللوم على قطر في هذا الأمر لا يصح، وهذه الدكتاتوريات هي التي صنعت ربيع هذه الدول.

أما الجزء الثاني من السؤال بشأن دور قطر على الساحة العربية لما لا، هذا الدور لعبته الكويت في الستينات والسبعينات والثمانينات لأن دورك كبلد صغير أن تمد يد العون للآخرين، وأن قطر تحاول إصلاح ذات البين بين الفلسطينيين واللبنانيين والسودانيين وغيرهم، وأعتبر أن هذا الدور تلعبه قطر بجدارة وبكفاءة وباستحقاق، وهو دور يضعها على خارطة العالم، وهي تستفيد من هذا الدور الذي تلعبه اقتصاديًا، بمعنى أن الدور السياسي لقطر انعكس على الدور الاقتصادي، فاليوم قطر تتحول إلى مركز مالي عالمي، لأنها أصبحت معروفة بثقتها، فأرى أن الدور القطري يفيد قطر بالدرجة الأولى، وكذلك يفيد البلدان العربية، فإذا كانت قطر أسقطت القذافي فشيء جميل، وأسقطت دكتاتوريات أخرى فشيء أجمل، والبعض تحول من دكتاتورية جمهورية إلى دكتاتورية دائمة.

حصول الإخوان على الغالبية في انتخابات الشعب والشورى ليس المحك
** ما هي قراءتكم لما يحدث على الساحة المصرية حاليًا؟ وما هي توقعاتكم بالنسبة إلى انتخابات الرئاسة؟
-اليوم كما حدث في أوروبا الشرقية نتائج الانتخابات الأولى، ليست المحك ففي أوروبا الشرقية من نجح في الانتخابات الأولى لم ينجح في الانتخابات الثانية، وبالتالي على من نجح في الأولى أن يقوم بأمرين وهما: أولاً ألا يأخذها كقضية مسلمة أنه سينجح في الثانية، وثانيًا: أن يعمل جاهدًا بدعم عمليات التنمية والقضاء على البطالة وغيرها، وكذلك أن يسلم الشعلة لمن سيأتي في الانتخابات اللاحقة، لا أن نرجع إلى قضية التزوير والتزييف للبقاء، فهذه قضايا مفصلية على الشعب المصري والقوى السياسية أن تتأكد منها، وقضية الرئاسة هناك عرف جميل في الولايات المتحدة، حيث يبحثون دائمًا عن رئيس قوي من الحزب الجمهوري على سبيل المثال يقابله ديمقراطيون في المجلسين، لأن المجلس النيابي يختلف عن الرئاسة، بمعنى أنه لا يكتسح أحد المجالس النيابية والرئاسة في وقت واحد.

أما في مصر فنجد أنهم ارتضوا ألا يكون الدستور لا رئاسيًا ولا برلمانيًا.. إنما الدستور شيء وسطي، لذلك ستكون هناك سلطات وصلاحيات لدى الرئيس المقبل حاله حال سلطات أمير الكويت، حيث يملك صلاحيات وسطية، هذا أمر جديد، وبرأيي أنه كان من الأفضل أن حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي للإخوان المسلمين ألا يرشح أحداً، وكان عليه الاكتفاء بمجلسي الشعب والشورى ورئاسة الحكومة بحكم الغالبية، وأن يترك لآخرين الرئاسة، بحيث يكون هناك توازن هذا أولاً، الأمر الثاني هي من الأخطاء الشائعة، وقد تحدثت عنها شخصيًا مع الرئيس التونسي ورئيس البرلمان -قبل أسابيع قليلة في بغداد على هامش القمة العربية- وقلت له إن هناك فهمًا خاطئًا لدور الغالبية في قضايا صنع الدستور، وذلك لأن الدستور حالة دائمة صالحة لكل زمان ومكان، وليس من الضرورة أن تعكس رغبات الغالبية في فترة ما، فمثلاً إذا كانت غالبية إسلامية ستفرض على الدستور أن تكون مواد التشريع الإسلامي وغيره أمرًا لا يصلح، والغالبية تصدر تشريعات متغيّرة، بينما الدستور يصدره خبراء وفقهاء في القانون الدستوري محايدون.

لذلك انسحب الكثير من أعضاء اللجنة التأسيسية للدستور في مصر، ثم صدر حكم من مجلسي الدولة بإلغاء تشكيلها الذي كانت عليه، لذلك كان من الأفضل لو ترك الاخوان الرئاسة لآخرين، واكتفوا فقط بغرفتي البرلمان ورئاسة الحكومة، والعكس صحيح فلو فاز ليبراليون وطنيون في الانتخابات المقبلة لمجلسي الشعب والشورى فلتكن الرئاسة للإسلاميين، وذلك لأن البعد عن الدكتاتورية يقتضي هذا، وأيضًا بالنسبة إلى الدستور عليه أن يراعي قضية التوازن وديمومته دون تركه للغالبية.

النموذج التركي مثال يقتدى للإسلاميين
** ماذا عن تقييمكم للأداء البرلماني في مجلس الشعب الحالي؟
-أعتبره جيداً، ودلالة الجودة فيه الوسطية، وأعتقد أن لدى الإخوان في المجلس فهمًا لمكونات المجتمع المصري، لأنه لم تدمر الأوطان العربية إلا من خلال الحكم، مثلاً حزب يدعو إلى القومية العربية في بلد إسلامي أو حزب يدعو إلى الإسلام في بلد مثل السودان، جنوبه ndash; قبل الانفصال -كله مسيحي ووثني، وبالتالي لو وصل حكم إسلامي عليه أن يتفهم أن هناك الملايين من غير المسلمين، وأرى أن الإخوان أكثر واقعية، وأعتقد أن النموذج التركي مثال يقتدى به، ويجب أن يعلن الإسلاميون هذا الأمر حتى يوفروا على الإسلاميين في سوريا على سبيل المثال بذل الجهد لشرح حالهم لشركائهم من المسيحيين والدروز والعلويين وغيرهم، وذلك لأن كثيرين الآن في سوريا يتخوفون مما يحدث في دول عربية أخرى، فمثلاً توسط البابا شنودة وإصدار الفتاوى، وهنا ترسل رسائل خاطئة إلى المسيحيين في سوريا والعراق، وآمل أن تزيد جرعة الاعتدال، لأنه لم تصلح بلد بمتطرفين، وكلما اعتدل الإخوان والإسلاميون في مصر... كلما كان الوضع أكثر إيجابية، وحصلوا على فرصة جديدة في الانتخابات المقبلة ويجب أن لا يعتمدوا كثيرًا على نتائج الانتخابات الماضية.

مشروع تقسيم سوريا وارد وبقوة
** ما هو منظوركم لمجريات الأحداث على الساحة السورية حتى الآن؟
- سوريا أرى فيها نسبة 80% ممن أسمعهم يقولون إن الوضع فيها سينتهي بالنموذج اليمني، وأنا من بين نسبة الـ 20%، ولي نظريتي الخاصة، حيث أعتقد أن النظام السوري سُيصّعد من حساب الدم، وسيبقى ساريًا حتى تصل سوريا إلى حالة استحالة العيش بين الفرقاء، وأتوقع أن يتجه الأخوة العلويون إلى جبالهم وسواحلهم، حيث كانت هناك دولة علوية، قد قامت قبل 70 عامًا تقريبًا، وضمن هذا السيناريو ستجعل حالة الدم من الريبة والخوف عند العلويين تأتي بعسكري منهم ويسلم الحكم -كما صار في مصر- على حكومة منتخبة، وهي بالطبع ستكون سنية، وسيخشون من انتقامهم.

لذلك أرى أن السيناريو المقبل لسوريا هو أن حمّام الدم سيظل قائمًا، لأن النظام لديه قوة ممثلة بذاته وبالخوف من حوله من قادم الأيام، وبوجود دعم عراقي ndash;إيراني ومن حزب الله اللبناني، وهذا الدعم لم يأتِ لصدام على سبيل المثال، إضافة إلى الفيتو الصيني والروسي في مجلس الأمن والأسلحة، وبالتالي لن يسقط النظام السوري بحكم القوة ورؤيتي موضوعية، وليست عاطفية، وسيجد النظام الملاذ الآمن الوحيد له، هو هذا السيناريو، وتبقى حالة الدم مستمرة حتى يصل الأمر إلى تخندق ينتهي بأن يقرّ العلويون بأنهم لن يأمنوا على أنفسهم في وجود الحكومة السنية في سوريا.

في المقابل، سترفض الحكومة السنية إستمرار حمام الدم بأن يذهب العلويون إلى جبالهم وسواحلهم، وهنا سيبقى النظام ضمن هذه المعادلة وستكون دويلة العلويين quot;علويستانquot; على غرار كردستان في العراق، التي يوجد لديها برلمان وحكومة، وتتمتع بنظام حكم ذاتي قائم، ولديهم علم وسلام وطني، وقد يصل الحال في سوريا بهذا الشكل، ويتم تقسيمها ووفق نظام الحكم المقبل في سوريا، فلو كان سلفياً فقد يتجه دروز سوريا إلى جبالهم وكذلك الطائفة الإسماعيلية في سوريا قد تذهب وأيضًا المسيحيون، لذلك أعتقد أن مشروع تقسيم سوريا وارد وبقوة ووارد أيضًا في العراق وكذلك وارد في ليبيا واليمن، وأمامنا نموذج جنوب السودان، حيث تفوق مساحته نحو 300 ألف كيلو متر مربع، بما يزخر من خيرات ومياه وثروات حيوانية وزراعية، فما الذي يمنع الانفصال؟، فالإتحاد السوفيتي بكامله انفصلت عنه أوروبا الشرقية وكذلك جمهورياته، لذا لا أستبعد سيناريو تقسيم سوريا لا أستبعده عن الصورة.

الملكية كانت العصر الذهبي لمصر والعراق وليبيا
** في حوار أجريتموه قبل عامين تقريبًا أعربتم عن رغبتكم في تحويل مصر إلى مملكة، وتولي جمال مبارك ملكًا على مصر. ما تعليقكم بعد سقوط نظام مبارك؟
- التقيت أخيرًا الشريف علي، والوضع في مصر قبل العام 1952 كان أفضل لأسباب عدة، من أبرزها أن الأحزاب السياسية حينذاك كانت أقوى بالمثال الغربي وليبرالية، وكانت ثلاثة أحزاب على الأكثر، وليس مثل حالة التشرذم الموجودة كما حدث في العراق، حيث بلغ عددها المئات، وإلى الآن أقول إن الطبقة السياسية الحاكمة التي كانت تتولى الأحزاب السياسية في مصر قديمًا قبل العام 1952 لم تأتِ حتى الآن في الوطن العربي طبقة مثلها من أمثال د.محمد حسين هيكل حيث حزب الأحرار الدستوريين، والنقراشي باشا، ومصطفى النحاس، وهي كانت شديدة الثقافة والعلم، إذن عندما أحلم بعودة الملكية، فهذا يعني أن العصر الذهبي للبلدان، مصر والعراق وليبيا، كان في ظل حكم الملكية. أما بالنسبة إلى تزكيتي لجمال مبارك فهذه رؤية لي كمراقب من الخارج، ولكن أن يكون بكل هذا السوء والكره من غالبية الشعب المصري هذه قضية قد يعلم بها من هم يعيشون داخل مصر، وإنما فكرة الملكية مازلت أتمنى أن تتحقق، لأن الملكية ميزتها أنها تجمع كل التيارات، وكانت في السابق مملكة مصر والسودان، وانفصلت السودان، وانشطرت إلى دولتين شمال وجنوب السودان.

التوريث وإقامته في شرم الشيخ ورجال حاشيته
** في تصوركم كمراقب ما هي أبرز الأخطاء التي وقع فيها الرئيس السابق مبارك ؟
-هذا سؤال جميل، أعتقد أن مبارك وقع في كم من الأخطاء لأن الإنجازات محيت مقابل كم الأخطاء، وجزء كبير منها قضية التوريث، حيث أضرت به، وحتى هذه اللحظة لا نعلم حقيقتها، وقد كتبت في جريدة الأنباء في 10 أيار/مايو العام 2010 أن العام 2011 هو أخطر سنوات العرب ومن الأشياء التي استغربتها أن مصر وصلت إلى العام 2011 ولم نعلم من سيتولى مقاليد الأمور فيها، وحتى قضية التوريث لم تعلن رسميًا، ولذلك أعتقد أن مبارك خسر فيها الكثير، وكل الخسارة، ولم يعلن عن أن نجله جمال سيتولى الحكم، ولا شك احتجاب مبارك في منتجع شرم الشيخ وإقامته الدائمة فيها واعتبارها عاصمة ثانية لمصر، حيث يجري فيها الاستقبالات الرسمية والاجتماعات مع الزعماء العرب والأجانب، هذا أيضًا أضرّ به كثيرًا، فضلاً عن أن حاشية مبارك ورجاله المقربين منه كان لهم دور، وهذا موجود في كل زمان ومكان، والحقيقة أن الرئيس مبارك في أول عشر سنوات لحكمه لم يكن يختلف عليه اثنان.

أما في السنوات العشر الأخيرة من حكمه فلاحظت أنني لم أسمع اثنين من المصريين يثنيان عليه على كل الأصعدة والمستويات سواء رجال أعمال أو أفراداً عاديين، إضافة إلى أنه أبقى إلى جواره رجالاً لهم سمعة سيئة لسنوات طويلة، وكان عليه أن يبعدهم، ويجدد الدماء، ويستمع إلى الشعب ويرجع إلى قصره في مصر الجديدة بين أحضان الشعب، وليس في شرم الشيخ. أما القضية الرابعة فهي قضية دور الإعلام، حيث كان الإعلام الحكومي سيئًا، والإعلام الخاص كان مبالغًا بنقده، وهذه ظاهرة الآن أن الإعلام الخاص في كل الوطن العربي يبالغ في تناول القضايا، حيث الصحف والفضائيات الخاصة تشعرك بأن الصورة قاتمة، يقابله إعلام حكومي لم يعد أحد يصدقه، وهذا أضرّ بالرئيس السابق جدًا، حيث كانت توجد إنجازات لم يعلم بها أحد.

الشعب المصري ساند الكويت بأبنائه الجنود وليس جمال وعلاء مبارك
** ما رأيكم في مشاركة فريق من المحامين الكويتيين للدفاع عن الرئيس السابق، والتي اُعتبرت في الكويت أنها نوع من الوفاء والعرفان بالجميل لموقفه أثناء الغزو العراقي الغاشم على الكويت، بينما اعتبرها البعض في مصر أنها تدخل في الشؤون الداخلية لمصر؟ وهل طلب مبارك من الكويت رسميًا التدخل لمساندته في قضيته وأولاده؟
- مكة أدرى بشعابها، ومصر مليئة بكبار المحامين الأكفاء، ولماذا قام البعض من المحامين الكويتيين ما قاموا به فأعتقد أن الشعبين الكويتي والمصري يتقبلان ذلك، لأن في البلدين لدينا ديمقراطية وحرية، فمثلاً لو أن محاميًا مصريًا جاء للدفاع عن شخص سنتقبله، والعكس صحيح، إنما أعتقد أن موضوع دفاع المحامين الكويتيين لم تكن له ضرورة، ولا أعتقد أنه كان له تأثير موجب أو سالب، وكان عليهم أن يتذكروا بأن الذي قام بالثورة هو الشعب المصري، وأن الذي ساند الكويت العام 1990 هو الشعب المصري، وهم الجنود من أبناء الشعب المصري، وليسا جمال وعلاء مبارك. أما بالنسبة إلى طلب مبارك الدعم من الحكومة الكويتية فلا اعتقد بالقطع أن ذلك حدث، والمحامون الكويتيون المتطوعون ليسوا محسوبين على الحكومة.

اهتمام العرب بالسياسة أكثر من الإنتاج والتعليم والصحة والتنمية
** أخيرًا.. ما هو تصوركم المستقبلي لبلادكم خاصة، والعرب عامة، في ظل التحديات المختلفة في المنطقة؟
- أتصور أن نظرتي تشاؤمية، وأعتقد أن التغيير يحدث من سيء إلى أسوأ، وأن معطيات التغيير الإيجابي يمكن أن ترى النور بعد عام، قد تصحو دولنا العربية، وتبدأ بتقديم العقول المفكرة وتبني خارطة طريق جديدة، فيها الكثير من التجديد في مناهج التعليم والصحة، وتهتم بالتنمية وبقضايا البطالة. أما حتى هذه اللحظة فلا نرى هناك جرعة زائدة من الاهتمام بالسياسة، ولم أرَ بلدًا اهتم مثل هذا الاهتمام بالسياسة إلا وتعطل، كما لم أر بلدًا يقل اهتمامه بالسياسة وينصرف شعبه إلى تنمية ذاته وتنحية السياسة إلى جانب والاهتمام بالتعليم والصحة، حتى يقال عن أميركا، وهي أكثر دول العالم تقدمًا، أن المواطن فيها لا يعلم من رئيسه أو الدولة التي تقع على حدوده الشمالية، وإنما تسأله في مجال تخصصه، فأرجو أن نصل إلى هذا المثال، وأن يقل اهتمامنا بشدة بالسياسة، ونهتم بالقضايا الحيوية الحياتية، لأن السياسة هي كلام في كلام، وأعتقد أن الخطوة الأولى التي نتفاءل بها بمستقبل وطننا العربي هي عندما نستغل مواردنا بطريقة صحيحة، ونركز اهتمامنا على تحسين أدائنا وأبنائنا وصنع ثقافات جديدة مبدعة، تنظر إلى العمل بنوع من القدسية، فاليوم يهتم المواطن العربي بكل شيء عدا عمله.