عادت الاضطرابات والاعتصامات تخيّم على تونس من جديد بعد هدوء نسبي شهده العديد من أجزاء هذا البلد، هذه الاضطرابات امتدت إلى جهات تميزت بالهدوء حتى خلال ايام الثورة. فبعد مدن الحوض المنجمي وولاية سيدي بوزيد، جاء الدور على ولايات الجنوب تطاوين وقبلي ومدنين، وهو أمر أثار تساؤلات حول أسباب هذه التحركات التي تميزت بالفوضى والعنف، والدور الذي قد تكون الحكومة تلعبه دون وعي في كل ما يحصل.


تونس: وزير الداخلية التونسي، علي العريض، دعا المحتجين في الولايات الداخلية التي تشهد اضطرابات واعتصامات وقطع طرق إلى الهدوء وإمهال الحكومة المزيد من الوقت حتى تبدأ في التنفيذ الفعلي للمشاريع والإستثمارات التي ستوفر آلاف مواطن الشغل.

وأضاف العريض مؤكدًا على أنّ الحكومة ستنطلق قريبًا في عقد مجالس وزارية تخصصها لكل الولايات والمعتمديات مباشرة بعد انتهاء المجلس الوطني التأسيسي من المصادقة على قانون المالية التكميلي.

من ناحيته، دعا وزير التنمية الجهوية والتخطيط، جمال الدين الغربي، نواب المجلس الوطني التأسيسي إلى الإسراع بالمصادقة على القانون التكميلي للميزانية التكميلية لسنة 2012 حتى يتم الإنطلاق الفعلي لنحو 4600 مشروع في كامل جهات البلاد، واعتبر أن المشكل الحقيقي يتمثل في المشاريع العمومية المتعثرة إلى حدّ الآن.

أما رئيس حزب المجد عبد الوهاب الهاني فقد تحدث عن أسباب عودة الاضطرابات والإعتصامات في إفادة لـquot;إيلافquot;: quot;أعتقد أن ذلك يعود إلى طول انتظار الجهات المحرومة بعد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي وبعد نحو ستة أشهر من عمل الحكومة، ومن أجل السعي نحو تحقيق هذه المطالب الاجتماعية أولاً عادت هذه التحركات في عدد من جهات البلاد والسبب يعود إلى نوع من البطء في تقديم الحلول الناجعة، وفي الوقت نفسهالذي يناقش فيه المجلس الوطني التأسيسي القانون التكميلي للميزانية، وهذه إشارة من القاعدة الشعبية إلى أن هذا النقاش داخل المجلس التأسيسي، والميزانية في حد ذاتها غير مقنعة وغير كافية لتلبية انتظارات الشعب التونسي وخاصة العاطلين عن العملquot;.

ويواصل عبد الوهاب الهاني تفسيره لأسباب هذه الإضطرابات: quot;عديد الجهات الهادئة اجتماعيًا أصبح يزعجها أن المكاسب والحلول لا تأتي إلا للجهات التي تشهد اضطرابات اجتماعية من جراء سوء تعامل الحكومة التي لا تستفيق إلا لرد الفعلquot;.

إحدى التظاهرات السابقة في تونس

ويضيف الهاني: quot;قنوات التواصل والحوار بين الحكومة والمواطنين ضعيفة جدًا فقد دخلت الحكومة في حالة صدامية مع اتحاد الشغل ثم مع قطاع الإعلام حيث لا يجد المواطن طريقة منظمة لتبليغ رأيه، حيث تبدو هذه القنوات معطلة لدخول الحكومة في صدام معها، وهذا ما ولّد احتقانًا لدى الطبقة الشعبية خاصة التي لم تجد غير الإحتجاج والإعتصام لتبليغ صوتها، وهذه العناصر جميعها هي في اعتقادي التي ساعدت على تأجيج الإعتصامات والإضطرابات التي شهدتها بعض جهات البلادquot;.

وعن قدرة الحكومة على إيقاف نزيف الإعتصامات والإضطرابات والحلول الممكنة يقول الهاني: quot;الحلول تكون أولاً عبر إجراءات سريعة، وذلك من خلال مصارحة الحكومة الشعب التونسي بحقيقة الأوضاع الاقتصادية، وأن تجري جردًا للحسابات العمومية وخاصة للدين العمومي ليكون هذا الجرد حسب كل جهة ومعرفة حاجيات كل جهة والقطاعات التي تعاني من نقائص، وهذا قد يستغرق أكثر من شهر ويقوم به أصحاب الكفاءات من الخبراء المحاسبين والإداريين، وعلى رئيس الحكومة أن يصارح المواطنين بحقيقة الأوضاع الاقتصادية وبهامش المناورة الضيق حتى لا تبقى حالة الانتظار كبيرة بين انتظارات شعبية عالية وكبيرة جدًا وبين واقع صعب، وبالتالي تبدو المصارحة أكيدة جداquot;.

ويؤكد الهاني على تفعيل قنوات الحوار الاجتماعي بين الشركاء الاجتماعيين المتمثلين في الحكومة ومنظمة الأعراف والمنظمة الشغيلة في أقرب وقت وهو أمر مطلوب قائلاً: quot;يجب تفعيل القنوات الإدارية عن طريق الولاة والمعتمدين والقيام بحركة واسعة في هذا السلك اعتمادًا على مبدأ الكفاءة والتجربة والخبرة في التسيير الإداري بعيدًا عن مبدأ المكافأة والموالاة الذي اعتمدته حركة النهضة، وهي الحزب الحاكم الرئيسي في تعيين الولاة حتى يمثل الوالي فعلاً قناة تواصل بين المواطن وبين مختلف الجهات الحكومية. فلدينا اليوم ولاة متحزبون والصورة الحاصلة عنهم أنهم يعملون من أجل أجندة حزبية وليسوا موظفين إداريين يخدمون أولويات التنمية في مناطقهم، وثانيًا ضرورة إجراء حركة في سلك المعتمدين عبر تنظيم مناظرة وطنية عملاً بقانون 21 جوان 1956 حتى نعطي رسالة بأن الحكومة بصدد تجديد هياكل التواصل مع المواطنين وبصدد الاستجابة لانتظاراتهم وإيجاد قنوات الحوار والتواصل على مبدأ الكفاءة لخدمة قضايا التنمية ومشاغل المواطنين وليس على مبدأ الموالاة السياسية، وهذه في اعتقادي إجراءات سريعة لأن المواطن يعيش وضعًا مزريًا ومقلقًا على المستوى الاجتماعي، ولكن ما يقلق أكثر هو غياب الأفق وهذا ما يدفع الناس إلى مثل هذه الأشكال الاحتجاجيةquot;.

من جهة ثانية، يرى رئيس حزب المجد، أنّ على رئيس الحكومة ومباشرة بعد استكمال النظر في القانون التكميلي للميزانية أن يستعيد المبادرة السياسية ويُحدث تحويرًا في الفريق الحكومي حتى يعطي إشارة بأنه يصغي لمطالب المواطنين، ويقول: quot;إن المقربين من الحكومة والذين يدافعون عن سياساتها يجمعون على أن بعض الوزراء فاشلون في أداء مهامهم والبعض الآخر يشعل ويؤجج الصراعات والتوتر داخل المجتمع، لأن المرحلة تتطلب توافقًا، ويعطون بالتالي إشارة إيجابية بأن الحكومة تصغي و تعدّل تركيبتها حتى تستجيب لمتطلبات المرحلةquot;.

من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي وأستاذ الجامعة التونسية منجي المقدم على أن الوضع الاقتصادي لا يتسم بالهدوء: quot;الوضع الحالي مضطرب فعلاً والسبب الرئيسي في ذلك يعود إلى أنّ المواطن وخاصة العاطل عن العمل لم يرَ شيئًا جديدًا وكلما تقدمنا في الوقت تعاظمت المطالب وكثرت من دون أن تتم تلبيتها، وبالتالي فإن المواطنين قد ملّوا الوعود التي قطعتها الأحزاب الحاكمة خلال الحملة الانتخابية، وهم غير راضين بما يحصل ولا أمل لهم في المستقبل ولم يكن هناك من خيار غير الاحتجاج والاضطراب في عديد الجهاتquot;.
ويواصل المقدم: quot;هناك تبذير فلماذا حكومة بواحد وسبعين وزيرًا بينما في سويسرا سبعة وزراء فقط، ومن ناحية اتحاد الشغل فهناك ضغط من الشغالين الذين يجدون أنفسهم في وضع صعب لعدم مقدرتهم الشرائية بسببارتفاع الأسعار إلى حدّ لا يطاق، وفي الواقع ليس هناك سرّ في ما يحصل وإنما كل الحقيقة أنّ المواطنين يعيشون حالة إحباطquot; .

الحكومة وجدت نفسها أمام تركة ثقيلة ووضع اقتصادي واجتماعي صعب، وهو ما يؤكده د. المنجي المقدم: quot;صحيح أن الوضع الاقتصادي والإجتماعي في تونس صعب جدًا قبل الثورة وحتى الآن، ولكن هل يتفهم المواطن التونسي الذي لا يقدر حتى على شراء ما يحتاجه، نظرًا لارتفاع الأسعار، وينتظر إلى أن تتحسن الأوضاع ويكون له أمل في المستقبل، هذا يبدو صعب المنال، لأنه كان ينتظر من الثورة أن ترجع تونس جنة وبسرعة ويعمل كل العاطلين عن العمل وتنخفض الأسعار، ولكن بعد عام ونصف تقريبًا لم يتغيّر أي شيء بل قد يكون الأمر ساء عمّا كان عليه بالنسبة للمواطن التونسي محدود الدخل الذي يئنّ تحت رحمة الأسعار المرتفعة، وبالتالي كيف يمكن أن نطلب من هذا المواطن أن ينتظر حتى تتحسن الأمور؟ هذا المواطن الذي يثور الآن في عديد الجهات على الأوضاع الصعبة التي يعيشها والتي تسبب الحكومة في جانب كبير منهاquot;.

أما عن الحلول الممكنة فيقول د. منجي المقدم: quot;الحل الآن ليس بين يدي الحكومة، والمطلوب هو إيجاد عنصر الثقة بين المواطن والسلطة، وعلى الحكومة أن تقوم وبسرعة كبيرة بتنفيذ مشاريعها وإجراءاتها التي أعلنت عنها، والتي يتواصل النظر فيها داخل المجلس الوطني التأسيسي، هذا المجلس الذي يقف معطلاً لهذه الإجراءات التي قد توقف نزيف الاضطرابات والإعتصامات داخل جهات البلاد من خلال نقاشات تبدو في غالب الأحيان لا قيمة لها، وعوضاً عن أن تكون التدخلات ناجعة وسريعة لفائدة المواطنين تصبح المداولات خاصة بمواضيع تافهة وغير مفيدة وليست ذات أولوية، وكل قرار مهما كانت أهميته يتواصل النقاش حوله لأسبوع، فهل هذا معقول، وهل يمكن أن يتأتى هذا من أناس انتخبهم الشعب ليعطلوا بالتالي مصالحه؟ والنتيجة هي أنّ الشعب بقي ينتظر بين هؤلاء غير واعين بحقيقة هذا الشعب الذي يحلم بمستوى معيشي أفضل وأحسن مما كان عليهquot;.