وقف عبد الباسط ساروت حارس مرمى المنتخب الوطني السوري السابق وشاعر الانتفاضة السورية حالياً أمام حشد غصّ به احد شوارع حمص هاتفًا عبر مكبر صوت quot;الشعب... يريد.... التدخل العسكريquot;. ففي حمص، يعكس تطور الهتافات تطور مطالب المعارضة، من quot;الشعب يريد اسقاط المحافظquot; إلى quot;الشعب يريد اسقاط النظامquot; إلى quot;الشعب يريد إعدام الرئيسquot;، وأخيرا الهتاف الذي يطالب بالتدخل.

وما كان هذا الهتاف ليخطر على بال أحد حتى وقت قريب. ولكن الثوار السوريين أخذوا يبحثون عن فعل يغير الوضع الراهن بعد نحو خمسة عشر شهرا على انتفاضتهم دون أن تلوح نهاية في الأفق. ولا يثق أنصار الثورة بخطة أنان، وهم ليس لديهم أي أوهام بأن الشكل الذي اكتسبته الثورة بالجمع بين الاحتجاجات الشعبية والمعارضة التي تقاتل بأسلحة خفيفة، كاف لإسقاط النظام.

ويناقش ناشطون سوريون منذ أشهر ما إذا كان التدخل الخارجي هو الذي سيغير ميزان القوى لصالحهم. وإذ واصل النظام حملة البطش وأثبت الجيش السوري الحر قدرته المحدودة على حماية السكان، حدث تغير ملحوظ في موقف الثوار، من رفض أي شكل من اشكال التدخل الخارجي، باستثناء بضعة ناشطين، خلال ربيع 2011 الى دعوة واسعة النطاق لاعتماد خيارات جذرية مطروحة الآن على الطاولة.

ويتبدى هذا الاتجاه بأسطع أشكاله على صفحة فايسبوك التي انطلقت منها الدعوات الأولى الى الخروج في تظاهرات احتجاج ضد النظام. وتعمل الصفحة بوصفها الجناح الاعلامي للمعارضة ومنبرا حيويا للنقاش بين الناشطين السوريين في الداخل والخارج. ويزيد عدد المعجبين بمحتوى الصفحة على 460 الفا وهو رقم يفوق شعبية أي صفحة أخرى للثوار على فايسبوك. وينشر القائمون على الصفحة كل يوم عشرات من أشرطة الفيديو عن الاحتجاجات وعنف السلطة فضلا عن دعوات الى العمل المنسق ووحدة المعارضة. وتتلقى هذه المواد مئات التعليقات.

كما تقوم الصفحة بدور مركزي في إبراز وجه الثورة، في تحديد الرسائل التي توجهها المعارضة الى الشعب السوري والى النظام والى الرأي العام العالمي. وتطلب الصفحة من قرائها الذين ينتمون الى فصائل مختلفة من المعارضة ان يشاركوا في استطلاعات اسبوعية ايضا. وتوفر التعليقات التي تُنشر على الصفحة والاستطلاعات الاسبوعية لتسمية احتجاجات الجمعة نافذة غير علمية لكنها قيِّمة تبين كيف تطورت الآراء بشأن التدخل الدولي نحو النهايات القصوى.

فحين تصاعدت الانتفاضة واتسعت خلال ربيع وصيف 2011 كان النقاش على صفحة الفايسبوك يشير الى وجود تأييد محدود للتدخل الخارجي المباشر. وكان الناشطون يأملون في أن تتبع سوريا النموذجين التونسي والمصري في تغيير النظام بقوة الشعب.

ولكن عندما أخفقت حملة رمضان من الاحتجاجات اليومية خلال آب/اغسطس في إضعاف سيطرة النظام على دمشق وحلب بدأ التأييد يتعاظم لطلب العون من الخارج. وفي 9 ايلول/سبتمبر اختار 66 في المئة من نحو 20 الف قارئ شاركوا في الاستطلاع الاسبوعي شعار quot;جمعة الحماية الدوليةquot; متقدما على سبعة شعارات اخرى اقترحها المشاركون في اشارة الى المطالبة بشكل غير محدد من أشكال التدخل الخارجي، كما لاحظ موقع هاف بوست المعروف.

ومع تصاعد حملة القمع ضد المحتجين طوال اشهر الخريف اختار 61 في المئة من بين ما يربو على 22 ألف مشارك في الاستطلاع الاسبوعي شعارا أوضح لاحتجاجات 28 تشرين الأول/اكتوبر هو quot;جمعة الحظر الجويquot;. وبعد خمسة أسابيع، اختارت اغلبية مماثلة quot;جمعة المنطقة العازلةquot; في دعوة الى اقامة مناطق محمية دوليًا داخل الحدود السورية لتنظيم نشاط المحتجين والمنشقين عن الجيش النظامي في ملاذ آمن.

وجاءت تلك الجمعة بعد جمعة quot;الجيش السوري الحر يحمينيquot; في إشارة الى تنامي شعبية المقاومة الشعبية. وأكد ناشطون على صفحة الفايسبوك انهم ينظرون الى عمليات الجيش السوري الحر والاحتجاجات السلمية على انها عناصر تكمل بعضها البعض في النضال لإسقاط النظام.

ومع تصاعد حملة القمع خلال الشتاء اصبحت الدعوات الى دعم المجتمع الدولي للجيش السوري الحر دعوات صريحة والمطالبة بالعمل العسكري الخارجي أعلى صوتا. واختار 86 في المئة من نحو 25 الف مشارك في الاستطلاع الاسبوعي ان يُسمى 2 آذار/مارس quot;جمعة تسليح الجيش السوري الحرquot; في وقت استخدم النظام قوة غاشمة لانتزاع حي بابا عمرو في حمص من سيطرة المعارضة.

وبعد اسبوعين، اختار 68 في المئة من نحو 21 الف مشارك في الاستطلاع quot;جمعة التدخل العسكري الفوريquot;. ونالت الدعوة الى تحرك دولي محدود تحت شعار quot;جمعة الممرات الآمنةquot; أقل من 1 في المئة من اصوات المشاركين.

وبالنسبة إلى غالبية قراء الصفحة، فإن وقت الاجراءات نصف الجدية ولّى، وحدد عنوان الصفحة لتظاهرات 16 آذار/مارس ثلاثة أشكال من التدخل quot;الفوريquot; هي توجيه ضربات جوية محدَّدة الأهداف وإقامة منطقة حظر جوي وفرض منطقة آمنة. ويُلاحظ ان شعار الصفحة كان يشير الى عمل عسكري يقوم به العرب والمسلمون قبل الغرب.

ولكن النقاش الذي جرى على الصفحة، يبين أنه حتى الدعوات الصريحة الى تدخل عسكري غربي تتمتع الآن بتأييد متزايد بين الناشطين. وفي 5 و6 آذار/مارس، نشرت الصفحة مادتين تسألان القراء إن كانوا يؤيدون دعوة السناتور الجمهوري جون ماكين الى توجيه ضربات جوية ضد نظام الأسد.

واثارت المادتان بينهما أكثر من 600 تعليق. وبعد استبعاد التعليقات التي لا تمت بصلة الى الموضوع والتعليقات المتكررة وتعليقات قرّاء تشير هويتهم أو لهجتهم الى انهم ليسوا سوريين، يتضح من التعليقات المتبقية ان هناك تأييدا متزايدا لتدخل الغرب، بحسب موقع هاف بوست مضيفا ان من اصل 186 تعليقا رصدها اعرب 64 في المئة عن تأييدهم لدعوة ماكين الى توجيه ضربات جوية ضد قوات النظام مقابل 23 في المئة عارضوا مثل هذا التدخل. وتطرق 13 في المئة الى الموضوع ولكنهم لم يحددوا موقفا واضحا.

وفي بلد كان ينظر باعتزاز الى المقاومة ضد الاميركيين في العراق، فإن هذه الدعوات الى التدخل الغربي تبدو مثيرة للاهتمام بصفة خاصة. وكثيرا ما كان الناشطون الذين كتبوا مع الضربات الجوية يعبرون عن تأييدهم بمفردات تنم عن يأس واستماتة فيما ابدى كثيرون شكهم في نيات الولايات المتحدة وظنونهم في صدق ماكين. وتساءل قارئ قال إنه من مريدي الشيخ السلفي عدنان العارور quot;هل هم جادون أم ان هذا كلام فارغ لشراء مزيد من الوقت وقتل مزيد من العُزَّل؟quot; ثم اضاف انه يؤيد quot;الضربات العسكرية على هذا النظام الكلبquot;.

وفي حين أن قضية الضربات الجوية تبقى موضع خلاف وجدل، فإن تسليح الجيش السوري الحر يحظى بإجماع بين الناشطين. ويمثل هذا تحولا لافتا في حركة التفت في البداية حول شعارات لاعنفية. ففي صيف 2011 كان المعلقون على صفحة الفايسبوك كثيرا ما يتهمون دعاة المقاومة المسلحة بتقديم خدمة للنظام. واليوم توجَّه اتهامات مماثلة للسياسيين المعارضين الذين يرفضون تسليح الجيش السوري الحر.

ويطالب غالبية الناشطين القياديين من معارضين في الداخل مثل خالد ابو صلاح وعبد الباسط ساروت الى قياديين في الخارج مثل برهان غليون وهيثم المناع، بمعونة دولية للثوار الذين لا تضاهي أسلحتهم أسلحة النظام الفتاكة. ونُظمت خمسة ايام جمعة على الأقل تحت شعارات تؤيد تقديم مساعدات عسكرية للمعارضين المسلحين بينها جمعة 2 آذار/مارس الداعية الى تسليح الجيش السوري الحر. كما أصبحت هتافات التأييد للجيش السوري الحر ظاهرة شائعة في التظاهرات ومنها تظاهرات شباط/فبراير الضخمة في حي المزة وسط دمشق.

ولكن تأييد التدخل الأجنبي ليس شاملا بطبيعة الحال. وفي حين أن المجلس الوطني السوري وناشطين بارزين دعوا الى التدخل فإن أقلية قوية تمثلها لجنة التنسيق الوطنية ترفض أي شكل من أشكال التدخل الخارجي بما في ذلك تسليح الجيش السوري الحر. وتشارك اليساريين والقوميين العرب الذين يسيطرون على لجنة التنسيق الوطنية معارضتهم للتدخل مجموعة صغيرة من خارج التيار العريض للمعارضة، تضم جهاديين سلفيين متعاطفين مع تنظيم القاعدة.

ويدرك هؤلاء ان اي مساعدة تأتي من الغرب في اسقاط نظام الأسد ستضعف دعواهم بأن الجهاد وحده الذي يمكن ان يحرر السوريين من نظام الأسد. ولكن سواء أكانوا اشتراكيين أو عروبيين أو جهاديين فان معارضي التدخل يجدون أنفسهم في موقف دفاعي مع تفاقم الوضع على الأرض. ومن المألوف الآن ان نرى ناشطين على الانترنت يتهمون لجنة التنسيق الوطنية والجماعات الجهادية بارتكاب جريمة واحدة لا تُغتفر هي التعاون مع المخابرات.

وبصرف النظر عن رغبات المعارضة فان من غير المعروف إن كان أي شكل من اشكال التدخل الخارجي سينقذ ارواحا. وهذه نقطة لا يمكن التواني في تشديدها، كما يرى موقع هاف بوست محذرا من ان التدخل يمكن بكل سهولة ان يطيل أمد النزاع ويشعل حرائق اقليمية اوسع، ومن الآثار الكارثية التي يمكن ان تترتب على ارسال آلاف الأسلحة الخفيفة الى سوريا. فان هذا يمكن ان يسهم في اشاعة عدم الاستقرار على المدى البعيد فضلا عن تداعياته الاقليمية حين يجد السلاح طريقه الى دول مجاورة مثل الاردن ولبنان.

كما ان فرض منطقة حظر جوي وغير ذلك من صيغ استخدام القوة الجوية الغربية ينطوي على اثمان بشرية باهظة، على حد وصف موقع هاف بوست.

ولكن الامتناع عن التدخل يمكن ان يكرس اتجاها يكره صانعو السياسة الغربيون قبوله وهو انتقال المعارضة إلى التطرف. وفي الأسبوع الماضي استهدفت عملية تفجير كبيرة مجمعا عسكريا في دير الزور حين كان المراقبون الدوليون يقومون بمهمتهم في أنحاء البلاد. وأصبحت مثل هذه الهجمات ظاهرة ازدادت انتشارا في الأشهر القليلة الماضية.

وسارع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون والأسد على السواء الى اتهام تنظيم القاعدة بالمسؤولية عنها فيما يتهم ناشطون النظام نفسه بتدبير مثل هذه الهجمات للتخويف ببعبع الإرهاب وتشويه سمعة المعارضة. وأيا تكن الجهة المسؤولة عن التفجيرات الأخيرة فان ما لا شك فيه ان الجماعات السلفية مثل كتائب احرار الشام التي اعلنت مسؤوليتها عن سلسلة من التفجيرات التي استهدفت قوافل لقوات النظام، تقوم بدور متزايد في المعارضة المسلحة. ومن هنا إشكالية التدخل الخارجي أو عدمه. ففي غياب تدخل خارجي، قد يكون ذات مردود عكسي، يمكن أن تزداد التكتيكات المتطرفة شعبية ومعها الأفكار الراديكالية المرتبطة بها.