رغم أن القوانين الوضعية الهندية صارت تحرّم العمل بنظام laquo;الكاستraquo; الطبقي، الذي يصنّف الناس درجات عليا وسفلى، فبالنسبة إلى معظم الهندوس يظل هذا الترتيب نفسه أمرًا إلهيًا لا تستطيع أي قوة دنيوية تغييره... والنتيجة مآس إنسانية مروعة في الكثير من الأحيان.


صلاح أحمد: وسط موجة حر عالية، أجبر العطش هنديًا على طلب الماء في laquo;مغامرةraquo; دفع حياته ثمنًا لها. فعندما جاء إلى مضخة على قارعة الطريق، أمروه بالابتعاد عنها، ومواصلة السير في طريقه، لكنه رفض الانصياع. وعندما امتدت يده إليها حتى لامستها، كان قد حكم على نفسه بالإعدام، لأن laquo;قبضايraquo; المكان وعصابته، أمسكوا به للتو وفتكوا به على نحو وحشي، ولم يتركوه حتى لفظ أنفاسه الأخيرة.

قد تبدو هده الحادثة عصيّة على الفهم بالنسبة إلى معظم الناس. لكنها laquo;مفهومةraquo; على الأقل في القرية الهدية التي وقعت فيها. ذلك أن الضحية من طبقة laquo;المنبوذينraquo; السفلى في الهرم الطبقي الهندوسي (laquo;الكاستraquo; caste) وفقًا لتعاليهم الدينية التي لا يُجادل في شأنها. وعلى هذا الأساس فقد ارتكب معصية من laquo;الكبائرraquo;، لأنه حاول مساواة نفسه بمن اختارتهم الآلهة ليكونوا فوق مقامه.

طفلان من laquo;الداليتraquo;... مصيرهما أن يظلا منبوذيْن طيلة العمر

ووفقًا للصحافة الغربية، التي تداولت النبأ، فإن الرجل تعيس الحظ يدعى موهان باسفان، في أواخر أربعيناته، والحادثة وقعت في بقرية بارهوتي في ولاية بيهار. وتقول شرطة هذه الولاية إنها بدأت تقفي أثر شخص هارب الآن يدعي برامود سينغ هو الذي قاد عصابته للاعتداء الوحشي عليه.

مع أن التعاليم الدينية تغفر لسينغ وعصابته ما ارتكبوه باعتبار الضحية منبوذاً تعدى على حرمة نظام الطبقات - الذي يجعل laquo;الداليتraquo; أو المنبوذين laquo;أسفل سافلينraquo; - فإن النظام نفسه يظل شوكة في جنب الهند التي تضع نصب عينيها عضوية نادي الدول العظمى. لهذا فقد حظرته بموجب قانون البلاد العلماني. لكن هذا نفسه وضع عسير، لأنه يعني معركة أبدية بين قوانين إلهية، لا سبيل الى تغييرها، وأخرى وضعية غير ملزمة بالنسبة إلى المؤمنين.

الواقع أن كلمة caste (طبقة) نفسها ليست هندية، وإنما مستوردة من البرتغالية casta التي تعني laquo;العرقraquo; أو laquo;السلالة النقيّةraquo;. وبالنسبة إلىة الهندوس الذين يدافعون عن نظام laquo;الأبارتيدraquo; هذا، فإن مقام المرء يتحدد يوم ميلاده في هذه الطبقة أو تلك، ويظل هذا مصيره حتى مماته، إذ لا توجد قوية دنيوية قادرة على تغييره.

حدا هذا الوضع الغريب بالحكومة الهندية إلى انتهاج برنامج لـlaquo;التمييز الإيجابيraquo;، خصصت بموجبه أماكن لأبناء الطبقات السفلى في المجتمعات والمناصب الحكومية. لكن هذا هو الموقف الرسمي. أما الموقف الاجتماعي فيظل كما هو بدون أدنى قدر من التغيير.

على هذا الأساس فمن نتائج وضع الداليت المنبوذين أنهم ظلوا تقليديًا محصورين في دائرة الأعمال الدنيا والخطِرة، التي لا يقربها أبناء الطبقات الأخرى. ولأن هذه الطبقات الأخيرة، الأعلى مقاماً، تعتبرهم حثالة المجتمع وlaquo;قذرين إلى حد النجاسةraquo;، فيحرّم عليهم ما يتمتع به الآخرون، بما في ذلك الصلاة في معبد يوجد فيه شخص أعلى مقامًا منهم، وحتى الشرب من مياه البئر نفسها.