يتخوف كثيرون أن تقود الخلافات بين افراد المعارضة السورية في الخارج إلى تأخير إسقاط نظام الأسد الذي ما زال يراهن على الدعم الروسي والإيراني.


حين كان قادة المعارضة السورية يتبادلون اللكمات في أروقة فندق خمسة نجوم في القاهرة أوائل هذا الشهر كان المقاتلون في محافظة ادلب يمضون ساعات محاولين التصدي للدبابات والعربات المصفحة والمروحيات الهجومية بالكلاشنكوف أو ما يزيد عليها قليلاً.

وبحلول المساء عندما كان المقاتلون يهربون من القصف الذي قتل عشرات منهم، كما أفادت تقارير، كان المشاركون في مؤتمر القاهرة ما زالوا يتخاصمون على مشاريع ما بعد الثورة.

وقال مراقبون إن الخلافات التي شهدها مؤتمر القاهرة أماطت اللثام عن صراعات على السلطة بين معارضين سوريين يريدون إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد في وقت يقترب النزاع أكثر فأكثر من قصره. وفي يوم الأربعاء قُتل ثلاثة من كبار مسؤولي النظام العسكريين والأمنيين في عملية تفجير استهدفت مركز سلطة النظام ذاته.

مقاتلون من افراد المعارضة السورية

ولكن حتى في وقت يقول المقاتلون إنهم ماضون نحو quot;المعركة الفاصلةquot; فان آخرين يرون أن النصر ليس قريبا لا سيما وان المعارضة ما زالت عاجزة عن الاتفاق على طريقة إسقاط الأسد ومَنْ يقود التغيير.

ولعل ما له أبلغ الأثر في مستقبل الانتفاضة هو الجفاء المتزايد بين معارضي الخارج الذين استأثروا بخطاب الثورة دوليا والناشطين الذين يخاطرون بحياتهم للنضال في الداخل.

ومنذ أشهر يحاول قادة في المعارضة كانوا في طليعة الانتفاضة عندما اندلعت أن يطوروا نضالهم إلى أدوار أشد فاعلية على الجبهة السياسية، وفي تنظيمات مثل المؤتمر الوطني السوري.

ولكن رغم أنهم قادوا الاحتجاجات الأولى وأسهموا في تشكيل كتائب مسلحة وأصبحوا قادة محليين فأنهم بقوا في الصف الثاني وراء معارضي الخارج في مصر وتركيا الذين يقول العديد من الناشطين أنهم ليسوا على صلة بالثورة والبلد اللذين يتحدثون باسمهما.

وقال الناشط معز الشامي لصحيفة لوس انجيلوس على سكايب من دمشق quot;إن كل من يقول انه يمثلنا يكذب، والدليل أنهم لا يتبنون مطالب الثورة. فهم سياسيون يحاولون التسلق على أكتافنا وعلى أهدافناquot;.

وإذا كان الانقسام بين معارضة الخارج ومعارضة الداخل متوقعا، كما تشهد على ذلك أمثلة العراق وليبيا وأفغانستان فانه في سوريا ازداد عمقا بسبب بقاء معارضي الخارج في المهجر غير قادرين على العودة إلى الداخل.

وفي انتفاضة كهذه تفتقر إلى مركز يقودها يكون من الصعب إيجاد صوت يمثل قطاعات واسعة. ولا يثير هذا تساؤلات عن فرص نجاح الانتفاضة فحسب بل يشير أيضا إلى تحديات كبيرة تنتظر الفترة الانتقالية بعد رحيل الأسد، بحسب صحيفة لوس انجيلوس تايمز.

وتشير الصحيفة الأميركية إلى أن لصراعات المعارضة الداخلية دلالات أخرى. إذ أن البعض كان وصف الخلافات التي جرت في مؤتمر القاهرة حيث انسحب الوفد الكردي، بأنها ذريعة لتلكؤ زعماء العالم عن دعم المعارضة خوفا من أنها ما زالت لا تمثل بديلا صالحا.

كان احمد زيدان، الذي يستخدم اسما مستعارا، تسلل أول مرة عبر الأراضي السورية إلى تركيا في أواخر آذار/مارس للمشاركة في مؤتمر أصدقاء سوريا في اسطنبول. وغادر زيدان قريته في محافظة ادلب متوجها بسيارة إلى بلدة تركية حدودية حيث لاذ آلاف اللاجئين والمقاتلين الجرحى والعسكريين المنشقين.

وبعد أن مشى زيدان أكثر من ساعة عبر الجبال الممتدة بين البلدين ابلغ مركز شرطة في تركيا بدخوله أراضيها ظنا بأن الأتراك سيتيحون له مواصلة رحلته. وبدلا من ذلك أخذوه مع مئات آخرين إلى مخيم لاجئين.

وأوضح زيدان انه عضو في المجلس الوطني السوري وانه قائد سياسي في محافظة ادلب وذاهب لحضور مؤتمر. ولكن هذا كله لم يعن شيئا للجنود الأتراك.

الآن يوزع زيدان وقته بين سوريا والخارج مستخدما طريق التهريب الجبلي نفسه مع التوفيق بين دوره مسؤولا سياسيا ودوره قائدا عسكريا وناشطا محليا. وبعد كل الرحلات التي قام بها زيدان فانه الآن مثقل بديون تزيد على 10 آلاف دولار.

وهذا مقايضة يمارسها زيدان وغيره من معارضي الداخل. فهم لنيل الاعتراف عليهم السفر خارج البلاد من أجل تمثيل ثورتهم، ولكن كلما زاد الوقت الذي يمضونه في الخارج تآكلت مصداقيتهم في الداخل.

وقال زيدان متحدثا باسم المجلس الثوري في ادلب إن لدى معارضي الداخل دورا أكبر الآن وهم يفهمون اللعبة السياسية على نحو أفضل والعالم يريد التعامل مع الناشطين من الداخل وليس مع الوجوه السياسية القديمة التي تقيم في الخارج منذ سنوات.

وعندما شُكل المجلس الوطني السوري في تشرين الأول/أكتوبر الماضي عقد ناشطو الداخل وزعماء العالم آمالا عريضة عليه بوصفه صيغة مماثلة للمجلس الوطني الانتقالي الليبي الذي وفر اطارا لتوحيد المجهود الدولي في دعم المعارضة الليبية.

وبدلا من ذلك ابتلى المجلس الوطني السوري بصراعات بين فصائل مختلفة تمثل أيديولوجيات وطوائف وقوميات مختلفة مثل الكرد والإخوان المسلمين.

وعملت تنظيمات الداخل طيلة أشهر على توحيد صفوفها لنيل صوت أعلى في المعارضة. وبدأت مفاوضات ثم انهارت مرات عديدة. ولكن مع تفاقم الوضع وارتفاع عدد الضحايا إلى نحو 100 قتيل في اليوم بُذلت محاولة جديدة لتولي قيادة المعارضة، وخاصة في التعامل مع الدول العربية والغربية.

وفي حزيران بادرت ثلاثة فصائل تمثل الحركات الثورية في الداخل الى تشكيل اطار اختارت له اسما ليس رنانا هو لجنة العمل المشترك. وقررت لجان التنسيق المحلية، ابرز فصائل الداخل، ألا تنضم الى الاطار الجديد ولكنها لم تقدم اسبابا محدَّدة.

ونقلت صحيفة لوس انجيلوس تايمز عن صالح حموي القيادي في الهيئة العامة للثورة السورية في حماة قوله إن لجنة العمل المشترك quot;كان ينبغي أن تُشكل منذ زمن طويل ولكن ما زالت هناك فرصة لأن تقدم حلا للمجلسquot;. وأضاف ان المجلس الوطني السوري quot;لا يعبر عن مطالب الثورةquot;.

رئيس المجلس الوطني السوري عبد الباسط سيدا
واعرب رضوان زيادة المتحدث باسم المجلس الوطني السوري في واشنطن واحد اقطاب المعارضة السورية في الخارج، عن شكه بجدوى لجنة العمل المشترك ولكنه اعترف ايضا بأن جماعات مثل المجلس الوطني السوري نفسه لم تفعل ما فيه الكفاية لدعم الثورة في الداخل.

واشار زيادة الى ان دور معارضة الخارج تركز في الغالب على ارسال مساعدات مالية وانسانية الى الداخل، ولكن كان بمقدورها ان تفعل المزيد لتحشيد الدعم الدولي والمطالبة بتحرك أشد حسما.

وقال زيدان الذي تحدث للصحيفة الأميركية من بروكسل حيث شارك في اجتماعات quot;إن القادة في واشنطن أو القاهرة او اسطنبول فشلوا في حماية المدنيين في الداخل ولهذا السبب اصبح مقاتلو الجيش السوري الحر ابطال الشعب السوريquot;.

ويشهد المجلس الوطني السوري اعادة هيكلة واسعة يرى الناشطون فيها فرصة لشغل مقاعد أكثر واكتساب صوت أقوى في المجلس. ولكن فصائل عديدة أخرى تناور لزيادة تمثيلها ايضا.

وقال الناشط معز الشامي من دمشق انه quot;يجري تجاهل صوت الداخل فيما يتحدث الجميع باسم الثوار، ولكن من يريد ان يمارس لعبة السياسة عليه ألا يلعبها على حساب الشعب السوري. وفي نهاية المطاف يعود الأمر إلى إرادة الشعب على الأرضquot;.