رغم نجاح جماعة الإخوان المسلمين في مصر في حسم نتيجة الانتخابات الرئاسية لصالحها، ومن قبلها انتخابات مجلس الشعب التي ألغيت بقرار المحكمة الدستورية في ما بعد، إلا أن العديد من علامات الاستفهام تطرح حول الشعبية الحقيقية للجماعة التي حققت ما أرادت بعد 80 عامًا على تأسيسها.



يرى مراقبون أن الإسلاميين في مصر يخسرون شعبيتهم شيئًا فشيئًا، بسبب التجاوزات التي أسرف بعض أعضاء الجماعة في ممارستها بعد وصولهم الى البرلمان (مجلس الشعب) وسياساتهم الخاطئة وتراجعهم المتكرر عن قراراتهم التي أعلنوا إلتزامهم بها، واهتمامهم بالأمور الفرعية وإهمالهم للأمور الأكثر أهمية. ما أدى إلى انخفاض شعبيتهم في الشارع على الرغم من فوز الدكتور محمد مرسي مرشحها بكرسي الرئاسة.

الرئيس المصري محمد مرسي

وقد تمكنت أحزاب الإسلام السياسي في مصر بقيادة (جماعة الإخوان المسلمين) من انتزاع السلطة والوصول الى كرسي الحكم. المشروع الذي طالما حلمت به وسعت لأجله باستماتة منذ نشأتها. 80 عامًا استطاعت الجماعة خلالها تكوين قاعدة جماهيرية كبيرة لها في المجتمع. ومن خلال استخدامها الشعار الديني ( الإسلام هو الحل ) وتقديم الخدمات للناس ورفعها شعار quot;محاربة الفسادquot; وكل ما يتصل بالمحرمات، وبالتالي استطاعت الجماعة كسب تعاطف وتأييد عدد كبير من الناس ليس فقط في مصر بل والعالم العربي والإسلامي كله.

وفي خضم الفرحة العارمة التي شهدتها شوارع مصر وضواحيها بهزيمة النظام القديم ودحره. لم تتم ترجمة النتيجة بطريقة صحيحة. فتحليل النتيجة كشف حجم الشعبية والتأييد الحقيقي لأحزاب الإسلام السياسي وخاصة جماعة الإخوان المسلمين التي لها الريادة في هذا المضمار. فقد جاءت النتيجة51 ٪ لصالح الدكتور مرسي مقابل 49٪ لصالح الفريق شفيق.والمتمعن جيدًا يجد أن طريق الدكتور مرسي لم يكن مفروشًا بالورود كي يصل إلى منصب الرئاسة بكل تلك السهولة. بل فاز بفارق ضئيل أمام خصمه القوي الذي هزم بنسبة 49٪. و هو ما يعكس أمرين فمن جهة تخوف الشارع من حكم جماعات الإسلام السياسي. وعدم وثوقهم في وعودها التي ما تلبث أن توجد مبررات كثيرة لتتراجع عنها. ومن جهة أخرى تتوق الشارع نحو دولة مدنية تضم كل أطياف الشعب لا تتحكم فيها المرجعية الدينية. والدليل على ذلك أنه على الرغم من الإتهامات التي وجهت لأحمد شفيق من أنه محسوب على رجالات النظام القديم ومشاركته في موقعة الجملوتوليه منصب رئاسة الوزراء قبيل تنحي مبارك إلا أنه استطاع انتزاع 49٪ من أصوات المصريين، وهي النسبة التي تمثل المؤيدين لمشروع الدولة المدنية والذين ترفعوا على جراحهم وشاهدوا فيه ممثلاً للدولة المدنية على الرغم من كل التهم الموجهة له. وهو ما يؤكد عدم الثقة والخوف من حكم الإخوان.

وفي استفتاء شعبي كان قد أجري بعد ثلاثة أشهر على انتخاب أعضاء البرلمان وفوز مرشحي الإخوان وتيار الإسلام السياسي في مصر، والذين حصلوا في الإنتخابات البرلمانية على 77٪ من الأصوات،ولكن بسبب الأخطاء المتكررة وانشغالهم بأمور فرعية لصالحهم عن الأمور الأكثر أهمية، والتي تخدم مصالح الشعب، تراجعت شعبيتهم وخسروا أكثر من 37٪ من تأييد وتعاطف الناس معهم في انتخابات الجولة الأولى.

الإخوان أم المفلول.. وسياسة أقل الضررين

وكان معهد كارنيغي قد أصدر تحليلاً حول ما خسره الأخوان في الإنتخابات الرئاسية المصرية، وضح فيه الكاتب عاطف السعداوي نسب التصويت التي حصل عليها الناخبون والفروقات في ما بينهم. وكانت نسب التصويت قد وصلت 25٪ أي ما يعادل5.7 ملايين صوت لصالح مرشح الإخوان في الجولة الأولى وهي نفس الأصوات التي أيدته وحملها معه في الجولة الثانية، أما باقي الأصوات التي حصدها فكانت من نصيب المرشحين الذين خرجوا من السباق، والتي إما أبطلت صوتها لعدم قناعتها بأي من المرشحين أو التي أيدت مرشحًا على مبدأ (أقل الضررين) إن لم يكن (أفضل الأفضلين). وهو ما يفهم منه أن الفرح بفوز مرسي ما هو إلا فرح بهزيمة النظام القديم والمتمثل بصورة شفيق.

قراءة استراتيجية خاطئة

كبير المحللين السياسيين في وزارة الدفاع الأميركية سابقًا محمد كمال الصاوي

من جهته، يرى كبير المحللين السياسيين في وزارة الدفاع الأميركية سابقًا والمتقاعد حاليًا محمد كمال الصاوي، بأن أخطاء الجماعة بدأت من قراءتها الإستراتيجية الخاطئة والمتكررة لمصر بعد الثورة وعدم احترامها للعملية الديمقراطية، وهو ما أفقدها جزءاً كبيرًا من شعبيتها.

كما أن تراجعهم المتكرر عن قراراتهم ووعودهم أدى إلى فقدان الثقة بينهم وبين الناس. فكانوا قد أعلنوا انهم لن يتنافسوا على منصب الرئيس ومن قبلها كانوا قد أعلنوا أنهم لن يترشحوا لأكثر من 30٪ من مقاعد مجلس الشعب في الإنتخابات البرلمانية. والنتيجة تكالبهم على احتلال مقاعد البرلمان كما أنهم دفعوا محمد مرسي للنزول في انتخابات الرئاسة بعدما تم رفض مرشحهم الأول خيرت الشاطر. وانشغالهم في الأمور الفرعية وتركهم للأمور الأكثر أهمية، ما أدى إلى إحباط شريحة كبيرة من الناس كانت ترى فيهم المنقذ. مضيفًا:quot; البعض يرى أن الإخوان تسببوا في خلق عقبات كبيرة أمام تحقيق أهداف الثورة الأساسية والمتمثلة في بناء النظام الديمقراطيquot;.

مؤكدًا: quot;على الرغم من أن الإخوان ليسوا مفجري الثورة، إلا أنهم سعوا لإعادة انتاج الثورة بجمع العشرات في الميدان عدة مرات تحت اسم (شرعية الميدان)، وهو ما أفقدهم الكثير من مصداقيتهم، وأعطى انطباعًا عن الجماعة بأنها تصنع الثورات كلما أرادت تحقيقًا لمطالبها والضغط على المجلس العسكري. و مصر دولة عريقة ذات تاريخ ولديها نظام إداري وقانوني ومؤسسات ومن يتجاوز ذلك للوصول للسلطة يسيء لنفسه وليس للثورةquot;.

فرحة quot;مزيفةquot;

ويعتقد الصاوي بأن حالة الفرحة التي عمت الشارع المصري بفوز مرسي لا تمثل الأغلبية الساحقة بقدر ما هي فرحة بهزيمة النظام القديم ليس إلا. ذلك أن فوزه يعد فوزًا لجماعات الإسلام السياسي وهو يمثل بداية حقبة جديدة من حكم الإسلاميين التي لا يؤيدها الكثيرون لأنها لا تحترم حقوق المرأة ولا الأقليات الدينية الأخرى. وأضاف:quot; كما أنها ترسخ لحكم المرشد والقرار سيعود له. وربما أكثر ما يقلق الناس هو أن تكون التجربة الإخوانية في مصر على غرار التجربة الإيرانية وليست التركية التي يرى فيها البعض أنها أفضل التجارب، والتي حققت نمواً وازدهارًا اقتصاديًاquot;.

الدكتور كمال حبيب

في المقابل، يرى الدكتور كمال حبيب الخبير في شؤون الحركات الإسلامية في اتصال هاتفي مع quot;إيلافquot;، بأن الغضب والخوف مسألة نسبية بين الناس، وأضاف:quot; على الرغم من تخوف شريحة وقطاعات معينة في المجتمع من إعلاميين ورجال أعمال وقطاع السياحة والفن والأدب وقوى سياسية أخرى وأقليات، إلا أن هناك عدداً كبيراً من هذه القطاعات أيضا لا يتخوف وهو يؤيد جماعة الإخوان والدكتور مرسيquot; قائلاً: quot;المسألة نسبية وتدخل في إطار سياسي اجتماعي. و ما يحدث أن الناس دائمًا تتخوف من الجديد.quot; محملاً النظام القديم جزءاً من المسؤولية لإستخدامه في الماضي جماعة الإخوان كفزاعة يخيف بها الناس كي يمرر ما يريد من دون اعتراض.rdquo; ومن جهة أخرى فهو يرى بأن الإخوان يغضبون بعض القوى الثورية الأخرى بسبب انتقالهم من الميدان للتحالف فظهروا بثوب المتآمرين على الثورة والموظفين لها لخدمة مصالحهمquot;.

ونوه حبيب إلى أن الجماعة لم تفقد شعبيتها بعد ولها وزنها وثقلها في الشارع، وما حدث أنها فقدت شريحة من الناس كانت تؤيدها في السابق. معللاً ذلك بأداء البرلمان غير المرضي، والذي كان سببًا من أسباب انخفاض شعبيتها وتخوف الناس في ما بعد من وصولها الى السلطة. قائلا: rdquo; أداء البرلمان لم يكن مرضيًا، وما زلنا في بداية التجربة، نحاول تلمس الطريق وهذا هو سبب الإخفاقاتquot;.

في المقابل، فهو يرى بأن التجربة الإخوانية المصرية أكثر ما تتشابه مع التجربة التركية وليست الإيرانية، فالمرحلة التي تسلم فيها مرسي الحكم متشابهة لحد ما بالفترة التي تسلم فيها أربكان الحكم في تركيا. ذلك أن المؤسسة العسكرية مازالت تمتلك زمام الأمور ولديها القوة والنفوذ داخل الدولة بعد الثورة. كما أنها القوة والفاعل الرئيسي الحقيقي في الدولة حتى بعد وجود رئيس منتخب، في حين يستبعد أن تكون المرحلة الحالية في حكم مرسي قريبة أو متشابهة بحكم أردوغان. معتبرًا أن مرسي لم يستطع الخروج من عباءة الإخوان المسلمين والتحرر منها، والتي ينتمي إليها بعد.rdquo; قائلاً:quot; قدرة نجاح الرئيس على التحرر من جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها، هي الطريق الوحيد الذي يستطيع من خلاله تكوين التفافوطني حوله يدعمه في مواجهة المجلس العسكري، وبالتالي يطمئن المتخوفين منه ومن توجهه الفكريquot;.

في ضوء ذلك، يؤكد كمال حبيب على أن القرار الأخير الذي اتخذه الرئيس بشأن الإعلان الدستوري المكمل كان قراراً متعجلاً، وإن كان له الحق في استعادة سلطاته. ذلك أنه عليه أولاً تجاوز الجماعة و التأسيس لنفسه لإدارة ملايين المصريين وليس للجماعة فقط . فهو رئيس لمصر والمصريين وليس تابعًا لقرارات الجماعة. وهو ما سوف يساعده في انتزاع سلطاته كرئيس من المجلس العسكر، وذلك على حد تعبيره.